الأرجنتين بحاجة الى غيفارا: إفلاس للمرة الثانية بـ12 عاماً

22 اغسطس 2014
تحصد كيرشنير ثمن مصائب أسلافها منهم زوجها (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

أن تكون أرجنتينياً، يعني أن تكون فخوراً بإنجازات الثائر تشي غيفارا، والزعيمة ايفا بيرون، وأسطورة كرة القدم دييغو مارادونا، والبابا فرنسيس، وغيرهم كثر. لن تكون فخوراً بالطبع، للأحزان المدموغة باسم الحكم العسكري (1976 ــ 1983)، الذي خلّد آثاره البشعة في "ساحة مايو". الساحة التي حوّلتها الأمهات، ثم الجدات، الى مركز تجمّع، للمطالبة بمصير 30 ألف معتقل في الزنزانات العسكرية. وأفضى جهدهن حتى الآن، الى التعرّف على مصير 114 حفيداً.

لحظة جميلة وعاطفية، لبلاد تحمل في طياتها كل مقوّمات العاطفة المتوسطية، من رقصة "التانغو" الى مشروب المتّي، من صحراء باتاغونيا، الى جبال الأنديز، ومن "مار دل بلاتا"، الى جزر المالفيناس. تلك البلاد محرومة من كونها إحدى الأسواق الناشئة، بالرغم من انخراطها في سوق "ميركوسور" الأميركية الجنوبية، وتمتّعها بكل مقوّمات التجارة، خصوصاً في مضيق ماجيلان. وبالرغم من موقعها الطبيعي، في تزويد القارتين الافريقية والأميركية بالنفط... لو كان أرجنتينياً، ولم تسيطر عليه بريطانيا في المالفيناس، الواقعة في قلب المحيط الأطلسي بين افريقيا وأميركا الجنوبية.

خسرت الأرجنتين الكثير في السنوات الأربعين الأخيرة، فبدلاً من أن تكون رائدة الديمقراطية، بين جارتين كانتا غارقتين في العسكريتاريا، حتى أذنيهما، أي البرازيل وتشيلي، تحوّلت الى نموذج أسوأ منهما في مرحلة لاحقة. قضت بوينس أيريس على فرصتها في قيادة أميركا الجنوبية، نحو مجتمع دولي متحفّز. وأدّى سوء تطبيق الديمقراطية العائدة، وعدم التخلّص الفعلي من ترسبّات الحكم العسكري، الى سقوط أول رئيسين بعد حكم العسكر، راوول ألفونسين، ثم كارلوس منعم، في فخّ المآسي الاقتصادية. لم تتمكن البلاد، من محو آثار العقود الماضية، وسقطت في فخّ الفقر، علماً أن اسمها مشتقٌّ من الفضة. الاسم فقط، فالبلاد تحتاج حقاً الى الفضة للنجاة من المقصلة الدولية، بعد تراكم الديون المستحقّة عليها. فللمرة الثانية في 12 عاماً، تجد بوينس أيريس نفسها، اليوم، أسيرة الديون، التي لم تستطع إيفائها، ما جعل حكومة الرئيسة، كريستينا كيرشنر، تعمل بدأب، لانقاذ ما يُمكن انقاذه.

تدرك البلاد أن جيرانها لا يريدون "الخير" لها، فتشيلي مثلاً، لا تجد في الأرجنتين سوى المنافسة الحقيقية، القادرة على سحقها اقتصادياً، في أي وقت. أما البرازيل، فقد سارعت الى خطف موقع كان مرجّحاً أن يكون للأرجنتين، في دول "البريكس". أما الأوروغواي، فتأمل جارة المقلب الآخر من نهر مار دل بلاتا، ومعها الباراغواي، أن تعمد بوينس أيريس الى تزويدها بمعلومات عن المفاعل النووي "أتوتشا 1"، الذي يبعد 80 كيلومتراً عن مدينة كولونيا، الأوروغويانية.

مفاعل "أتوتشا 1"، الأخ الأكبر لـ"أتوتشا 2"، يعاني من مشاكل في مسألة الأمن والسلامة، حسبما ذكر موقع "لابوليتيكا أونلاين" الأرجنتيني، الذي أكد "أن المفاعل يعمل منذ سبعينيات القرن العشرين، من دون أن يشهد تجديداً في نظامه ومعداته". سيغلق "أتوتشا 1"، الأبواب أمام اعتزام الأرجنتين بناء مفاعل نووي ثالث. مرّ شريط مرحلة (2001 ــ 2002)، سريعاً أمام عيني كيرشنر، التي شاهدت ثورة "الطناجر" لـ40 مليون أرجنتيني، وانتخاب رئيسين للجمهورية في أسبوع واحد (أدولفو رودريغيز سا، بين 22 ديسمبر/ كانون الأول 2001 و30 منه، ثم ادواردو دوهالدي)، من أجل معالجة الوضع الاقتصادي. فالعالم يحتاج الى صدمة حتى يثق ببلد ما، والصدمة التي أرساها انتخاب رئيسين متتاليين، كادت أن تتحوّل الى مأساة، لولا موافقة المجتمع الدولي على تعديل الديون الأرجنتينية، وطريقة دفعها. ومع أنه وفي وقت الاستحقاق، لم تتمكن البلاد من اتمام موجباتها، إلا أن هذا لم يمنع كيرشنر، من اتهام الدائنين بـ"الجشع"، وهي سلوكية تؤكد أن الأرجنتين مفلسة، للمرة الثانية في 12 عاماً. السبب بسيط: يزور السائح الأرجنتين، ويرغب بصرف العملة التي يحملها إلى بيزو (العملة المحلية)، فيُجابَه بصرّافين تقتصر مهمتهم على منحه عملة مزوّرة، فالبنية البيروقراطية الفاسدة، ما زالت ناشطة داخل البلاد من دون معالجة جذرية لها، وما ضيّق كريستينا كيرشنر سوى ترجمة لفشلها في معالجة ما فشل أسلافها عنه، ومنهم زوجها الراحل نستور كيرشنر (2003 ــ 2010)، وهو مكافحة الفساد الإداري، لعنة أميركا الجنوبية إلى الأبد.

خسرت الأرجنتين، جزر المالفيناس، وكذلك معركتها الأولى، والثانية على الطريق، ضد الافلاس، من دون سبر أغوار معضلة الفساد. وحتى تدرك أن قيمتها أكبر بكثير مما هي عليه، ستبقى منشغلة بالبكاء على ما خسرته، وبكرة القدم. في هذا الوقت تحتاج الأرجنتين الى استلهام ثورة غيفارا، حتى تنجو، لمرة واحدة ونهائية.

دلالات
المساهمون