يقترب خطر التهجير من 4000 أسرة مصرية هم سكان المنطقة القريبة من ميناء العريش في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، إذ يسعى الجيش المصري لتهجيرهم لتوسعة حرم الميناء، استجابة لتعليمات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، فيما تصاعدت في الآونة الأخيرة مناشدات الأهالي بضرورة التدخل لدى الحكومة المصرية لإيقاف القرار، نظراً إلى أن المنطقة المستهدفة هي وحدها المنطقة السكانية على ساحل البحر، وبالإمكان الاستعاضة عنها بمساحات أكبر في اتجاهات أخرى قريبة من الميناء، إلا أن عين الجيش وقعت على المنطقة السكانية دون غيرها. وتبِعاً لذلك، بدأت الوساطات النيابية وبدأ الفاعلون في سيناء بالتدخل لدى مجلس النواب والمسؤولين الحكوميين، بهدف حرف خارطة التوسعة باتجاه المناطق الخالية بدلاً من المنطقة السكانية، حفاظاً على تواجد المواطنين في العريش بعد تهجير عشرات آلاف المواطنين من رفح، والشيخ زويد، وأطراف العريش على مدار السنوات الماضية.
ويزيد من مخاوف أهالي المنطقة، ما تجدد من حديث عن الإجراءات والخطط الاقتصادية، لما يعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وتفاصيل مخرجات ورشة العمل التي نُظّمت في المنامة قبل أكثر من عام؛ وذلك في أعقاب زيارة وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوتشين، يوم 5 يناير/كانون الثاني الحالي، واجتماعه مع السيسي، بحضور وزير المالية محمد معيط، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل. وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، عقب الاجتماع، بأن الطرفين استعرضا مستجدات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي جوهر قضايا الشرق الأوسط، وأن تسويتها ستغير واقع المنطقة بأسرها إلى الأفضل، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون على المستوى الإقليمي وتقويض الإرهاب والفكر المتطرف. وأكد السيسي، وفقاً لتصريح المتحدث، أن ذلك التقدير نابع من خبرة طويلة وواقع عاشته مصر التي كانت سباقة في انتهاج مسار السلام في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود، وهو المسار الذي استشرفت من خلاله السبيل الأمثل لتسوية القضايا سياسياً وتحقيق الاستقرار، ومن ثم الالتفات إلى البناء والتنمية من أجل صالح الشعوب والأجيال المقبلة.
الوقت بدأ ينفد في مواجهة مخطط التهجير، وسط صمت مريب من الجهات المحلية
وفي التفاصيل، قال ياسر عبد الغني، أحد سكان حي الريسة المهدد بالتهجير في وقت قريب، لـ"العربي الجديد"، إن الوقت بدأ ينفد في مواجهة مخطط التهجير المقرر ضد المنطقة السكانية القريبة من ميناء العريش بهدف توسعتها خلال الفترة المقبلة، وسط صمت مريب من الجهات المحلية، على الرغم من علمها بإمكانية الانتفاع في منطقة جغرافية أخرى بدلاً من المنطقة السكانية المقرر هدمها وتهجير سكانها، معتبراً أنه في حال استمرار صمت الأهالي عن الخطر المحدق بمستقبلهم، فإن المشروع سيمر كما حصل مع بقية مناطق سيناء خلال السنوات الست الماضية. وأضاف أن الأهالي يملكون كافة الأوراق الرسمية التي تثبت ملكيتهم للأرض، وحجم المبالغ التي دفعوها على تشييد منازلهم، في حين الأهالي يجمعون على رفض تغيير منطقة سكناهم، مهما بلغت التعويضات الحكومية، والمنطقة الجديدة التي ستعطيها الحكومة لهم في حال بدأ التنفيذ في قرار الإزالة والتهجير.
