وبحصول تبون على هذه النسبة انتفت الحاجة إلى الذهاب إلى دور انتخابي ثانٍ، على الرغم من أن مجموع المؤشرات كان يؤكد إمكانية ذلك، إذ كان هناك تقارب بين عدد من المرشحين خلال الحملة الانتخابية.
يحسب تبون على التيار الوطني المحافظ. ينتمي إلى عائلة محافظة تنحدر من منطقة البيض، إلى الجنوب الغربي من الجزائر، وهي منطقة تعرف بالزوايا والطرق الصوفية، ووفر ذلك لتبون ذخيرة مهمة في الخطاب السياسي واستعمال لغة شعبية، لا سيما أن حملته الانتخابية ومساره السياسي يعطيان انطباعاً بتعلقه بالقيم الدينية للشعب الجزائري واحترامه قيم الإسلام، من ضمن ذلك، على سبيل المثال، أنه كان أكبر المدافعين عن بناء مسجد الجزائر الأعظم.
وقبل سنوات قليلة، كان تبون رئيساً للحكومة ما قبل الأخيرة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، بعدما قضى 17 سنة في الحكومات المتعاقبة، ومع ذلك لم يتردد في الترشح رغم الحالة الثورية التي تشهدها الجزائر ضد كل ما يرمز إلى النظام السابق وإلى نظام بوتفليقة خصوصاً. مع العلم أن المسار الإداري لتبون في السلطة والإدارة كموظف سياسي بدأ في مرحلة ما قبل وصول بوتفليقة إلى سدة الرئاسة عام 1999، فبعد تخرّجه من المدرسة العليا للإدارة عمل رئيس دائرة ثم والياً في منطقة أدرار، جنوبي الجزائر، وعدد من الولايات. بعدها، تم انتدابه من قبل الرئيس السابق ليامين زروال مساعداً لوزير الداخلية مكلفاً بالبلديات، وارتقى بعدها تبون إلى مصاف الوزراء، فكان وزيراً للإعلام والتجارة والسكن، قبل أن يُعيّن رئيساً للحكومة.
وعلى الرغم من حالة الطرد السياسي والإقالة السريعة من رئاسة الحكومة وانتصار بوتفليقة ومحيطه لصالح الكارتل المالي، إلا أن تبون لحظة خروجه من القصر الحكومي يوم إقالته ظلّ متمسكاً بدعمه لبوتفليقة، حتى إنه لم يتردد لاحقاً في تأييد ترشحه لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/ نيسان الماضي قبل إلغائها. ويجعل مجموع هذا المسار من تبون في نظر الجزء الغالب من الجزائريين رمزاً من رموز نظام بوتفليقة ومرشح السلطة بشقها السياسي والعسكري. كذلك تُستغل صورته الضاحكة مع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح والتي التقطت قبل سنتين، في تأكيد وتغذية هذا الشعور.
ورغم النفي المتكرر لتبون أن يكون مرشح السلطة وإعلانه ألا صلة له بأي دعم من الجيش، إلا أنها ليست المسألة الوحيدة التي تحسب ضده، بل أيضاً إخفاقه في تنفيذ مشاريع برنامج الإسكان المسمى "عدل"، والذي لم يحصل المسجلون فيه على شققهم منذ عامي 2001 و2002، فضلاً عن نكثه الوعود بإسكان الآلاف من هؤلاء المسجلين الذين ينظمون وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة السكن والوكالة المكلفة ببرنامج الإسكان. وبدأت هذه القضية بالتحول إلى حملة مضادة لتبون على مواقع التواصل الاجتماعي، تدفعه في كل مناسبة أو حوار صحافي إلى محاولة التهرب من هذه القضية ومحاولة تبريرها بأنها جزء من العراقيل التي كانت تختلقها دوائر من خصومه في الحكومة والكارتل المالي لإعاقته.
قبل بدء الحملة الانتخابية تعرّض تبون لخسارة مؤثرة بعد استقالة مدير حملته الانتخابية سفير الجزائر السابق لدى الأمم المتحدة عبد الله باعلي، وغيابه عن تجمعات شعبية كانت مبرمجة في اليوم الأول للحملة، لكنه حاول تجاوز ذلك وبنى صورته الانتخابية في ثلاثة أبعاد. البعد الأول هو المظلومية السياسية التي لحقت به بعد إطاحته من رئاسية الحكومة في أغسطس/
آب 2017، التي قال بشأنها في تصريح إنه تعرّض للمضايقات والمراقبة من قبل محيط بوتفليقة، وإن هؤلاء كانوا يبحثون له عن ملفات فساد أو قضايا يمكن إدانته وتهديده بها. وذكر أن رغبة الكارتل المالي والسياسي في الانتقام منه بلغت حدّ نزع صورته كرئيس حكومة سابق عن الجدار الذي يضم صور رؤساء الحكومات السابقين منذ الاستقلال. البعد الثاني هو أن تبون رسم لنفسه صورة رجل مكافحة الفساد والتغوّل المالي، بالاستناد إلى معركته مع رجال المال والأعمال والكارتل المالي خلال الفترة القصيرة لرئاسته الحكومة، أو خلال تولّيه وزارتي التجارة والسكن. البعد الثالث متعلق بتبنيه خطاباً حاداً ضد فرنسا، عبر محاولته استغلال ملف التاريخ والذاكرة الدامية لفرنسا الاستعمارية في الجزائر، واستقطاب الناخبين عبر خطاب انتخابي كهذا، تحديداً في الظروف الراهنة التي يتبنّى فيها الحراك الشعبي المواقف الحادة نفسها ضد فرنسا ولوبياتها السياسية ومصالحها المالية والاقتصادية في الجزائر.
ويعد عبد المجيد تبون أول رئيس للجمهورية في الجزائر من جيل الاستقلال الذي فتح عينيه على الحياة السياسية والنضالية بعد نيل الجزائر حريتها عام 1962، وأول رئيس من جيل لا تسنده الشرعية الثورية (المشاركة في ثورة التحرير)، كما كان الحال مع كل رؤساء الجزائر السابقين، ويعتبر على هذا الأساس الناقل المركزي للسلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال، بعد عقود من الشعارات التي كانت ترفعها السلطة بنقل المشعل إلى جيل ما بعد الثوريين.
عدا عن ذلك، سيكون تبون أيضاً أول رئيس للجمهورية في الجزائر يحوز شهادة دراسات عليا ومتخرج من الجامعة، بخلاف مجموع الرؤساء السابقين للبلاد، وهو مؤشر يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية تحول جذري في طريقة إدارة الدولة والشؤون العامة والملفات السياسية والسيادية وتحسين التدبير في الشأن العام وانتهاج التخطيط العلمي استناداً إلى الرصيد العلمي والمعرفي والمسؤوليات السياسية السابقة.