هل تلجأ البصرة للمحكمة الاتحادية للتحول إلى إقليم مستقل إدارياً؟

07 ابريل 2019
احتجاجات واسعة بالبصرة قبل أشهر (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
رغم مرور نحو أسبوع على تصويت مجلس محافظة البصرة على طلب موقع من قبل 20 عضوا فيه، يتضمن إجراء استفتاء شعبي بالمحافظة وفقا للدستور للتحول إلى إقليم مستقل إداريا عن بغداد، إلا أن الحكومة العراقية لم تعلق إلى غاية الآن على الطلب المقدم لها، والذي يقتضي، بحسب الدستور، أن تقوم الحكومة بتكليف مفوضية الانتخابات بإجراء الاستفتاء، بعد تلقيها الطلب مصدقا عليه قضائيا.

ومع استمرار عاصفة الجدل حيال المطالبات التي تدعمها شريحة واسعة من سكان البصرة الناقمين على بغداد، بسبب سوء الخدمات وتفشي البطالة والفقر بالمحافظة المطلة على مياه الخليج العربي، جنوبي العراق، فإن نوابا عنها يؤكدون مضيهم في الإجراءات، ويهددون برفع دعوى قضائية على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتهمة خرق الدستور في حال أهمل طلبهم. 

واقعياً، خيار الإقليم بالنسبة لأهالي ومسؤولي البصرة ليس جديداً، إذ أنه يرجع إلى أكثر من ستِ سنوات مضت، وكان عرّاب الحركة نحو تحقيق الإقليم النائب السابق في البرلمان العراقي محمد الطائي، الذي كرّس أمواله ووسائله، ومنها فضائية "الفيحاء" التي أغلقت في ما بعد، لهذا الأمر، وقد جمّع عام 2014 قرابة 10 بالمائة من أصوات أهالي البصرة الذين طالبوا بالإقليم، وهي السمة القانونية من أجل تقديم الطلب للحكومة عبر مفوضية الانتخابات، ولكن الحكومة وقتذاك لم تلتفت للطائي ومسعاه، بسبب الأزمة المالية للبلاد، إضافةً إلى هجوم تنظيم "داعش" الإرهابي على مناطق في الشمال والغرب، فتعطل النقاش بشأنه في الإعلام، إلا أن علم الإقليم ظلَّ يرفرف في كل التظاهرات التي تشهدها المدينة.

ويمنح الدستور العراقي حق إقامة الإقليم شريطة ألا يكون على أساس طائفي، وهو يعطي "الحرية لمحافظة، أو لعدة محافظات، بتقديم طلب للانتقال إلى إقليم بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، وأن يحظى بموافقة أكثر من نصف المواطنين في تلك المحافظة (ثلثين)".

وقال مصدرٌ مقرب من رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، لـ"العربي الجديد" إن "تصويت مجلس محافظة البصرة غير قانوني، لأن المجلس ليس من حقه حالياً اتخاذ أي قرار، كون الصلاحية الزمنية لأعماله انتهت، وحالياً هو مجلس تصريف أعمال عادية، ومثل هذا القرار، إذا أراد المجلس اتخاذه، فسيكون من حق مجلس جديد، يُنتخب بواسطة أهالي البصرة"، مشيراً إلى أن "عبد المهدي يُهمل حالياً التعاطي مع ملف إقليم البصرة، وهو مشغول باستكمال الحكومة التي ينقصها أربعة وزراء، بالإضافة إلى تنفيذ برنامجه الحكومي، ناهيك عن الزيارات الإقليمية والدولية للعراق".

