فلول مبارك: فرصة ذهبية لـ"العودة" من بوابة انتخابات البرلمان

26 ديسمبر 2014
بعد صدور حكم البراءة لمبارك ورجاله (محمد حسام/الأناضول)
+ الخط -

تُعتبر الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، أول اختبار حقيقي لقدرات رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، كون "دولة مبارك"، برموزها المعروفة، تحاول إعادة ترتيب أوراقها من خلال تدشين كيانات جديدة رسمية بموجب القانون، ما قد يسهل من عملية إعادة دمجهم في الحياة العامة والسياسية. وتمكن رموز دولة مبارك من تكوين تحالفات انتخابية استعداداً للانتخابات البرلمانية المؤجلة من شهر يوليو/تموز الماضي، وعلى رأسها تحالف "الجبهة المصرية". ولا يزال رجال مبارك يسيطرون على مفاصل رئيسية في الدولة، نظراً لعدم تطهير تلك المؤسسات عقب ثورة يناير مباشرة. بيد أن السلطة الحالية في القاهرة تحاول تفادي ما قد يؤدي إلى سيطرة كبيرة لرموز دولة مبارك من دون انتهاج نهج صدامي معهم.

وفي إطار مساعي عرقلة عودة كبيرة لرموز حكم مبارك، تحاول السلطة الحالية إيجاد "نخبة جديدة" تحول دون عودة "الوجود القديمة". وتبرز أهمية البرلمان المقبل تحديداً، نظراً للصلاحيات الواسعة التي حصل عليها بموجب تعديل الدستور الأخير عقب إطاحة مرسي، فبات بإمكان البرلمان تعيين الحكومة وسحب الثقة منها. وصلاحيات البرلمان الجديدة تمكنه من السيطرة على مفاصل الدولة، وبإمكانه تعطيل أي قرارات أو قوانين تصدر عن الرئاسة، وهو ما يفسر بالنسبة للبعض، رغبة الرئيس عبدالفتاح السيسي في تأجيل الانتخابات البرلمانية لأقصى مدى ممكن. بيد أن الضغوط الداخلية والخارجية بددت فكرة التأجيل، فسرّع أركان السلطة الحالية وتيرة حركتهم لتشكيل أغلبية البرلمان المقبل تحت ما يسمى "القائمة الوطنية"، وذلك لتفادي عرقلة برلمانية على عمل السلطة التنفيذية عموماً، والرئاسة خصوصاً. وبحسب حديث مصدر قضائي مطلع لـ"العربي الجديد"، فإن "قراراً سياسياً" كان وراء تأخر فتح باب الترشح للانتخابات النيابية، ومن قبله تأخر صدور قانون الدوائر الانتخابية لعدة أشهر (صدق عليه السيسي قبل يومين).

ودفع السيسي بمستشاره كمال الجنزوري، إلى تشكيل "قائمة وطنية" لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومحاولة التنسيق بين كافة القوى السياسية للتنسيق على المقاعد التي ستنتخب وفق النظام الفردي. ولكن دعوات الجنزوري لم تلق تأييد العديد من الأحزاب بعد، وذلك بعد فشل عمرو موسى في التفاوض مع الأحزاب الرئيسية لإرساء تحالف انتخابي حاكم.

في المقابل، تسعى الأحزاب التي خرجت من رحم الحزب الوطني المنحل، إلى تشكيل كيان قوي ينافس انتخابياً، مستغلة خبرتها بالانتخابات في عهد مبارك، من أجل حجز أكبر عدد مقاعد لها في البرلمان المقبل. وترى هذه الأحزاب أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، هي أكبر فرصة يمكن من خلالها العودة بشكل شرعي إلى سدة الحكم وليس فقط إلى الحياة العامة والسياسية فقط. ويعزز من هذا السيناريو أحكام البراءة التي حصل عليها نظام مبارك بشكل كامل تقريباً.

ويتزعم تحالف وجوه مبارك، المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، المقيم في الإمارات منذ العام 2012، وهو أقوى رموز "الفلول" شعبياً. ويرى كثيرون في مصر، أن خطوة انتخابه بالتزكية رئيساً لحزب الحركة الوطنية، قبل أيام، ليست سوى أحدث إجراءات التمهيد لعودة الرجل لتزعم "معسكر مبارك".

وكان رئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، قد أعرب عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، فشن عدد كبير من السياسيين والإعلاميين المؤيدين للرئيس الحالي حرباً ضروساً عليه، لإجباره على عدم الترشح. وبعد وصول السيسي لسدة الحكم، لم تدعُ مؤسسة الرئاسة عنان إلى حفل تنصيبه، على الرغم من دعوة وزير الدفاع الأسبق، ورفيق دربه، المشير حسين طنطاوي، كما رفضت لجنة شئون الأحزاب أوراق حزب "مصر العروبة" الذي يسعى لتأسيسه عنان لخوض الانتخابات البرلمانية.