وأوضح عبد الغني أن سكان هذه المنطقة لم يكونوا يحلمون أن تصبح محط نظر الحكومة لإزالتها، بعد ترخيص منازلهم ومنحها كافة الخدمات المطلوبة للسكن بعد طلبات متكررة من السكان، إلا أنها أصبحت متوفرة في نهاية المطاف، لتتحول بقرار عابر إلى أرض عسكرية يجب إخلاؤها بقوة القانون، ضارباً بعرض الحائط معاناة آلاف العائلات التي جهزت منازلها وسكنت فيها، في مقابل صرف تعويضات لن تكون منصفة للسكان، كما جرى مع المهجرين السابقين في رفح والشيخ زويد. ودعا إلى الخروج بموقف موحد لكل سكان المنطقة، لمواجهة الخطر المقبل قبل فوات الأوان، في ظل وجود إشارات توحي بقرب البدء بتنفيذ قرار الإزالة، خصوصاً بعد تشغيل الميناء قبل عدة أسابيع، وبدء استقبال السفن فيه للتصدير والاستيراد.
إثر ذلك، أرسل النائب في مجلس الشعب المصري رحمي بكير طلب إحاطة عاجل، اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منه، جاء فيه "السيد الدكتور/ رئيس مجلس النواب... إعمالاً لحكم المادة 212 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب أتقدّم بطلب إحاطة هام وعاجل إلى كل من: السيد الفريق وزير النقل والمواصلات والسيد الدكتور وزير المالية والسيد المهندس رئيس مجلس الوزراء، وذلك بخصوص الحرم الخاص بميناء العريش والتوسع في منطقة سكنية مزدحمة بالسكان والأهالي لأكثر من 4000 أسرة يقيمون في تلك المنطقة وليس لهم مكان آخر مما يكلف الدولة مبالغ مالية كبيرة للتعويض مع العلم بوجود أرض مسجلة بالمنطقة وتراخيص مبان وقد تم توصيل جميع الخدمات والمرافق من قبل الدولة (كهرباء مياه تليفون طرق صرف صحي) واعتراف الدولة بصلاحية الموقع للمباني، برجاء التكرم من سيادتكم بإحالة الطلب إلى اللجنة المختصة لجنة النقل والمواصلات مع سرعة نظر الموضوع".
وكان أحد شيوخ سيناء، إبراهيم المنيعي، قد حذّر في حديثٍ سابق لـ"العربي الجديد"، من اعتبار السيسي ميناء العريش من أعمال المنفعة العامة بسبب "خطورة القرار الجمهوري الجديد، كونه يُشكل غطاءً لتهجير المزيد من الأهالي، وإحداث حالة من الدمار في مناطق العريش"، مؤكداً أن "القرار لا يصبّ في مصلحة المصريين في سيناء، ويعد تكراراً لما حدث مع عمليات تهجير لسكان مدينتي رفح والشيخ زويد، بالإضافة إلى سكان حرم مطار العريش". وشدّد المنيعي على "ضرورة إيجاد موقف شعبي رافض لهذه السياسات التي تدفع في اتجاه التهجير القسري للأهالي، وإلا فإن كافة مناطق سيناء ستلقى مصير مدينة رفح خلال السنوات المقبلة، في إطار مخطط يُجرى تنفيذه منذ سنوات"، داعياً الجهات الحكومية لـ"الاستماع إلى مطالب المواطنين، والأخذ بتعديلاتهم التي طرحوها خلال الأشهر الماضية بغية تخفيف الأضرار عنهم من جراء القرار، وتقليل مساحة الدمار التي ستلحق بالأحياء السكنية والسياحية المحيطة".
