تعيينات مجلس الوزراء اللبناني: محافظٌ بلا مهام واحتفالٌ بـ"الفضيحة"!

11 يونيو 2020
احتجاجات شعبية بسبب تدهور الأوضاع(حسين بيضون)
+ الخط -
أقرّ مجلس الوزراء اللبناني، أمس الأربعاء، التعيينات المالية والإدارية في جلسة عقدها في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون بعد تأجيلٍ مستمرّ فرضه الخلاف السياسي حول الأسماء المقترحة وسط استمرار الاحتجاجات في الشارع على الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة. 
وفي وقتٍ يعيش لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية ومالية ونقدية في تاريخه، وهناك ملفات عاجلة وطارئة يقتضي البت بها أهمها التشكيلات القضائية التي ردّها الرئيس عون إلى رئيس الحكومة، حسان دياب، واضعاً ملاحظاته عليها، والشارع يغلي بتحركات يومية تستمرّ الخميس في عدد من المناطق اللبنانية التي تشهد قطعاً للطرقات وتطالب باستقالة دياب، قرّر مجلس الوزراء أمس تعيين محافظ لـ"كسروان – جبيل" هذه المحافظة التي تم فصلها عن محافظة جبل لبنان عام 2017 علماً أنّ المراسيم التطبيقية لهذه المحافظة لم تصدر بعد، الأمر الذي أدى إلى حصول سجالٍ في الجلسة مع اعتراض وزير الداخلية محمد فهمي على هذه الخطوة مشترطاً عدم ممارسة بولين ديب التي عُيّنت في منصب المحافظ قبل صدور المراسيم، في حين عبّر الناشطون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمعتصمون في الساحات عن غضبهم من التعيين المذكور.

يوضح وزير الداخلية السابق المحامي زياد بارود، لـ"العربي الجديد"، أنّ المحافظة أنشئت بقانون صادر عن مجلس النواب عام 2017 وبالتالي فإنّها قائمة وتتألف من قضاءي كسروان الفتوح وجبيل، وتعيين محافظ تمّ بقرارٍ من مجلس الوزراء حسب الأصول، أي ليس هناك من مخالفة في التعيين بحدّ ذاته، لكنّ الإشكالية في أنّ التعيين لن يؤدّي بالمحافظ الجديد الى أن يمارسَ مهامه، فهو من دون جهاز وظيفي بشري، أي موظفين، ولكي يكون هناك جهاز وظيفي، نحن بحاجة لمرسوم تحديد الملاك الذي يحدد الجهاز البشري والوظيفي للمحافظ، سواء أمانة السرّ، رؤساء الدوائر، ورؤساء الأقسام وباقي الموظفين، وهذا ما لم يحصل حتى الآن. وبالتالي فإنّ التعيين لا يشكل مخالفة دستورية بحد ذاته لكنه عملياً لن يؤدي إلى إطلاق عمل المحافظ وممارسة المهام طالما لم تصدر المراسيم التطبيقية.
ويضيف بارود، عملياً المحافظ الجديد لا يتقاضى أي راتب أو تعويض ولا أعباء على الدولة في هذا المجال إلّا من تاريخ إصدار وزير الداخلية أمر المباشرة. وللتذكير، فإن "المحافظة الجديدة" التي جرى تعيينها هي مراقب أول في ديوان المحاسبة وبالتالي، كانت تتقاضى راتبها من ديوان المحاسبة وطبعاً لن تتقاضى راتبين، لكن حالياً لا أعباء على الدولة. وأنا أرى أن أمر المباشرة لن يصدر قبل صدور مرسوم تحديد الملاك.

