استمع إلى الملخص
- **أول انتخابات تعددية 1995**: جرت في ظروف أمنية استثنائية، فاز فيها ليامين زروال بنسبة 61% وسط اتهامات بتزوير، وكانت بداية لعهد التعددية السياسية.
- **عهد بوتفليقة**: شهد انسحابات واتهامات بالتزوير، فاز بوتفليقة في انتخابات 1999، 2004، 2009، و2014 بنسب عالية، وانتهى عهده بعد حراك 2019.
تعد الانتخابات الرئاسية، التي تجري اليوم السبت، سابع استحقاق رئاسي في الجزائر منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1995، وثاني انتخابات تشرف عليها سلطة مستقلة عن الإدارة، وهي الانتخابات الرئاسية الثانية التي تجري بعد الحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير/شباط 2019.
والانتخابات الحالية هي الأقل من حيث عدد المترشحين، ثلاثة فقط هم الرئيس عبد المجيد تبون الذي يطمح لولاية ثانية ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش. ولم تكن الاستحقاقات الرئاسية الستة السابقة متشابهة في كثير من جوانبها السياسية والإجرائية، وكان لكل منها ظروفها الداخلية وسياقاتها المحلية التي فرضت خريطة مواقف ومتغيرات وأفضت إلى نتائج متباينة وتداعيات مختلفة.
الجزائر تحت رحمة "الكلاشنكوف"
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 جرت أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر، قبل ذلك لم يكن الجزائريون شهدوا منافسة من هذا النوع على رئاسة الجمهورية، حيث كانت الانتخابات الرئاسية في عهد الحزب الواحد، قبل إقرار التعددية السياسية عقب دستور 1989، عبارة عن استفتاء لتزكية الرئيس الذي هو المرشح الوحيد.
وكانت الظروف التي جرت فيها انتخابات 1995 استثنائية بامتياز في ظل الأحداث الأمنية الدامية التي كانت تشهدها الجزائر في تلك الفترة والتي بدأت منذ إيقاف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992 وما تبع ذلك من استقالة الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد وتشكيل مجلس أعلى للدولة يتولى استكمال عهدته الرئاسية حتى نهاية 1994، وانعقدت لاحقاً ندوة الوفاق الوطني التي قررت تعيين وزير الدفاع، ليامين زروال، رئيساً للدولة لمدة عام إلى حين إجراء انتخابات رئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 1995.
ترشح في تلك الانتخابات زروال مرشحاً للجيش والسلطة، وزعيم حركة المجتمع الإسلامي (حماس) الشيخ محفوظ نحناح (تحولت لاحقاً إلى حركة مجتمع السلم)، ورئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، ورئيس حزب التجديد الجزائري نور الدين بوكروح، وكان ملاحظاً في تلك الانتخابات أن الحزب المركزي للسلطة جبهة التحرير الوطني والتي كان يقودها الحكيم عبد الحميد مهري، رفضت تزكية مرشح السلطة زروال كونها كانت انضمت إلى تكتل المعارضة المعروف بمجموعة "سانت إيجيديو"، التي كانت تطالب بحوار سياسي شامل لوقف شلال الدم. من جهتها، كانت الجماعات المسلحة التي تسيطر على المناطق الجبلية رفعت شعار"من الصندوق (الانتخابات) إلى الصندوق (التابوت)" وهددت بقتل كل من يشارك في التصويت.
وفاز زروال في تلك الانتخابات بنسبة 61 % وسط تزوير شامل لصالحه تحت تهديد السلاح، وبرغم اعترافات مسؤولين في الدولة لاحقاً بأن المرشح الإسلامي نحناح هو من فاز بتلك الانتخابات وحقق (رسمياً) ما يقارب أربعة ملايين صوت، لكنه رفض الاحتجاج على ذلك وقال لأنصاره حينها "لاتفسدوا عرس الجزائر".
بداية عهد بوتفليقة
لم يستمر الرئيس زروال في ولايته الرئاسية إلى نهايتها، ففي سبتمبر/أيلول 1998 أعلن قراره تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة بسبب خلافاته مع أجنحة في الجيش والاستخبارات، ونُظمت الانتخابات فعلاً في إبريل/نيسان 1999، بعدما كانت السلطة نجحت في إقناع عبد العزيز بوتفليقة بالترشح للرئاسة.
وكانت انتخابات 1999 الأكثر إثارة وتم فيها رفض ترشح محفوظ نحناح، المرشح الإسلامي الأبرز، والذي سيدعم بوتفليقة برغم سوء تصرف السلطة معه، بينما ترشح ستة آخرون من أبرز الشخصيات السياسية في الجزائر في وجه بوتفليقة، وهم: الزعيم الثوري حسين آيت أحمد، وزير الخارجية الأسبق وأحمد طالب الإبراهيمي، رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، القيادي في ثورة الجزائر والعقيد يوسف الخطيب والشيخ عبد الله جاب الله.
