السؤال الذي يشغل المراقبين في إيران حالياً، ولعله في المنطقة والعالم، يتعلق بالجهة التي سرّبت التسجيل الصوتي لمقابلة سرية داخلية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، نظراً لأهمية مضامين التسجيل وتوقيت التسريب الذي يتزامن مع المباحثات النووية الجارية في فيينا واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية خلال يونيو/حزيران المقبل.
لكن لا إجابة دقيقة عن هذا السؤال بعد، وسط إحالة الحكومة الأمر إلى الأمن لبحثه والكشف عن المتورطين في "المؤامرة".
وبحكم أن المقابلة أجراها "مركز الدراسات الاستراتيجية" التابع للرئاسة الإيرانية، فالأنظار تتجه إليه وتحوم الشكوك حول كيفية تسريب الشريط من داخل المركز.
كما تتهم وسائل إعلام محافظة رئيس المركز حسام الدين أشنا، وهو مستشار إعلامي للرئيس روحاني، بأنه يقف خلف التسريب لأغراض سياسية وانتخابية، لكن أشنا نفى صحة ذلك.
ولو كان التسريب في توقيت آخر غير هذا التوقيت الحساس لكانت دلالاته بطبيعة الحال أقل، لكن أن يتم ذلك في وقت تخوض فيه إيران مباحثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية في فيينا بواسطة أطراف الاتفاق، التي استأنفت اليوم الثلاثاء اجتماعاتها، فضلا عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران المزمع إجراؤها في 18 يونيو/ حزيران المقبل، يزيد من أهمية التسريب ومدلولاته.
ومع ذلك، هناك أربعة احتمالات مطروحة، تستشف من خلال الاتهامات والتصريحات وسطور المقالات والتقارير التي كتبت عن الواقعة في إيران.
الاحتمال الأول: هو أن جهات محافظة سرّبت التسجيل، إذ يتهم مراقبون ووسائل إعلام مقربة من الحكومة والإصلاحيين أوساطاً محافظة بتسريب التسجيل لتحقيق هدفين؛ الأول منع ترشح ظريف في الانتخابات الرئاسية وإثارة الأجواء ضده ليتم رفض أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور، والثاني إفشال المباحثات الجارية في فيينا بالنظر إلى الاتهامات الثقيلة التي وجهها ظريف لموسكو في التسجيل.
الاحتمال الثاني: يشير إلى أن أوساطاً إصلاحية ومن داخل الحكومة هي التي قامت بالتسريب، حيث تتحدث وسائل إعلام وأوساط محافظة عن أن التيار الإصلاحي وظريف نفسه والحكومة أرادوا من خلال هذا التسريب التسويق المبكر له لأجل الانتخابات المقبلة، معتبرة أنه حملة انتخابية مبكرة.
ويأتي هذا الاتهام فيما لا يزال ظريف مصراً على أنه لن يترشح للانتخابات. وفي السياق، أكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، جليل رحيمي جهان أبادي، أن نشر التسجيل المسرب في هذا التوقيت لا علاقة له بترشح ظريف للانتخابات، قائلا إنه سبق أن أكد مرارا رفضه الترشح، مع الحديث عن أن نشر التسجيل يهدف إلى "الإضرار بمباحثات فيينا واستجواب وزير الخارجية"، داعيا إلى الحذر والحيطة.
أيضا تتهم هذه الأوساط المحافظة الحكومة بأنها من خلال هذا التسريب في آخر أيام ولايتها تسعى إلى تحميل "الميدان" مسؤولية أوضاع البلاد ومشاكلها الاقتصادية والترويج أن رئاسة الجمهورية لا تمتلك صلاحية تبرئة الحكومة من المسؤولية.
الاحتمال الثالث: قيام جهات "اعتدالية" في الحكومة بنشر التسجيل للحؤول دون ترشح ظريف في الانتخابات بعد ضغوط كبيرة من قبل الإصلاحيين عليه للقبول بالترشح بعد إعلان حفيد مؤسس الثورة الإسلامية، حسن الخميني، أنه لن يترشح للانتخابات بعد تشاوره مع المرشد الأعلى.
بعض المراسلين في الخارج الذين وصل إليهم التسجيل، يؤكدون أنهم حصلوا عليه من أحد المقربين من محمود أحمدي نجاد
ظريف رغم رفضه حتى اللحظة خوض السباق الانتخابي، يبقى أهم مرشح محتمل للتيار الإصلاحي، حيث يرى البعض أن التيار "الاعتدالي"، الذي ينتمي إليه روحاني وكثير من أعضاء الحكومة يريدون إحراق ورقة الإصلاحيين وإجبارهم في نهاية المطاف على دعم مرشح للتيار "الاعتدالي" في الانتخابات المقبلة.
وخلال الشهور الماضية شاب العلاقات بين روحاني والإصلاحيين، الذين أوصلوه إلى سدة الرئاسة، توتر شديد، وهو توتر يعود إلى فترة بدء الولاية الثانية لروحاني، عام 2017، عندما انتهى عهد الوفاق بين الطرفين، وتأزمت العلاقات شيئاً فشيئاً لتتجه نحو افتراق ما، إن صح التعبير، وانضمام الإصلاحيين إلى منتقدي الحكومة من المحافظين، لكن من دوافع ومنطلقات مختلفة.
ووصل التوتر إلى حدّ إنكار الرئاسة الإيرانية دور الإصلاحيين في فوز روحاني. ويؤكد الإصلاحيون أنهم لن يدعموا مرشحا من خارج التيار مع توجيه انتقادات لسياسات حكومة روحاني ورئيس مكتبه محمود واعظي.
وتجدر الإشارة إلى أن التيار "الاعتدالي" هو تيار سياسي وسط بين الإصلاحيين والمحافظين، يتبنى خطاب "الاعتدال" و"التنمية" في السياسات الداخلية والخارجية. وكان الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني الأب الروحي لهذا التيار، فيما يعتبر روحاني من أبرز وجوهه اليوم. وفي الخريطة السياسية الإيرانية، يعتبر التيار "الاعتدالي" مقرباً من الإصلاحيين ومنافساً للمحافظين. وتربط بين التيارين الإصلاحي و"الاعتدالي" علاقات قوية، وأحياناً يصعب التمييز بين الأحزاب المنتمية إلى كل من التيارين، قبل أن تتضرر هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة بعد نشوب خلافات بين الإصلاحيين والحكومة.
الاحتمال الرابع: هو دور مقربين من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في تسريب التسجيل إلى الخارج. ونقل موقع "فرارو" الإصلاحي أن بعض المراسلين في الخارج الذين وصل إليهم التسجيل "يؤكدون أنهم حصلوا عليه من أحد المقربين من محمود أحمدي نجاد".
وزاد أحمدي نجاد خلال الشهور الأخيرة من تحركاته الانتخابية مع توجيه انتقادات غير مسبوقة للسياسات الداخلية والخارجية.
واليوم، فيما يسأل الكثيرون عن الجهة أو الجهات المسربة للتسجيل الصوتي، يتحدث آخرون عن تداعياته المحتملة، سواء الانتخابية أو ما يرتبط بمباحثات فيينا، فلا يستبعد البعض أن تغضب تسريبات ظريف روسيا وأن يكون للأمر وقع على هذه المباحثات، في انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة.