نخب إسرائيليّة تنتقد مبالغة نتنياهو في مواقفه الإيرانيّة

09 نوفمبر 2014
نتنياهو هدّد بضرب إيران من أجل ابتزاز أوباما(شيب سوموديفيلا/Getty)
+ الخط -

على الرغم من أن ممثلي إيران والدول العظمى، يتكتّمون على طابع سير المفاوضات التي تُجرى في جنيف، وتتناول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، لكنّ إسرائيل باتت تنتقد "التنازلات الخطيرة" التي قدمها الغرب لطهران.

وحرص ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على تسريب معلومات، مفادها أنّ الغرب تجاهل عمليّاً الخطوط الحمراء التي أعلنها نتنياهو في شأن البرنامج النووي الإيراني. وحسب الصحافي عوديد غرانوت، وهو كبير المعلّقين في قناة التلفزة الإسرائيليّة الأولى، الذي استند، مساء الأحد الماضي، إلى محافل في ديوان نتنياهو، فقد وافق ممثلو الدول العظمى على مواصلة إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة متدنية، والإبقاء على جميع أجهزة الطرد المركزي التي بحوزتها، علاوة على استثناء قضيّة ترسانة الصواريخ الإيرانيّة من النقاش في المفاوضات.

وسبق لنتنياهو أن طرح أربعة شروط لحلّ أزمة البرنامج النووي الإيراني، تشمل وقف عمليات تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، والتخلّص مما لدى طهران من يورانيوم مخصّب، وتفكيك المنشآت النووية القائمة، وفرض نظام رقابة دولي صارم.

ويعزو مسؤولون إسرائيليون ما سموه بـ"حملة التحريض والتشويه"، التي شنّها مسؤولون كبار في إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على نتنياهو أخيراً، إلى حرص الإدارة الأميركيّة على إضعاف التحرّك الإسرائيلي الهادف إلى إحباط التوقيع على الاتفاق، عبر نزع الشرعيّة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، كقائد مؤهل لإبداء الرأي في هذا الشأن.

ونقلت صحيفة "ميكور ريشون"، في عددها الصادر أمس الأربعاء، عن مسؤولين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، اعتقادهم أن نتنياهو لن يستسلم، ويعمل حاليّاً من وراء الكواليس من أجل إحباط الاتفاق، في إشارة إلى اتصالات يجريها بكبار قادة الكونغرس في هذا الشأن.

وينتقد المراقبون في إسرائيل ردّة الفعل الرسميّة للاحتلال، على اعتبار أنّها تتجاهل "النصف المملوء" من الكأس، لا سيّما موافقة الإيرانيين على فرض قيود صارمة على برنامجهم النووي. ويستهجن الباحث شموئيل مئير، الضجّة التي تحدثها إسرائيل، في وقت يؤكد فيه رئيس لجنة الطاقة الذريّة الدوليّة، يوكيو أمانو، أنّه لا يوجد ما يؤشر على الطابع العسكري للبرنامج النووي الإيراني. وأوضح في تحليل نشرته صحيفة "هارتس" قبل يومين، أنّ "إسرائيل معنيّة بتجريم إيران بأي ثمن، بغضّ النظر عن الحقائق". ويبدو أنّ الانطباع السائد لدى دوائر صنع القرار في واشنطن.

كما يوضح المعلق السياسي لقناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، أودي سيغل، أنّه في حال أصغت إدارة أوباما لكلّ ما يطرحه نتنياهو من شروط، فسيكون من المستحيل التوصّل إلى اتفاق ينهي الأزمة مع إيران، في حين يلمس الأميركيون توجهاً حقيقيّاً لدى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وفريقه لإنهاء الخلاف مع الغرب في شأن البرنامج النووي. وبالتالي، يرى أنّ المطلوب هو تقديم الدعم اللازم لهم، لتمكينهم من مواجهة الجناح المتطرّف في القيادة الإيرانية. وتكمن المعضلة التي يواجهها نتنياهو، في حقيقة أنّه حتى محافل التقدير الاستراتيجي المهنيّة في تل أبيب، تشارك الإدارة الأميركيّة تشخيصها توجّهات القيادة الإيرانية.

وكشفت صحيفة "معاريف"، في العشرين من الشهر الماضي، النقاب عن أن كلاً من جهاز "الموساد" وشعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة "أمان"، يرصدان تحوّلات حقيقيّة في مواقف القيادة الإيرانيّة منذ صعود روحاني إلى الحكم، ولا يدور الحديث عن تبادل أدوار بين جناح يدّعي الاعتدال وجناح متطرف. وفي إسرائيل، يرى البعض أنّ التسريبات التي عرضها الصحافي الأميركي، جيفري جولدبيرغ، في العدد الأخير من مجلة "أتلانتك"، حول انطباعات كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، عن نتنياهو وشخصيّته، تصلح لتفسير سبب تجاهل الأميركيين موقفه من النووي الإيراني.

ويؤمن كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، وفق جولدبيرغ، أنّ نتنياهو هدّد بضرب إيران فقط، من أجل ابتزاز أوباما، لكنّه في الحقيقة سياسي "جبان"، لا يمكنه اتخاذ قرار بحجم توجيه ضربة لإيران. وفي الوقت ذاته، تلحظ واشنطن حجم المعارضة التي يبديها كبار قادة الجيش والمخابرات في إسرائيل، لأيّ قرار بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ولا سيّما المعارضة القوية التي عبّر عنها أخيراً رئيس جهاز "الموساد" تامير باردو.

وتذهب بعض النخب في تل أبيب، إلى حدّ القول، إن الأميركيين يحسنون صنعاً في حال نجحوا في إنجاز اتفاق "مناسب" مع إيران، قبل أن تستنفذ طهران استغلال الشرخ المتعاظم في علاقات روسيا بالغرب. وتحذر هذه النخب من أنّ تدهور العلاقات بين موسكو والغرب، ينذر بانهيار نظام العقوبات المفروض على إيران، حتّى قبل أن تقدّم طهران أي تنازلات بشأن برنامجها النووي، مشيرة إلى أنّ فرض الغرب عقوبات على روسيا يزيد من اندفاع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تعزيز التعاون مع الإيرانيين.

وتحقّقت بعض تجلّيات هذا السيناريو، بعد أن رعا كل من روحاني وبوتين أخيراً، حفل التوقيع على عقد ضخم تتولى بموجبه شركات روسية التنقيب عن المزيد من حقول النفط في إيران. ويلفت المعلّق الصهيوني، نداف إيال، نظر نتنياهو إلى حقيقة أن بوتين، وبخلاف أوباما، لن يحتمل أيّ ملاحظات في شأن السياسة الخارجيّة لروسيا.

وفي سياق متّصل، ينصح وزير القضاء السابق، يوسي بينلين، نتنياهو بمواصلة التنسيق مع الإدارة الأميركيّة والعمل مع أوباما، بدلاً من توجيه الانتقادات له ومحاولة التآمر عليه من خلال التعاون مع خصومه الجمهوريين، والرهان على مترتبات فوزهم في الانتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب. ويحذر بيلين من أنّ تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركيّة يمكن أن ينعكس سلباً على مصالح إسرائيل الاستراتيجيّة.

المساهمون