وشهدت هذه الانتخابات المشهد الأكثر إثارة حين اتفق المرشحون الستة الانسحاب من الانتخابات بعد بدء التصويت نتيجة ما اعتبروه تزويراً شاملاً وانحياز الإدارة المشرفة على الانتخابات إلى صالح بوتفليقة، وهكذا أضحى بوتفليقة مرشحاً وحيداً ليفوز بالرئاسة بنسبة 73 %.
قبيل انتخابات إبريل/نيسان 2004 شهدت الطبقة السياسية الحاكمة انشقاق رئيس الحكومة وأمين سر بوتفليقة وأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، علي بن فليس، على الرئيس في نهاية عام 2003، كما أعلن عن ترشحه لمنافسة بوتفليقة بدعم من جناح في قيادة أركان الجيش، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى حصول انشقاق في جبهة التحرير، ولجأ بوتفليقة إلى القضاء لافتكاك الحزب من بن فليس، وجرت حملة انتخابية مشحونة وسط استقطاب حاد بين بن فليس وبوتفليقة، غطت على باقي المترشحين الأربعة الآخرين (مؤسس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي والشيخ عبد الله جاب الله وزعيمة حزب العمال لويزة حنون والمناضل الحقوقي فوزي رباعين). لكن بوتفليقة حسم هذه الانتخابات لصالحه بنتيجة صادمة ومناقضة لتلك الأجواء المشحونة وحصل على 85 %، بينما حصل بن فليس على نسبة مهينة بستة في المائة.
لم يكن الدستور الجزائري الصادر في 1996 ليسمح بولاية ثالثة لبوتفليقة ما دفعه في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 إلى إقرار تعديل دستوري جزئي على المادة التي تحد من العهدات الرئاسية، ليترشح في انتخابات إبريل/نيسان 2009، التي كانت انتخابات باردة لم تشهد مشاركة أية شخصية سياسية نوعية عدا لويزة حنون (يسار)، وشارك جهيد يونسي (إسلامي) وفوزي رباعين ورئيس حزب فتي موسى تواتي. ولم يجد بوتفليقة أية صعوبة في الفوز بـ90% من الأصوات، لكن تلك الانتخابات خلفت جدلاً واستياءً سياسياً كبيراً ترجمته استقالة الطبقة السياسية من المشاركة في هذا الاستحقاق، بسبب ما وصف بـ"السطو على الدستور".
انتخابات "الرجل المريض"
الإثارة السياسية ستعود في انتخابات إبريل/نيسان 2014، التي جرت في مناخات ما بعد الربيع العربي، وبعد سنة من إصابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بجلطة استدعت غيابه عن المشهد لشهور، وبقي بسببها 81 يوماً في مستشفى فال دوغراس بفرنسا.
كانت حركة الاحتجاج السياسي تتصاعد ضد بوتفليقة بعد ولادة حركة "بركات" (كفاية) التي ضمت نشطاء من مختلف التيارات ونفذت سلسلة احتجاجات في الشارع ضد ترشح الرئيس المريض، ووجد بن فليس في هذه الظروف فرصة سانحة لمعاودة الكرة والترشح مجدداً لمنافسة بوتفليقة رفقة المرشحين لويزة حنون وعبد العزيز بلعيد وفوزي رباعين وموسى تواتي، في المقابل لم يتمكن بوتفليقة من القيام بأي تجمع انتخابي، لكونه كان مريضاً وغائباً تماماً عن المشهد السياسي.
كان بن فليس يعتقد أن الظروف مهيأة لإمكانية فوزه، لكن المقاطعة الشعبية الكبيرة لهذه الانتخابات لم تتح له ذلك، فحسم بوتفليقة الانتخابات لصالحه بنتيجة 81 % من الأصوات، ويذكر الجزائريون أنه لم يستطع إكمال قراءة نص اليمين الدستورية، بينما حصل بن فليس على 12%.
مع اشتداد مرض بوتفليقة في ولايته الرئاسية الرابعة والفساد والنهب الذي عم المقدرات الاقتصادية والمالية للبلاد من قبل الكارتل المالي، وعشية إعلانه الترشح لولاية رئاسية خامسة في انتخابات كانت مقررة في إبريل 2019، تحرك الشارع الجزائري في مظاهرات الحراك الشعبي غير المسبوقة، وتحت ضغط الشارع أعلن بوتفليقة إلغاء الانتخابات وأنهى عهدته في 28 إبريل/نيسان 2019 ليتسلم رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، رئاسة الدولة بهدف إجراء انتخابات في 9 يوليو/تموز من العام نفسه، لكن ضغط الحراك الشعبي أرجأ تنظيم الانتخابات إلى حين إقرار قانون انتخاب جديد وإنشاء سلطة مستقلة للانتخابات تسحب تنظيم الانتخابات نهائياً من وزارة الداخلية.
فرض الجيش تنظيم الانتخابات في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وترشح لها كل من عبد المجيد تبون وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي عز الدين ميهوبي ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة ورئيس جبهة المستقبل بلعيد عبد العزيز، إضافة إلى علي بن فليس الذي تشرح للمرة الثالثة، شهدت هذه الانتخابات مناورات لتسيير الانتخابات لصالح عز الدين ميهوبي، لكن تبون حسم الانتخابات لصالحه بـ58%.