سورية: المعارضة و"النصرة" تستعدّان للمواجهة الشاملة

04 يناير 2015
لا تبدو حظوظ المعارضة مرتفعة في مواجهة النظام(فرانس برس)
+ الخط -

يواصل سكان ضواحي دمشق الجنوبية احتجاجاتهم، لليوم السادس على التوالي، مطالبين بخروج تنظيم "القاعدة في بلاد الشام"، ممثلاً في "جبهة النصرة"، من مناطق سيطرة المعارضة، جنوب العاصمة. في وقت تتواصل فيه التظاهرات ضدّ "النصرة" في مدينة سلقين، بريف إدلب وفي مدينة الأتارب بريف حلب، بعد اعتداءات عناصرها المتكررة على مقاتلي المعارضة والسكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وكان أكثر من ألف متظاهر، خرجوا بعد صلاة يوم الجمعة، من جامع بلدة بيت سحم الكبير في دمشق ليجوبوا شوارع البلدة، وصولاً إلى ساحة البلدية في بلدة ببيلا القريبة، مطالبين بخروج "النصرة" من مناطق سيطرة المعارضة في ضواحي جنوب دمشق.
وتأتي هذه التظاهرات، بعد إقدام مسلحين تابعين لـ"النصرة"، مطلع الأسبوع، على إطلاق النار على نقطة أمنية، تابعة لقوات المعارضة في بلدة بيت سحم، لتخرج في اليوم الثاني تظاهرة مناهضة لـ"النصرة"، أقدم خلالها أحد عناصر "النصرة" على إطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل أحدهم، وفق ما يوضحه الناطق باسم "تجمّع ربيع الثورة السوريّة"، إسماعيل مطر لـ"العربي الجديد".

وانطلقت في الأيام اللاحقة تظاهرات في بلدتي بيت سحم وببيلا، طالبت "النصرة" بداية، بتسليم الجناة الذين اعتدوا على حاجز النقطة الأمنيّة، وأطلقوا النار على المتظاهرين، إلى المحكمة الشرعيّة التابعة لفصائل المعارضة، قبل أن يطالبوا بخروج "النصرة" بشكل كامل من مناطق سيطرة المعارضة، جنوب دمشق.
ولم تتدخّل كتائب المعارضة السورية الموجودة في المنطقة حتى الآن، ضدّ قوات "النصرة"، لكنّ الهيئة الشرعيّة التي تمثل فصائل المعارضة في جنوب دمشق، طالبتها في بيان صادر عنها، بتسليم المعتدين في موعد أقصاه مساء أمس السبت، فيما يبدو أنه تهديد من فصائل المعارضة السورية في المنطقة لـ"النصرة"، بضرورة الامتثال وتقديم عناصرها المعتدين لمحاكمتهم أمام المحكمة التابعة لقوات المعارضة.

ولا تقبل "النصرة" عادة بمحاكمة عناصرها في أيّ حال، لدى محاكم غير تابعة بشكل كامل لها أو تحت سيطرتها بشكل فعلي، الأمر الذي يُنذر باقتراب مواجهة عسكريّة بين قوات المعارضة في ضواحي دمشق الجنوبيّة وجبهة "النصرة".
وفي السياق ذاته، واصل أهالي بلدة سلقين، القريبة من الحدود السورية التركية في ريف إدلب، شمال البلاد، احتجاجاتهم ضدّ ممارسات دار القضاء وشرطة الحسبة، التابعين لتنظيم "جبهة النصرة" في المدينة، على خلفيّة ضرب الشرطة ثلاث فتيات في ساحة المدينة الرئيسية، بسبب عدم ارتدائهن للباس الأسود الذي تفرضه "النصرة" على السكان.

