محاولات خجولة لتحريك الحل السياسي في سورية

10 نوفمبر 2014
اقترح دي ميستورا حلب كنقطة بداية (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -




مع حالة الاستعصاء الميداني والسياسي في الساحة السورية، ثمة مؤشرات إلى محاولات "متواضعة" من جانب بعض الأطراف المتصلة بـ "القضية السورية"، لتحريك الأمور في اتجاه فتح أفق لتسوية ما، قد يكون سقفها وضع حدٍّ لحالة التدهور، وليس إيجاد حلّ نهائي.

وتأتي زيارة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في هذا الإطار، إذ أعلن أنه يريد التسويق خلالها لمبادرته التي كان قد عرضها على مجلس الأمن الدولي، والمتعلقة بتجميد الصراع المسلّح بين قوات النظام والمعارضة في بعض المناطق السورية، من أجل السماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات. واقترح دي ميستورا مدينة حلب، التي ارتكبت فيها طائرات النظام، أمس الأحد، مجزرة جديدة، كنقطة بداية.

مبادرة دي ميستورا، التي فضّل تسميتها "خطة تحرك"، لا "خطة سلام"، تشبه، بحسب ما رشح عنها، المصالحات والهدن التي يقوم بها النظام السوري في العديد من المناطق، وتضع في الاعتبار بحسب تصريحات الرجل، مكافحة الإرهاب وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كأولوية للنظام والمعارضة، اللذين سيعملان بعد تجميد الصراع بينهما، على إرساء حكم "لا مركزي"، يقوم على إجراء انتخابات محلية، تكون منطلقاً في وقت لاحق (غير معلوم) إلى إجراء انتخابات عامة على المستوى الوطني.

ولا تتطرّق المبادرة المدعومة من جانب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى القضايا الخلافية الرئيسية، وفي مقدمتها مصير رئيس النظام بشار الأسد والصف الأول العامل معه، لكن من الواضح أن المبادرة لا تشترط رحيلهم، خصوصاً أن مندوب النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري، سارع إلى القول بأن حكومته ستدرس المبادرة، قبل أن تصدر إشارات رفض خفيفة لها من جانب النظام، قد لا تكون ذات معنى إلا بهدف رفع سقف الموقف التفاوضي.

وصدرت إشارات مماثلة أيضاً من جانب المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، باعتبار أن خطة المبعوث الدولي تقزّم مطالب الشعب السوري، وتنحدر بها إلى إبرام صفقات محلية معزولة، تجمّد الأوضاع الراهنة، من دون أن تضيء على طبيعة الحل النهائي ومصير النظام ورموزه.

ولا يشبه غموض تحركات دي ميستورا واتساعها، سوى تحركات رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق معاذ الخطيب، الذي زار موسكو قبل أيام، وبحث برفقة بعض أعضاء الحكومة المؤقتة وشخصيات أخرى لم يتم الكشف عنها، "آفاق الحل السياسي للأزمة في البلاد"، بحسب ما كتب الخطيب في صفحته على موقع "فيسبوك".

ولفت الخطيب إلى أنه "أبلغ الجانب الروسي بأن رئيس النظام لن يكون جزءاً من أي حلّ". لكن من غير المعروف على وجه الدقة، ما إذا كانت مشاورات الخطيب، على صلة بتحركات دي ميستورا والحراك الإقليمي الموازي، ومنها زيارة وزير الخارجية التركي الأخيرة، مولود جاويش أوغلو إلى السعودية.

ودفع هذا الغموض الائتلاف السوري، الذي وجد نفسه خارج السياق، إلى عقد اجتماع طارئ، وطلب إيضاحات من الخطيب حول ما جرى في زيارته، على اعتبار أنها تمت دون علم رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة.

وردّ الخطيب مسبقاً على هذا الاجتماع عبر "فيسبوك"، منتقداً الاعتراضات على زيارته، التي تمّت بدعوة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتي تأتي كما يبدو، في سياق بحث روسي عن دور في هذه المرحلة، بعد تفرّد الولايات المتحدة وايران في قيادة العمل الميداني داخل سورية.

وتخشى موسكو أن يمضي التنسيق بين طهران وواشنطن في الشأن السوري وملفات المنطقة إلى حد أبعد من المطلوب، فعملت على فتح قناة دبلوماسية من جهتها، إضافة إلى قناة أخرى، ولكن "ميدانية"، تمثّلت في إعلان وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، بأن "النظام سوف يستلم قريباً جداً منظومة صواريخ إس 300 المضادة للطيران، والتي كانت موسكو جمّدت تسليمها له قبل أكثر من عامين، استجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية".

مع ضبابية المبادرات المطروحة لتحريك المشهد السوري، الذي بات يتمركز في الأسابيع الأخيرة حول الحرب على "داعش"، مع إهمال جرائم النظام ومجازره، التي زادت وتيرتها منذ بدء غارات التحالف على سورية قبل أكثر من 40 يوماً، فإن السمة الأبرز لها، تكمن في أنها تتم من قبل لاعبين من خارج الصف الأول، المنخرط في الصراع والمتمثل محلياً وإقليمياً في النظام والمعارضة المسلحة والائتلاف المعارض وإيران، إضافة إلى الولايات المتحدة.

ويوحي ذلك بأن المبادرة قد تكون ذات سمة "تجريبية"، لجس النبض واختبار مدى استعداد الأطراف المنهكة جراء الصراع للانخراط في حلّ ما، على أمل أن تكون الظروف حالياً أكثر قابلية لنجاح مثل هذه المبادرات، قياساً بظروف انعقاد مؤتمر "جنيف 2"، الذي أحبطه تعنّت النظام المدعوم روسياً وإيرانياً.

ويُنظر على نطاق واسع إلى معاذ الخطيب، المنتمي للتيار الإسلامي المعتدل، على أنه يمثل البرجوازية الدمشقية التواقة إلى تسوية ما مع النظام، لا تشترط انقلاباً شاملاً، بل تبحث عن حلول وسط، بما يتقاطع مع رؤية القوى الدولية الرئيسية، في ظلّ ما يرشح عن عدم تمسك موسكو بشخص الأسد في أية تسوية مقبلة، بينما باتت واشنطن تعلن جهاراً، أنها "تفضّل حلولاً تُبقي الدولة السورية والجيش النظامي، اتّعاظاً بتجربة حلّ الجيش وانهيار الدولة بعد الغزو الاميركي للعراق في 2003".