وفي وقت سابق، أعلن أمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل، ماجد الشربيني، في أول ظهور علنيّ له منذ ثورة 25 يناير 2011، عن تشكيل تحالف انتخابي يضم نواباً سابقين في مجلس الشعب، عن الحزب الحاكم في عهد مبارك، تحت مسمى "التيار الوطني المستقل". وعلى جهة أخرى بخلاف تشكيل جبهة لنواب من الحزب الوطني المنحل وتحالف الجبهة المصرية، يعود أحمد عز، عضو لجنة السياسيات بالحزب الوطني المنحل لتصدّر المشهد من جديد. وبدأ عز في دعم بعض المرشحين السابقين في الحزب الوطني، في الخفاء من دون إعلان ذلك. وقالت مصادر مقربة من عز، إنه لن يترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، ولكنه سيدعم مرشحين محسوبين على الحزب الوطني. ومن المتوقع في ظل قانون تقسيم الدوائر الجديد، الذي أقره السيسي، أن يلعب المال السياسي دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة. ويظهر في الصورة عدد من رجال الأعمال من المتوقع قيامهم بدور كبير في تمويل المرشحين، مثل نجيب ساويرس وأحمد عز، ورجال أعمال آخرين من المحسوبين على الحزب الوطني المنحل. في المقابل، هناك أحزاب ليس لديها قدرة مالية كبيرة لدعم مرشحيها خلال الانتخابات المقبلة، التي تتطلب حجم إنفاق كبير.

ومن جهة أخرى، يصعب قانون تقسيم الدوائر الجديد من تعامل المرشحين مع الدوائر، لأن المرشح يحتاج إلى وقت كبير لإمكانية تفقد مناطق مختلفة من دائرته. ويرى معارضو السلطة الحالية، أن القانون الجديد للانتخابات البرلمانية وقانون تقسيم الدوائر، "تشوبه مخالفات دستورية" وأنه مكتوب "لتسهيل حل البرلمان في أي وقت". وتبرز أهمية المقاعد الفردية في الانتخابات المقبلة، نظراً لحصتها البالغة 420 مقعداً من إجمالي 540 مقعداً (120 مقعداً خصصت للقوائم المغلقة)، وهو نظام قريب من الذي كان معتمداً قبل ثورة 25 يناير. وارتبط دوماً المال السياسي بالنظام الفردي، لأن المفاضلة بين المرشحين ليست على أساس الأفكار أو البرامج، ولكن على أساس المعرفة الشخصية للمرشح. ويلعب المال السياسي، وشراء الأصوات، دوراً كبيراً في ترجيح كفة المرشح، وفقاً للنظام الفردي، إضافة إلى قدرة المرشح على تقديم الخدمات الشخصية والمحلية لبعض الناخبين المؤثرين في الكتل التصويتية، وذلك على حساب حل المشاكل العامة، حتى يتحول المرشح إلى "نائب خدمات"، وأقرب ما يكون إلى عضو المجلس المحلي، بخلاف دوره المنوط بالتشريع ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.

ولم تختفِ رموز دولة مبارك عن المشهد السياسي منذ ثورة 2011، إذ ترشح عدد غير قليل من قيادات الحزب الوطني المنحل في انتخابات برلمان 2012، وخسر أغلبهم مقاعدهم النيابية السابقة في أول انتخابات نزيهة تشهدها البلاد. ومع الظهور الفج لقيادات "دولة مبارك"، خصوصاً عبر شاشات الفضائيات في الفترة الأخيرة، ظهرت مطامعهم مجدداً في السلطة، وهدفهم في السيطرة على البرلمان المقبل. وفي السياق، أعلن طارق سرور، نجل رئيس مجلس الشعب الأسبق، أحمد فتحي سرور، الترشح عن دائرة والده بمنطقة السيدة زينب بوسط القاهرة، إضافة إلى رجل الأعمال محمد المرشدي، وأحمد فؤاد شيرين، وهشام مصطفى خليل، وعدد من أمناء "الوطني" بالمحافظات المختلفة.

ويُظهر المشهد العام للتطورات، أنّ "معسكر السيسي" سيواجه "معسكر مبارك" برموز عدة، من بينهم، فضلاً عن الجنزوري وعمرو موسى، كل من الخبير العسكري سامح سيف اليزل، ووزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين، ومؤسس حركة "تمرد" محمود بدر. هناك أيضاً رئيس نادي القضاة أحمد الزند، والمستشارة السابقة تهاني الجبالي، والحقوقية منى ذو الفقار، والمحامي خالد أبو بكر، والاقتصادي هاني سري الدين، والمتحدث الإعلامي لحملة السيسي الانتخابية عبد الله المغازي، ووزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل.

ويرجح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يسري العزباوي، أن تكون العلاقة بين السيسي والبرلمان المقبل، إما "تعاونية"، أي أن تكون الحكومة أكثر قوةً من البرلمان، أو سياسة الشد والجذب، دون الوصول إلى مرحلة الصدام. أما السيناريو الثالث، الذي يحذر منه العزباوي، فهو الصدام بين الرئيس والبرلمان، بما يفضي إلى دخول البلاد من جديد في حالة من الفوضى السياسية، وهو ما تتخوف منه السلطة الحالية، وتسعى لتشكيل تحالفات انتخابية مؤيدة لها لتفادي حصوله.

المساهمون