بدأ استفزاز باسيل من القاهرة يوم السبت الماضي حيث دعا في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، ما ترك أكثر من علامة استفهام مجدداً بشأن سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الدولة اللبنانية، على الرغم من محاولات ربط باسيل بين هذه العودة وقضية اللاجئين السوريين، بوصفه إعادة العلاقات مع سورية كمقدمة لعودة اللاجئين.
وبدا واضحاً أن مواقف باسيل تمت بالتنسيق مع "حزب الله" لا سيما أنها جاءت عقب لقاء طويل بينه وبين الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، قبل أيام ودام لمدة سبع ساعات وصفته مصادر مطلعة على أجوائه في تصريحات صحافية بأنه تأسيسي لمرحلة جديدة داخلياً وإقليمياً. وبالفعل لم تتأخر مفاعيل الاجتماع لتظهر بعد مواقف باسيل في ما يتعلق بسورية وتصريحه أمس الأحد بأنه بصدد زيارة سورية، خلال إحياء ذكرى 13 أكتوبر/ تشرين الأول من بلدة الحدث (شرق بيروت)، والتي تعود إلى اعام 1990، عندما اضطر رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، الذي كان يترأس يومها حكومة عسكرية، إلى الخروج من قصر بعبدا تحت وطأة قصف الطيران السوري واللجوء إلى السفارة الفرنسية لينتقل منها لاحقاً إلى منفاه الفرنسي، ولتنتهي بذلك المرحلة التي عارض فيها اتفاق الطائف قبل أن يعود إلى لبنان في عام 2005 وينتخب في 2016 رئيساً للجمهورية.
ويمكن تلخيص رسائل باسيل بحسب من طاولتهم سهامها بدءاً من داخل "التيار الوطني الحر"، وخصوصاً صهر رئيس الجمهورية الثاني النائب شامل روكز، الذي انتقل الصراع بينه وبين باسيل إلى العلن أخيراً، مع اتخاذ روكز مواقف متمايزة عن "التيار"، وخصوصاً لجهة حديثه المتكرر عن الفساد وانهيار الدولة وتحميل الطبقة السياسية ومن بينهم "التيار" مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وصولاً إلى الملف الخلافي الأخير والذي أقفل والمتعلق برواتب والتقديمات للعسكريين، والذين تشكل عائلاتهم عصب "التيار الوطني الحر" السياسي، خصوصاً أن عون كان قائداً للجيش قبل لجوئه إلى فرنسا.
وتضمنت تصريحات باسيل تصويباً ضمنياً على روكز متهماً إياه بمحاولة القيام بـ"حملات تضليلية" لتعكير العلاقة بين العسكريين والتيار، خصوصاً أن الأخير بدأ باتخاذ خطوات عملية لتأطير العسكريين القدامى، وقدامى "التيار" الذين رافقوا عون سابقاً، وانسحبوا بعد تولي باسيل رئاسة "التيار".
وكان "قدامى الجيش" أحيوا ذكرى "شهداء 13 تشرين الأول"، بقداس بعنوان "دماؤكم أمانة في أعناقنا"، شارك فيه روكز، وتخللته كلمة باسم "رفاق شهداء 13 تشرين" ألقاها العميد الركن حنّا المقدسي، وتضمنت تصويباً ضمنياً على العهد وعلى "التيار الوطني الحر"، إذ وصف الواقع في لبنان بأنه "دولة فاشلة تحكمها عصابات"، مشيراً إلى أن "زمرة من السياسيين، بينهم بعض الأولاد، يعبثون بمصير البلاد والعباد". وأضاف: "نحن القيّمون على المبادئ. نحن ضمير القضيّة. نحن الخطّ التاريخي. أما الذين استغلّوا تضحياتكم، وتسلّقوا على جثثكم، وحصلوا على مناصب لا يستحقّونها، وأحاطوا أنفسهم بالمتزلّفين وأصحاب المال، وبالخدم والأذناب، وهم اليوم يعيثون في الأرض فساداً، ويتشدّقون على المنابر، معجبين بأنفسهم، وينطقون بالكلام الفارغ، ويتبجّحون بإنجازات وهمية، ويثيرون عواطف أتباعهم بالكلام الطائفيّ، تحرّكهم أوهام هي أشبه بحلم إبليس في الجنة، فالتاريخ لن يرحمهم. ويوم الحِسابِ قريب". كما استبق روكز القداس ببيان تضمن أيضاً تصويباً ضمنياً على باسيل، ودعوة إلى استعادة المبادرة و"النهوض في وجه من سلبهم حلمهم".
الرسالة الثانية حملت تصويباً داخلياً على كل الأفرقاء، عبر تهديد باسيل بإمكانية قلب الطاولة على الجميع، في إشارة إلى استعداده لإسقاط الحكومة، التي يتمتع فيها بحضور وازن يضم 11 وزيراً من أصل 30، وبالتالي يوصف بأنه رئيس حكومة الظل نظراً إلى أن رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري لا يمون إلا على 5 وزراء فقط. كما يحظى باسيل بتكتل نيابي هو الأكبر في مجلس النواب، فضلاً عن أن والد زوجته هو رئيس الجمهورية. ودأب "التيار" في السنوات الأخيرة على التنصل من مسؤولياته على الرغم من مشاركته في السلطة بقوة منذ عام 2005، متهماً الأفرقاء السياسيين بعرقلته.
وإن كان التصويب على الحكومة والتهديد بإسقاطها موجهاً إلى الحريري شخصياً، إلا أن الخطاب ذاته تضمن رسائل ضمنية أخرى إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي استعار منه خطابه الشهير مع بدايات الأزمة السورية، والذي قال فيه إنه ينتظر جثة عدوه على ضفة النهر. وقال باسيل "نحن كالماء، نجرفكم في لحظة لا تتوقعونها، إن بقيتم منتظرين عند حافة النهر مرور جثتنا!".
وعلى الرغم من اعتبار تصريحات باسيل تصويباً داخلياً إلا أن مصادر نيابية، تضع مواقفه في خانة التصويب على المجتمع العربي والدولي، خصوصاً في مرحلة حساسة يمر بها لبنان، وبات معها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، نظراً إلى الضغوط الأميركية، وعدم تقديم أي مسعى جدي لانتشال لبنان، بسبب الصراع الإقليمي والدولي المستعر في أكثر من بلد، والذي يعتبر لبنان شريكاً فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب حضور "حزب الله"، وبسبب النفوذ الإيراني.
وما يعزز هذه القراءة تصعيد باسيل في القاهرة بعد اللقاء المطول مع نصر الله، ولاحقاً تصريحه عن نيته زيارة سورية، مع ما يعنيه من أن لبنان قد يذهب بهذه الخطوة بعيداً في سياسيات التماهي الكلي مع سياسات المحور الإيراني، واستفزاز المجتمع العربي والدولي.
وبانتظار الساعات المقبلة التي ستكون حافلة بالردود على باسيل واستشراف خلفيات مواقفه، فإن الأكيد أن الأزمات الاقتصادية منها والسياسية التي يمر بها لبنان بدأت تضغط لتغيير موازين اللعبة.