أنفاق غزة .. سلاح موجه إلى عمق الاحتلال الإسرائيلي

25 مارس 2014
سفير أميركا دان شابيرو في النفق (GETTY)
+ الخط -

لم يكن إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن اكتشاف نفق جديد قرب الشريط الشائك بين قطاع غزة وأراضي 1948، والذي يمتد على مسافة بضع مئات الأمتار من كيبوتس عين هشلوشاه، سوى خطوة أخرى في الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد أنفاق غزة، بعد أن تحولت من منفذ لكسر الحصار المفروض من قبل تل أبيب والقاهرة طيلة سبع سنوات، إلى سلاح استراتيجي وعلامة فارقة في نشاط حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وقد تبع الإعلان الإسرائيلي لكشف النفق، إعلان من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، أن النفق قديم وأن الأمطار والأحوال الجوية أدت إلى العثور عليه، فيما أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، إسماعيل هنية، في مهرجان حماس الأحد الماضي أن الحركة "تدشن استراتيجية الأنفاق من تحت الأرض.. وفوق الأرض ستخرجون أيها المحتلون لا بقاء لكم على أرض فلسطين، من العدم نصنع الرعب ومن الركام نزلزل تل أبيب".

لكن إعلان هنية هذا جاء متأخرا عاما على الأقل. إذ بدأت إسرائيل ترصد استخدام الأنفاق من قبل حماس كأداة وسلاح استراتيجي منذ العام الماضي، بعد أن كانت بدأت مساعيها في سنوات التسعينيات من القرن الماضي بمحاربة الأنفاق، التي حُفرت آنذاك بين غزة ومصر، لتكون منفذا لنقل الأسلحة والمعدات خلال الانتفاضة الأولى، ولنقل المقاتلين والمطاردين من القطاع إلى الأراضي المصرية.

لكن أنفاق التسعينيات، وأنفاق كسر الحصار كانت تحفر بشكل عام في منطقة محور فلادلفي، وفي أطراف القطاع باتجاه مصر، وشهد العام 2005 حربا على الأنفاق بين إسرائيل والمصريين من جهة، وبين الفلسطينيين من جهة أخرى، تحت مظلة التنسيق الأمني، حتى الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وفق خطة رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، وتسلم حماس السلطة في القطاع العام 2007 أفقد إسرائيل قدرتها الميدانية في غزة.

وحركة حماس، كجزء من العبر التي استخلصتها من عدوان الرصاص المصبوب (شتاء 2008 -2009) وعامود السحاب (2012) بدأت تعمل وفق استراتيجية جديدة، فإلى جانب تكثيف حفر الأنفاق باتجاه مصر، لكسر الحصار، شرعت حماس بحفر الأنفاق في الاتجاه الأخر من غزة إلى العمق الإسرائيلي.

2012 عام التحول

في 8 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأول مرة عن اكتشاف أول نفق يبدأ تحت الأرض في غزة، وينتهي عند السياج الحدودي بعد انفجار عبوة ناسفة قرب دورية إسرائيلية، تبين لاحقا أنها كانت نفقا مفخخا يصل لعمق أربعة أمتار.

وذكرت الصحف الإسرائيلية آنذاك أن اكتشاف النفق المفخخ يشكل تحولا في الحرب ضد حماس، بعد أن كانت إسرائيل خسرت في حرب الأنفاق داخل قطاع غزة، عند معبر رفح. ولم تكن إسرائيل تدري شيئا عن هذه الأنفاق وخاصة المفخخة منها، وشكل هذا الحادث دليلا على خسارتها الاستخبارية في معرفة خطط حماس.

وفي العام 2013 قدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن حركة حماس حفرت منذ حرب الرصاص المصبوب وعدوان عامود السحاب، عشرات الأنفاق التي تمتد داخل الأراضي المحتلة عام 1948 من دون أن تدري إسرائيل عنها شيئا.

ووفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، على موقعها بتاريخ 18 مارس/ آذار 2013 فإن الجيش الإسرائيلي كمن يتحرك في الظلام، فهو لا يعرف شيئا عن هذه الأنفاق ولا أين تحفر أو كيف يتم حفرها. وقد أوقع انفجار أحد هذه الأنفاق المفخخة قرب كيبوتس نيريم في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه خمسة قتلى في صفوف جيش الاحتلال.

لكن الأنفاق تحولت في العامين الأخيرين، لتصبح "خاصرة إسرائيل الرخوة"، في كل ما يتعلق بحماية حدودها مع غزة، خاصة بعد اكتشاف الأنفاق قرب كيبوتس عين هشلوشاه، وقيام الطيران الحربي بقصفها.