وقابل عناصر "النصرة" تظاهرات سلقين، بعملية ضرب المتظاهرين واعتقال عدد منهم، بعد تفريق تظاهراتهم بإطلاق النار في الهواء، وفق ما يفيد به الناشط إسماعيل السلقيني لـ"العربي الجديد"، الأمر الذي زاد من نقمة الأهالي على عناصر النصرة، وتجلى ذلك في خروج تظاهرات أكبر في اليوم اللاحق.
وبدا لافتاً في تظاهرات سلقين، إقدام عناصر "النصرة" على اتهام عناصر حركة "أحرار الشام"، المحسوبة على المعارضة السورية، بتحريض السكان على التظاهر ضد "النصرة"، وفق ما توضحه مصادر محليّة في سلقين لـ"العربي الجديد"، في وقت ينفي فيه القيادي في حركة "أحرار الشام"، أبوعثمان الحلبي، وفق بيان صادر عنه، أن يكون للحركة أيّ دور في تحريض السكان على التظاهر ضد "النصرة".
ولم يتأخّر الجانبان في القيام بخطوات استفزازيّة، ليبلغ التوتر ذروته يوم الخميس الماضي، مع اعتقال "النصرة" قياديين في حركة "أحرار الشام" في سلقين بعد خروج تظاهرة جديدة للسكان، من دون أن تفلح وساطة قادة في كتائب المعارضة في المناطق القريبة من سلقين، في إطلاق سراحهما. ولم تتأخر حركة "أحرار الشام" في الردّ باعتقال ثلاثة عناصر من جبهة "النصرة" في المدينة، لمبادلتهم مع قياديي الحركة، وهو ما حصل أول من أمس.

وتدلّ هذه المؤشّرات على تصاعد التوتّر بين مختلف فصائل المعارضة السورية من جهة، وجبهة النصرة من جهة ثانية، في مناطق الشمال السوري، خصوصاً بعد أن قضت الجبهة أخيراً على وجود "حركة حزم" وجبهة "ثوار سورية"، في ريف إدلب. كما هاجمت قبل أيام قليلة، بلدة جوزف في منطقة جبل الزاوية، المعقل السابق لجبهة "ثوار سورية"، وقتلت أحد سكان البلدة أثناء مداهمات شنّتها، ليخرج سكان البلدة في تظاهرة كبيرة خلال تشييعه، منددين بالتنظيم، ومطالبين بخروجه من قراهم وبلداتهم.
ويبدو أنّ الأمور لن تقف عند هذا الحدّ، إذ تنقل مصادر مقرّبة من "النصرة" أخباراً عن استعدادات التنظيم لمهاجمة الفوج 46، الواقع في ريف مدينة الأتارب، في ريف حلب الغربي، الذي يُعتبر المعقل الرئيسي لـ"حركة حزم"، التي تتلقى دعماً مباشراً من حكومة الولايات المتحدة الأميركيّة. وتصعّد هذه الأخبار من التوتر في منطقة ريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي بين مختلف فصائل المعارضة من جهة، وجبهة النصرة من جهة ثانية.

وتترقّب جميع فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري إقدام "جبهة النصرة"، على مهاجمتها، خصوصاً بعد تجرّئها على مهاجمة الفصائل الأكبر في ريف إدلب وقضائها عليها، الأمر الذي ينذر بتكرار سيناريو المواجهة الشاملة بين فصائل المعارضة السورية من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من جهة ثانية، والذي اندلعت مطلع العام الماضي في مختلف مناطق البلاد الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة السورية.

ويبدو أنّ المواجهة المتوقّعة لن تصبّ في صالح قوات المعارضة السورية حالياً، خصوصاً مع ضغط قوات النظام السوري المستمر، شمال مدينة حلب، بهدف التقدم والسيطرة على منطقة الملاح الاستراتيجية، بهدف فرض حصار كامل على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب. ويتزامن هذا الضغط مع هجمات متكررة يشنّها "داعش"، على مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، حيث سيؤدي كلّ ذلك إلى تقليل فرص قوات المعارضة في التصدي لتمدّد النصرة، شمال البلاد، على حساب قوات المعارضة التي باتت تُستنزف يومياً على جبهتي قتال النظام السوري و"داعش".

المساهمون