تسعة أشهر على الانتخابات التشريعية العامة في العراق، التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، دون أن تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، وسط احتدام الخلافات بين مختلف القوى السياسية، وانسحاب الفائز الأول في هذه الانتخابات، وهو التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، احتجاجاً على التفاف القوى الحليفة لإيران على استحقاقه الانتخابي في تشكيل الحكومة الجديدة.
ووسط تحذيرات متزايدة من تفجر الاحتجاجات الشعبية مجدداً في مدن البلاد، ولا سيما بغداد وجنوبيّ العراق ضد الأحزاب الحاكمة، تواصل القوى السياسية مساعيها لتكرار طريقة المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب بين المكونات بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات، في ما تسميه "حكومةَ التوافق".
وبرغم الاجتماعات المتواصلة لقوى "الإطار التنسيقي"، الذي بات عملياً اليوم الكتلة الأكبر في البرلمان بعد انسحاب التيار الصدري منه، فإنها لم تصل إلى نتيجة، حتى إن بعض الاجتماعات شهدت تراجعاً بالحضور من قبل قادة هذا التحالف، بينهم هادي العامري، الذي بات يفضّل إرسال ممثلين عنه بدلاً من حضوره شخصياً، وفقاً لمصادر سياسية، في حين أن الاجتماعات التي تجمع الأحزاب الكردية توقفت حتى نهاية عيد الأضحى، فيما لا يتوقع منها نتيجة بسبب تصلب المواقف بين الطرفين.
وبحسب النائب عن تحالف "دولة القانون" محمد الصيهود، وهو عضو في الإطار التنسيقي، فإن "معظم الاجتماعات التي جمعت قوى الإطار التنسيقي لمناقشة تشكيل الحكومة لم تصل إلى نتيجة"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "القوى الشيعية بانتظار ما سيتمخض عن الاتفاقات الكردية بين الحزبين (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني)، لأنها ستكون الشرارة لاختيار رئيس الحكومة، وتشكيل الحكومة الجديدة".
وأضاف الصيهود أن "التوافق السياسي بين الأحزاب عادة ما يكون صعباً، وأن هذه ليست المرة الأولى التي تتعسر فيها الحوارات، لكن هذه المدة هي الأطول، بسبب نتائج الانتخابات التي كانت عكس توقعات الأحزاب"، لافتاً إلى أن "انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية أثّر كثيراً بسير العملية السياسية وآلية التوافق في تشكيل الحكومة".
من جهته، بيَّن عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، أن "انسحاب التيار الصدري سبّب إرباكاً كبيراً بالحوارات السياسية، فقد كان حضوره في العمل السياسي ممنهجاً وواضحاً، وقد طالب بحكومة "أغلبية وطنية"، أي إنه أراد أن يقوم الفائزون بالانتخابات بتشكيل الحكومة وسحب الخاسرين إلى المعارضة، وهو منهج دولي واضح المعالم، وأساس لصناعة حكومة جيدة ورصينة وتعرف أهدافها، لكن انسحاب الكتلة الصدرية أدى إلى تبدل كل شيء تقريباً".
وأكمل عبد الكريم في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "حوارات الأحزاب الكردية لا تختلف كثيراً عما يجري من حوارات بين الأحزاب الشيعية والسُّنية ضمن قوى "الإطار التنسيقي"، فهي لم تتوصل إلى أي حلول بشأن اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة، فيما يستمر التفكير في خطوات السيد مقتدى الصدر التي تهدد أي حراك باتجاه تشكيل الحكومة"، واصفاً الصدريين بأنهم "جاهزون للاحتجاجات، وقد يتوجهون إلى الشارع في أي لحظة لفك الأزمة، وهنا ستنقلب موازين القوى لمصلحة الصدريين مرة أخرى".
ومع تقدّم الوقت، يزداد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حاكم مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، تمسكاً بمرشحه، رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، في مقابل تمسك الحزب الديمقراطي (بزعامة مسعود البارزاني) الحاكم في أربيل، بمرشحه ريبر أحمد.
وعقد المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الجمعة، اجتماعه الاعتيادي برئاسة بافل جلال طالباني، رئيس الحزب. وذكر بيان صدر عن الحزب، أنه شدد على "استحقاق منصب رئيس الجمهورية ومرشحه المعتمد لهذا المنصب"، مؤكداً "ضرورة تشكيل حكومة متوازنة توافقية خدمية".
أما الناشط السياسي والعضو السابق في حركة "امتداد"، علي الشريفي، فقد لفت إلى أن "النواب المستقلين في البرلمان، إضافة إلى المحتجين الذين يتابعون الفشل السياسي الحالي، لديهم سيناريو قد يتحقق، وهو اللجوء إلى الشارع لمنع أي توافق سياسي يضر بمصلحة العراقيين بشأن تشكيل الحكومة"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تسعة أشهر على عدم تشكيل الحكومة، يعني تعمد تعطيل مصالح العراقيين في سبيل تحقيق مكاسب سياسية، سواء من التيار الصدري أو قوى الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة".
بدوره، لفت الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، لـ"العربي الجديد" إلى أن "أزمة تشكيل الحكومة قد تطول إلى نهاية العام الجاري، لأن الأحزاب السياسية سواء العربية أو الكردية، الشيعية والسُّنية، تعرف أن جميع خياراتها مرفوضة من قبل الشعب العراقي، بالتالي فهي تتردد أحياناً حتى بإعلان نتائج اجتماعاتها".
وأوضح أن "معظم القوى السياسية مسترخية على بقاء حكومة مصطفى الكاظمي لتسيير الأعمال اليومية، لأنها ضامن لاستمرار حواراتها، حتى وإن حدث تجاوز على الدستور بسبب هذا الخيار، لذلك هناك رأي سياسي أعلنته بعض الأطراف السياسية في الإطار التنسيقي بضرورة بقاء الكاظمي لفترة أطول".