وعن السبب وراء إقدام مجلس الوزراء على هكذا خطوة في الظروف الراهنة، يلفت وزير الداخلية السابق إلى أنّ في عملية التعيينات دائماً هناك الظاهر والخفي، هناك ما نراه وهناك ما هو في الكواليس، وربما في الكواليس حصلت توازنات معينة إما سياسيّة أو طائفية أدت إلى اقرار التعيين في هذا التوقيت.
ويشدد بارود على أنني "مع إخراج التعيينات من الاستنساب السياسي وربما كان إقرار مجلس النواب لآلية التعيينات وسيلة لتحقيق هذه الغاية لكن المشكلة أن التعيينات حصلت بالوقت الضائع بين إقرار القانون وعدم نشره حتى اللحظة، وكأن هناك حال استعجال للتعيينات قبل أن يصبح القانون نافذاً. علماً أن التعيينات أصلاً أتت متأخرة في ظل وجود شواغرٍ في الإدارة. والموقف هنا من آلية التعيينات بمعزل عن الأسماء التي عيّنت والتي قد تكون من أصحاب الكفاءة والتي كانت ستأتي أيضاً لو اعتمدت آلية التعيينات طالما أنها تتمتع بالشروط المطلوبة".
وكما بات معلوماً أنّ اختيار، أمس الأربعاء، موعداً لجلسة مجلس الوزراء بدلاً من اليوم الخميس، أتى لتمرير تعيين مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر (الذي يعتبر من حصة حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب) حتى يتوفر فيه شرط "السنّ القانوني" باعتباره يبلغ اليوم 40 عاماً والقانون لا يسمح بتعيين أحد من خارج الملاك إلا في حال كان عمره يسمح له بالبقاء في الإدارة مدة 25 عاماً قبل بلوغه سنّ التقاعد أي 64 عاماً. ورغم انكشاف الفضيحة أمام الرأي العام، احتفل وزير الاقتصاد اليوم بعيد ميلاد المدير الجديد، وانتشرت صورة الاحتفال سريعاً على مواقع التواصل، مع تعليقات اعتبرت في التصرف إهانة للشعب خصوصاً بحسب المنتقدين، في حين أنه يتزامن أيضاً مع تجاوز سعر الصرف اليوم الـ6 آلاف ليرة للدولار الواحد وأسعار المواد الغذائية تشهد ارتفاعا جنونيا.
وسجلت الجلسة مقاطعة وزيري رئيس "تيار المردة"، (حليف حزب الله) وزيري العمل والأشغال بسبب امتعاض فرنجية من تدخلات رئيس "التيار الوطني الحرّ" وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل في التعيينات كلها وكأنه يريد الاستحواذ على كافة مناصب الدولة، وهي مقاطعة ثانية سبقها عدم حضور وزيري "المردة" جلسة 2 إبريل/نيسان الماضي التي كانت مخصصة للبحث في بند التعيينات الذي سحبه يومها دياب من الجلسة، ووقتها هدّد فرنجية بتعليق مشاركته في الحكومة إذا لم يحصل على حصته.

وكان لافتاً في التعيينات المالية، إبعاد مرشح رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، محمد بعاصيري، لمنصب النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وتعيين وسيم منصوري، حيث إنّ الرئيس الحريري كان يتمسّك بمحمد بعاصيري الملقب بـ"الوديعة الأميركية في مصرف لبنان" هو الذي عمل على ملف "جمال ترست بنك" الذي شملته العقوبات الأميركية وأدت إلى تصفيته، وقد ضغطت واشنطن من خلال سفيرتها في بيروت باتجاه تعيينه، الأمر الذي رفضه "حزب الله" وفاقم الخلاف عليه ما دفع الرئيس حسان دياب إلى سحب الملف من التداول وصولاً إلى اليوم. علماً أن إبعاد بعاصيري يأتي في وقتٍ تزيد الضغوطات الأميركية على "حزب الله" وعلى الحكومة أيضاً التي تبحث موقفها من "قانون قيصر" الذي فرض على سورية لحماية المدنيين السوريين والذي يهدف بجزء منه إلى محاصرة الحزب وحلفائه.
وقال الرئيس الحريري اليوم في دردشة مع الإعلاميين إنّ التعيينات حصلت على أساس المحاصصة وهي لم تكن لملء الفراغ في الإدارة، بل لممارسة الكيدية ضد الأطراف غير المشاركة في الحكومة. وأضاف، "هنيئاً للعهد القوي بالإنجازات القوية والتعيينات القوية وبطريقة التعامل القوية مع البلد". لافتاً الى أن "التيار الوطني الحر" يحاول أن يهبش من هذه التعيينات قدر ما يستطيع من المواقع في ظل أزمة اقتصادية صعبة والدول لا تدار بهذه الطريقة.
واعتبر الحريري أن هناك من يحاول من خلال مداومة نائب رئيس الحكومة في السرايا الحكومية ترسيخ أعراف مرفوضة ولن تمرّ، وإذا أرادوا وضع أحد في السرايا سنضع مقابله شخصاً آخر في رئاسة الجمهورية، وكفى تعدياً على صلاحيات رئاسة الحكومة ووضع اعراف جديدة لن تمرّ. مضيفاً: "أي رئيس حكومة لديه ذرة فهم لهذا البلد لن يقبل بهذا الأمر".
المساهمون