وقد أصاب النفق المذكور الإسرائيليين بالدهشة والذهول من حجم التطور والتقدم الذي أحرزه الفلسطينيون في بناء الأنفاق، مقارنة بالأنفاق الأولية التي اعتادوا عليها بين غزة ومصر. فقد بلغ طول النفق الذي تم اكتشافه يومها، كيلومتراً ونصف الكيلومتر، ويبدأ من قرية عبسان الزرير وينتهي عند مشارف الكيبوتس المذكور.

ودل النفق على قدرات هندسية عالية ومتطورة، وكان مخرج النفق مقوى بالإسمنت المسلح لمنع انهياره، إلى جانب وجود عدة فتحات للتهوية، وتفرعه لعدة جهات، واشتماله على فضاءات واسعة نسبيا لتخزين الأسلحة وبكميات كبيرة.

وشكل اكتشاف النفق أول دليل على اعتماد حماس استراتيجية جديدة، حظيت في القاموس العسكري الإسرائيلي باسم "المسارات التحت أرضية". كانت هذه المسارات الجديدة متطورة، وصلبة ومخفية بالكامل، يمكن أن يتم عبرها نقل مقاتلين ومعدات وعتاد حربي وأسلحة مختلفة، وتم حفرها بالاعتماد على الخبرات التي راكمها الفلسطينيون في أنفاق غزة-رفح.

ويعترف العميد احتياط في جيش الاحتلال يوسي لينغوتسيك أن "أول ميزة للأنفاق هو عامل المفاجأة. ويقول لينغوتسيك، وهو عالم جيولوجيا إن إسرائيل عاجزة عن مواجهة هذا السلاح رغم توفر أدوات تقنية عالية، منها ما تم تطويره في معهد الهندسة التطبيقية "التخنيون" تحت أسم ياد أريه (أي يد الأسد) والقادرة على اكتشاف الفراغات والجيوب تحت الأرض بعد أن تم اختبارها في البحر الميت، لكن الصراعات الداخلية في الجيش على "مناطق النفوذ" جعلت قسم تطوير الوسائل القتالية في الجيش، يصد كل محاولات تسخير الخبرات العلمية واستخدام تطبيقات الجيولوجيا، وأجهزة قياس الذبذبات "السيسموغرافية" في اكتشاف مواقع هذه الأنفاق.

ويقر لينغوستيك أن "الأنفاق الجديدة هي عمليا تهديد استراتيجي، إذ يجب الأخذ بالحسبان سيناريوهات لتسلل مقاتلين من حماس إلى داخل العمق الإسرائيلي، والوصول إلى البلدات القريبة من قطاع غزة، عبر هذه الأنفاق واختطاف عشرات الإسرائيليين ثم إخفائهم تحت الأرض، وعندها ماذا سيكون بمقدور إسرائيل أن تفعل هل تشن حربا على القطاع يسبب مقتل عشرات الجنود؟ وماذا سيحدث بعد الحرب؟".

وهو يرى أن الأنفاق، تمكن الفلسطينيين من بناء تحصينات تحت الأرض، وقنوات للاتصالات، ومنصات لإطلاق الصواريخ، أما الغاية الثانية فهي بناء مخازن للسلاح وحتى ورشات تحت الأرض لتصنيع الأسلحة، تكون بعيدة عن مرمى الطيران الإسرائيلي. وبالتالي فإن وجود قواعد تحت الأرض تمكن الحركة من تحسين قدراتها على مواجهة إسرائيل.

الجيولوجيا والمراقبة التقليدية

لكن الجيش الإسرائيلي بدأ في العامين الأخيرين، باعتماد الطرق العلمية التي عرضها لينغوستيك، مع التركيز بشكل مكثف على الجانب الاستخباراتي وجمع المعلومات، وعبر صور الأقمار الصناعية من جهة أخرى.

وزاد الجيش على ذلك، تعليمات صارمة لأفراد الدوريات عند السياج مع قطاع غزة بضرورة الانتباه ومراقبة التغييرات الطبوغرافية على سطح الأرض، وملاحظة تراكم تلال رملية قد تكون بفعل حفر نفق في المكان وإخراج التربة منه على شكل تلال رملية طبيعية.

لكن هذه التعليمات غير محصورة بمراقبة سطح الأرض في القطاع، بل يطلب من الجنود أيضا "إلقاء نظرة إلى الخلف داخل المناطق المحتلة العام 1948 نفسها، ومعاينة سطح الأرض وما إذا طرأت عليه تغييرات تفيد باحتمال حفر نفق في المكان.

المساهمون