يشار إلى أن السيسي أصدر قراراً جمهورياً، منتصف العام 2019، يقضي باعتبار ميناء العريش وجميع منشآته ومرافقه، وكذلك أي أراضٍ أو منشآت أخرى يحتاج إليها، من أعمال المنفعة العامة، فيما عدا المواقع العسكرية التي تستغل في شؤون الدفاع عن الدولة. كما نصّ القرار، الذي نشرته الجريدة الرسمية، على أن تتولى الهيئة العامّة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش، وأن تتولى وزارة الدفاع مهام إجراءات تأمين منطقة ميناء العريش. ونص القرار أيضاً على أن يوقَّع بروتوكول بين وزارة الدفاع والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يتضمن الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة ميناء العريش، ووفقاً للقوانين المصرية، فإن اعتبار مشروع معين من أعمال المنفعة العامة، يتيح للحكومة إزالة العقارات ونزع الملكية، وإعادة تخطيط المناطق التي يحتاج إليها إتمام هذا المشروع بأي وسيلة. ومن ثم، فإن القرار الجمهوري يتيح نزع الملكيات والعقارات التي يتطلبها تنفيذ مشروع توسيع ميناء العريش بإشراف الهيئة العامّة لمنطقة قناة السويس والجيش.
مصدر في مجلس مدينة العريش: قرار إزالة المنطقة السكانية لا رجعة عنه
وتعقيباً على ذلك، قال مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إن قرار إزالة المنطقة السكانية لا رجعة عنه نظراً إلى أنه قرار حكومي مدعوم بقرار جمهوري لنزع الملكية الخاصة عن الأرض وتحويلها إلى أرض منفعة عامة، وبالتالي أي اعتراض على هذا القرار لا قيمة له، وستعمل الحكومة على توفير التعويضات اللازمة لأصحاب هذه المنازل التي سيتم هدمها في حال بدء تنفيذ القرار خلال الأسابيع المقبلة. وأضاف أن الدولة المصرية ترى في توسعة ميناء العريش هدفاً استراتيجياً ضمن خطة تنمية سيناء، لتصدير واستيراد كافة المواد الخام والمنتجات، في ظل الثروة الطبيعية المتنوعة التي تمتلكها سيناء، وكذلك باعتبار ميناء العريش أقرب بوابة مصرية للاتصال بالشواطئ الأوروبية، بما يخدم التجارة والاقتصاد المصري، مشيراً إلى ضرورة تفهم الأهالي لطبيعة الموقف الحكومي وحيثيات القرار الذي لا يقبل التغيير إلا في حال اقتضت المنفعة العامة خلاف ما جاء فيه.
وكان مركز أبحاث إسرائيلي يميني قد اقترح، قبل عام، معالجة "التحديات" التي يمثلها قطاع غزة لإسرائيل، من خلال تنفيذ خطة لتطوير شمال سيناء، شمال شرقي مصر، عبر التوسع في بناء مشاريع بنى تحتية يمكن أن تُوظف في تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع. وفي ورقة صادرة عنه، لفت "مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة"، الذي يرأس مجلس إدارته وكيل الخارجية الإسرائيلية السابق دوري غولد، إلى أنّ تدشين مشاريع بنى تحتية وسياحية في شمال سيناء، سيوفر فرص عمل للغزيين، إلى جانب إسهام تلك المشاريع، في معالجة مظاهر الحصار المفروض حالياً على القطاع. وتقترح الخطة، التي أعدها العميد المتقاعد شمعون شابيرا، الباحث في المركز، والذي سبق أن عمل سكرتيراً عسكرياً لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن تتولى الولايات المتحدة، ودول خليجية، مهمة تمويل المشاريع الهادفة إلى تطوير شمال سيناء. وتشمل الخطة تدشين ميناء بحري داخل ميناء العريش الحالي، بحيث يسمح برسو السفن الكبيرة التي ستستخدم في عمليات الاستيراد والتصدير لصالح قطاع غزة.
ويُعتبر ميناء العريش أحد الموانئ المصرية التابعة للهيئة العامة لموانئ بورسعيد، ويقع على ساحل البحر المتوسط. وتأسس الميناء في العام 1996، بعد صدور قرار بتحويل ميناء العريش من ميناء صيد إلى ميناء تجاري، إذ قامت الهيئة العامة لميناء بورسعيد بإعداد الميناء لاستقبال السفن التجارية. ويوجد في الميناء، الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش، رصيف بطول 242 متراً يستخدم للسفن التجارية بغاطس من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار. وكذلك توجد ساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة. وتتلخص أنشطة الميناء في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.