- خبراء مثل قسطنطين بلوخين يرون في الناتو قوة عسكرية محورية عالميًا، يبرر وجوده بإيجاد خصوم جدد ويركز على ردع روسيا والحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة.
- فيودور لوكيانوف يعتبر الانقسامات الداخلية التحدي الأكبر لوحدة الناتو، مشيرًا إلى قدرته على إعادة توجيه جهوده لمواجهة تحديات جديدة وتأثير الدعم الغربي لأوكرانيا على التوترات الداخلية في السياسة الأمريكية.
تحل ذكرى مرور 75 عاماً على تأسيس حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، اليوم الخميس، في أجواء عودة "الحرب الباردة" مع موسكو، وأخرى ساخنة بالوكالة على الأراضي الأوكرانية، ومع توسّع الحلف باتجاه الحدود الروسية، عبر ضم بلدين جديدين هما فنلندا والسويد.
وتتراوح التقديرات الروسية لحالة الحلف، الذي جرى توقيع أوراقه التأسيسية في واشنطن في 4 إبريل/ نيسان 1949، بين من يعتبر أنه يمر بمرحلة الازدهار بعد أن منحته الحرب الروسية في أوكرانيا وتنامي النفوذ الصيني زخماً جديداً، وآخرين يرجحون دخوله مرحلة الاضمحلال، على ضوء تنامي الانقسامات الداخلية والتوقعات بعودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته المناهضة للعولمة.
إلا أن الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، يجزم بأن حلف شمالي الأطلسي يشهد ازدهاراً وتوسعاً لن يتأثرا بعودة ترامب المحتملة، معتبراً أن الحلف تمكن من إيجاد خصوم جدد خلفاً للاتحاد السوفييتي المنهار، ما مكّنه من تبرير وجوده والميزانيات العسكرية الضخمة.
ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "تبلغ اليوم حصة بلدان الناتو في النفقات الدفاعية العالمية أكثر من 75 في المائة، ما يجعله الحلف الأكثر عدوانية في العالم. ويمر حلف الأطلسي بمرحلة الازدهار نظراً لتوسعه عبر انضمام فنلندا والسويد، ومن البديهي أن هدفه الرئيسي هو ردع روسيا، بالإضافة إلى الإبقاء على أوروبا تحت سيطرة واشنطن".
وحول رؤيته لأسباب توسع حلف شمالي الأطلسي حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، يضيف "حينها، واجهت الولايات المتحدة والناتو تحدي انعدام عدو جديد لتبرير ميزانيتيهما العسكرية الهائلة وشبكة القواعد العسكرية حول العالم، فبدآ بالبحث عن ذلك العدو عبر مواجهة الإرهاب الدولي المتمثل بأسامة بن لادن في جبال أفغانستان أولاً، ومروراً بـ (الدول المارقة) مثل كوريا الشمالية وإيران والعراق".
ويقلل بلوخين من المزاعم التي تقول إن إعادة انتخاب ترامب ستؤثر سلباً في مكانة الناتو، مضيفاً "اليوم، روسيا والصين هما المصدران الرئيسيان للصداع لحلف الناتو، ولذلك تدعو الولايات المتحدة أكثر فأكثر إلى توسيع الاختصاص الجغرافي للحلف ليشمل ردع الصين. توجهات السياسة الخارجية الأميركية لن تتغير حتى في حال فوز ترامب، فانتخابه في 2016 لم يحدث أي تغيير".
مكانة حلف شمالي الأطلسي في المشهد الدولي
من جهته، رأى رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، فيودور لوكيانوف، أن حلف شمالي الأطلسي ترسخ في المشهد الدولي إلى حد أن حتى التغييرات الجذرية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي لم تؤثر بمواقعه، معتبراً في الوقت نفسه أن الانقسامات الحالية هي التي تشكل خطراً على وحدة الحلف.
وفي مقال بعنوان "الناتو: مراجعة الإمكانيات" نُشر بموقع المجلة، اليوم الخميس، اعتبر لوكيانوف أن الحلف كان ينبغي أن "يتقاعد" بعد أدائه مهمة حماية "العالم الحر" من التهديد الشيوعي، ولكن بقي تبعاً لمنطق عدم التخلي عن أداة أثبتت فاعليتها.
ولفت لوكيانوف إلى أن الإنجاز الرئيسي للحلف ليس الانتصار في الحرب الباردة في حد ذاته، وإنما تحقيق هذا النصر دون صدام عسكري مباشر، بل نتيجة لسياسات ردع طويلة الأجل، واستنزاف العدو اجتماعياً واقتصادياً على نحو تدريجي، ووصف حلف الأطلسي بأنه "ليس كتلة عسكرية، بل هيئة سياسية فعالة للغاية يمكن إعادة توجيهها بسهولة لأداء مهام أخرى، وأصبحت مهمته أن يكون سنداً لنظام العالم الجديد القائم على المركزية الغربية"، على حد وصفه.
ومع ذلك، شكك المحلل السياسي الروسي في دقة الخطاب الرسمي الغربي بأن حلف شمالي الأطلسي (الناتو) لم يكن يوماً متحداً كما هو متحد اليوم في الاستعداد لـ"التصدي للحكام الاستبداديين الاستعماريين العدوانيين"، معتبراً أن الدعم العسكري لكييف سقط ضحية للصراع السياسي الداخلي الأميركي واحتمال عودة ترامب، وأشار إلى أن تراجع اهتمام واشنطن بالقارة العجوز ليس مظهراً لـ"الترامبية"، وإنما توجه راسخ منذ بداية القرن الحالي.