5 تحديات تنتظر زيلينسكي في رئاسة أوكرانيا

26 ابريل 2019
سيواجه زيلينسكي تحدي انتهاج سياسة مستقلة داخلياً (الأناضول)
+ الخط -
"كيف حدث أنّ أفقر بلد مثل أوكرانيا يحكمه أثرى رئيس؟"، سؤال طرحه الرئيس الأوكراني المنتخب، فولوديمير زيلينسكي، خلال مناظرته، عشية جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، مع منافسه، الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو. فالأخير ملقب بـ"ملك الشوكولاتة"، لامتلاكه شركة "روشن" للحلويات، وقد تضخمت رؤوس أمواله إلى أكثر من مليار دولار في عام 2018.
ومع ترقّب تنصيبه في نهاية مايو/أيار المقبل، يجد زيلينسكي (41 عاماً)، الذي اعتلى موجة الشعارات الشعبوية ورفض الإستبلشمنت خلال حملته الانتخابية، نفسه أمام تحديات سياسية واقتصادية صعبة في إطار رئاسته المرتقبة. وأبرز 5 تحديات تواجهه تتعلق بتشكيل إدارته، ومكافحة الفساد، وتسوية النزاع في منطقة دونباس الواقعة شرق البلاد، والموالية لروسيا، فضلاً عن تحسين الأوضاع المعيشية للسكان، ونجاح حزبه "خادم الشعب" في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويبدو أن موضوع تسوية النزاع في منطقة دونباس سيكون أول الأزمات التي تواجه زيلينسكي، خصوصاً مع إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، إجراءات تسهل منح الجنسية الروسية لسكان المنطقة (تضم إقليمي دونيتسك ولوغانسك)، في إجراء نددت به كييف واعتبرته "طعنة في الظهر" تستهدف زيلينسكي، الذي دعا إلى تشديد العقوبات على موسكو على خلفية القرار. ويدفع توقيت إقرار بوتين للمرسوم بعد أقل من 24 ساعة على إعلان اللجنة الانتخابية في أوكرانيا رسمياً فوز زيلينسكي بالرئاسة، إلى طرح تساؤلات حول أهداف روسيا، خصوصاً لجهة رغبتها في اختبار رد فعل زيلينسكي، الذي لم يتأخر في انتقاد القرار، داعياً إلى تشديد العقوبات على موسكو. وأكد، في بيان، أن "أوكرانيا تعتمد على المجتمع الدولي وعلى تشديد الضغط الدبلوماسي والعقوبات على روسيا". وأشار إلى أن القرار "تأكيد جديد على دور روسيا كدولة معتدية تشنّ حرباً على أوكرانيا".

وتفاعلت القضية سريعاً، إذ عقد مجلس الأمن الدولي، أمس الخميس، جلسة لبحث موضوع منح روسيا جوازات سفر لدونيتسك ولوغانسك، فيما وصفت خارجية الاتحاد الأوروبي قرار بوتين بأنه هجوم جديد على سيادة أوكرانيا. وقالت متحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، إن المرسوم الذي وقعه بوتين "هجوم روسي جديد على سيادة أوكرانيا، وتوقيت مثل هذا القرار بعد وقت قصير من الانتخابات الأوكرانية يظهر نوايا روسيا لزيادة زعزعة استقرار أوكرانيا وتصعيد النزاع". كما انتقدت ألمانيا وفرنسا، الدولتان الراعيتان لعملية السلام في أوكرانيا، القرار الروسي. وأعلنت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان مشترك مع فرنسا، أن "إعلان روسيا يتعارض مع روحية وأهداف اتفاقات مينسك" التي يفترض أن تعيد السلام إلى شرق أوكرانيا.