وأضاف أن "الدستور كفلَ حق إقامة إقليم أو أكثر، ولكن العراق لديه تجارب لم تكن موفقة، مثل إقليم كردستان، ناهيك عن أن الشعب العراقي يفهم الفيدرالية والكونفدرالية بأنها الانفصال، وهذا الأمر يُسبب حساسية كبيرة لدى السياسيين ويرفضونه"، مبيناً أن "مجلس البصرة الذي صوّت على خيار الإقليم يريد مسك حكومة الإقليم إذا تحقق، مع العلم أن أعضاء المجلس المحلي لديهم صلاحيات الحكومة المركزية منذ سنوات، ولكنهم لم يقدموا أي خدمة لشعبهم، وانشغلوا بالفساد وسرقة الأموال العامة، مثلما حصل مع المحافظ السابق للبصرة ماجد النصراوي".

وبين النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" عامر الفايز، أن "أهالي البصرة يطالبون بالإقليم لأنهم يشعرون بأن أموالهم تُسرق وحقوقهم مسلوبة مع عدم إعطائهم استحقاقاتهم من الموازنة الاتحادية، فضلاً عن مشكلات التلوث البيئي وتحطيم البنى التحتية والبطالة، وأنهم يعيشون على أرض تعد ميناء العراق الوحيد والمصدر الرئيس للنفط"، موضحاً، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "نواب البصرة منقسمون حالياً، بين من يدعو إلى التريّث بقرار إقامة الإقليم دون إلغاء المشروع، كون الوضع الأمني لا يسمح، مثل انتشار السلاح بيد العشائر، والتخوّف من عودة المحاصصات إلى حكومة الإقليم، وانتشار الفساد الذي قد يؤدي إلى فشل المشروع، وبين من هو عازم على إقامته بشتى الوسائل".

ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تقف ضد المشروع، مع العلم أنه دستوري، وفي الوقت نفسه لا تعطي حقوق البصرة، ما يعني أنها لا تفعل أي شيء تجاه البصرة، وهذا قمّة الاستخفاف، وأعمال الحكومة حالياً كلها عبارة عن مخالفات قانونية واضحة"، مؤكداً أن "استمرار الحكومة بهذا التعامل سيدفعنا إلى التوجه نحو المحكمة الاتحادية لتنفيذ المطلب، وإجراء استفتاء شعبي تشرف عليه المحكمة، وإذا تمكّنا من الحصول على أصوات ثلثي أهالي البصرة بالموافقة، ستكون الحكومة مُلزمة بإقراره".

من جهته، أشار عضو المجلس المحلي في البصرة غانم حميد، إلى أن "تصويت مجلس المحافظة بالأغلبية المطلقة على مشروع قانون الإقليم يعني أن الحكومة العراقية، سواءً أهملت الملف أم لم تهملهُ، فإن الإجراءات ستسير قانونياً"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "ما نتخوّف منه كمسؤولين محليين هو أن تهجم الأحزاب على المناصب وتضيع حقوق البصرة من جديد، ويتكرر السيناريو الذي يحدث حالياً في بغداد، أو مثلما يحدث في إقليم كردستان من صراع بين الحزبين الحاكمين (الوطني الكردستاني والديمقراطي) على المناصب".
وأكد الشيخ العشائري في البصرة فايز السعد، لـ"العربي الجديد"، أن "ملف تحويل البصرة إلى إقليم ليس قراراً سياسياً، إنما هو مطلب شعبي، وهو أمر ضروري، لأن الحكومتين المحلية والاتحادية لم تتمكنا من تقديم الخدمة للبصرة، ولكن الأمر الذي نخاف منه هو الصراع على المناصب في حال تحقق الإقليم".

إلى ذلك، رأى المحلل السياسي والباحث العراقي واثق الهاشمي أن "ما يحدث حالياً من جدلٍ بشأن إقليم البصرة هو عبارة عن استعراض عضلات لأحزاب لا تملك أي برنامج انتخابي للانتخابات المحلية المقبلة، وهي مرفوضة شعبياً، وتريد بأي طريقة أن تساند المواطن المقهور"، معتبرا أن "إقليم البصرة لن يحدث، ليس فقط بسبب رفض الحكومة في بغداد، وإنما لرفض الدول المجاورة، التي تخاف هي الأخرى من أن يتجدد هذا الأمر مع شعبها".

المساهمون