ويعتبر مدير "مركز بحوث المجتمع ما بعد الصناعي" في موسكو، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، أنّ أكبر تحديات زيلينسكي هو الحفاظ على ثقة مؤيديه، مقللاً في الوقت نفسه من واقعية نجاحه في الوفاء بوعوده.
ويقول إنوزيمتسيف، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من أجل تثبيت فوزه بانتخابات الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) في الخريف المقبل، يتعيّن على زيلينسكي البدء بالوفاء بوعوده المتعلقة بمكافحة الفساد وخفض تعاريف الخدمات، واستئناف الحوار مع موسكو، إلا أنّ احتمالات نجاحه على كل هذه المسارات ضئيلة جداً". ويضيف "ستكون هناك أهمية بالغة لقدرة الرئيس الجديد على الحفاظ على أهم أصوله، وهو ثقة الناخبين التي حظي بها، حتى قبل اتضاح رؤيته لأغلب القضايا الحيوية للمجتمع الأوكراني، وأساليبه في الإدارة".
وبحسب مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، تأتي أوكرانيا في المرتبة الـ120 عالمياً، مما يضعها في المرتبة نفسها مع دول أفريقية مثل ليبيريا ومالاوي ومالي.

وتعدّ أوكرانيا البالغ عدد سكانها أكثر من 40 مليون نسمة، أفقر بلد في أوروبا من حيث حصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، بواقع أقل من 3 آلاف دولار سنوياً، في وقت تسببت الاضطرابات السياسية في انكماش الاقتصاد في البلاد بنسبة 16 في المائة تقريباً، خلال عامي 2014 و2015. ورغم عودته إلى النمو التدريجي بنسبة 2.5 إلى 3 في المائة منذ عام 2016، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني لا يزال دون مستوى عام 2012 بنسبة 8.6 في المائة، وفق أرقام صندوق النقد الدولي.
ولعلّ هذا ما دفع بالناخبين لوضع خفض تعرفات الصيانة المنزلية والتحقيقات في قضايا الفساد، ضمن أولويات الـ100 يوم الأولى من الولاية الرئاسية الجديدة، على حساب المفاوضات مع روسيا والاتحاد الأوروبي، وفق استطلاع للرأي أجري عشية جولة الإعادة.
ومع ذلك، يشكك إنوزيمتسيف في قدرة زيلينسكي على مواجهة هذه التحديات، قائلاً: "على الأرجح، لن يتمكن الرئيس الشاب من الوفاء بثلاثة من وعوده على الأقل". ويوضح "تقود خيوط مكافحة الفساد إلى طبقة أوليغارشية (أقلية حاكمة أو مسيطرة) محصنة. كما لن يتسنى خفض تعاريف الصيانة المنزلية والغاز والكهرباء، لأن إصلاح رفع التعاريف أجري تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، وفي الوضع المالي الحالي، لن تستطيع أوكرانيا الاستغناء عن دعم مؤسسات التمويل الدولية. كما أن المفاوضات المباشرة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أجل إنهاء الحرب شرق البلاد، لا تبدو واقعيةً، في ظلّ الموقف الروسي الحالي".
وعلى صعيد السياسة الداخلية، سيواجه الرئيس الجديد تحدي انتهاج سياسة مستقلة، في ظلّ سيطرة ائتلاف "كتلة بترو بوروشنكو" و"الجبهة الشعبية" بقيادة رئيس الوزراء السابق، أرسيني ياتسينيوك، على 215 من أصل 450 مقعداً في الرادا العليا، بينما لا يزيد عدد النواب المحسوبين على الملياردير الهارب، إيغور كولومويسكي، الذي يعد أبرز داعمي زيلينسكي، عن 60 إلى 70 نائباً فقط.
وبما أنّ نظام الحكم في أوكرانيا مختلط (أي برلماني - رئاسي)، لن يتمكن زيلينسكي من انتهاج سياسته وتشكيل الحكومة، إلا في حال نجاح حزبه في الانتخابات التشريعية، إذ يتم ترشيح جميع الوزراء، باستثناء الخارجية والدفاع، من قبل الائتلاف الحاكم.
ومع ذلك، لا يتوقع إنوزيمتسيف في جميع الأحوال نهاية كارثية لرئاسة زيلينسكي، خاتماً بالقول إن "أوكرانيا تعلّمت العيش كدولة ديمقراطية لا تقيس مراحل تطورها بالولايات الرئاسية".
وكانت أوكرانيا قد شهدت يوم الأحد الماضي جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن اكتساح الممثل الساخر زيلينسكي للنتائج، بحصوله على 73 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل 25 في المائة لبوروشنكو، فيما يعدّ أكبر فوز باستحقاق رئاسي في تاريخ أوكرانيا ما بعد السوفييتية.

دلالات
المساهمون