فتح استدعاء المغرب، أول من أمس الخميس، لسفيرته في برلين زهور العلوي، من أجل التشاور، بعدما كان قرر في وقت سابق وقف جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، الباب واسعاً أمام تصعيد جديد في التوتر بين البلدين. وفيما لم تخف الخارجية الألمانية دهشتها الشديدة من قرار الاستدعاء، لقيامها "بجهود بناءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة"، يبقى السؤال عن المدى الذي سيبلغه تأزّم العلاقات بين البلدين، في ظلّ ربط الرباط قرار استدعاء سفيرتها "بما راكمته ألمانيا من مواقف عدائية تنتهك المصالح العليا للمملكة".
وبالتزامن مع الأزمة المتصاعدة التي تمر بها علاقة المغرب مع إسبانيا جراء استقبال الأخيرة لزعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، بهوية جزائرية أخيراً للعلاج، وموقفها المعارض للاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، تبدو العلاقات المغربية الألمانية بدورها متجهة إلى مزيد من التأزم والتوتر جراء 3 ملفات تلقي بظلال ثقيلة على تلك العلاقات.
ملف الصحراء على رأس الملفات التي تدفع في اتجاه تأزيم العلاقات
وفي وقت يبدو فيه استدعاء السفيرة المغربية إجراءً رمزياً للتعبير عن غضب المغرب من سياسات ألمانية رسمية حكومية وغير حكومية تجاه قضاياه الأساسية، وكذلك إشارة واضحة إلى أن قنوات الحوار بين البلدين فشلت إلى حد الساعة في التوصل إلى تفاهم حول كيفية إعادة تنظيم العلاقات الثنائية، يبقى ملف الصحراء على رأس الملفات التي تدفع في اتجاه تأزيم العلاقات. إذ اتهمت الرباط برلين بـ"تسجيل موقف سلبي" بشأن قضية الصحراء، واتخاذ "موقف عدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه"، وذلك بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية الخميس، التي اعتبرت أن هذا الموقف الألماني "خطير ولم يتم تفسيره لحد الآن".
وعلى الرغم من إشادة ألمانيا بالاتفاق المغربي الإسرائيلي لاستئناف العلاقات بين الطرفين، إلا أنها لم تتردّد من خلال خارجيتها في التشكيك علانية في شرعية اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، معتبرة أنّ مضمونه "يخالف الشرعية الدولية". أكثر من ذلك، سارعت برلين في 22 ديسمبر الماضي، للمطالبة باجتماع مغلق لمجلس الأمن، بهدف مناقشة قضية الصحراء. واستفزّ المندوب الألماني في الأمم المتحدة، كريستوف هيوسغن، المملكة المغربية، حين أبدى تعاطفه مع جبهة البوليساريو بحديثه عن "الطرف الضعيف الذي يعيش الإحباط". ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل بعد تلك الجلسة، رفع ممثل ألمانيا في الأمم المتحدة رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن يتبنى فيها رواية "البوليساريو" والجزائر بخصوص انهيار وقف إطلاق النار، وهو ما لم يصدر عن أي بلد آخر.
كذلك، مثّل ملف الإرهاب إحدى أبرز القضايا التي ساهمت في زيادة التوتر بين البلدين، وكانت آخر ردود الفعل في هذا الشأن، اتهام الخارجية المغربية السلطات الألمانية بـ"التواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، ولا سيما مع الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية بشأنه". وطيلة الأشهر الماضية، اشتكت الرباط من صمت برلين على ما اعتبرته خطاباً تحريضياً يروجه انطلاقاً من الأراضي الألمانية، محمد حاجب، الذي قضى 7 سنوات في السجون المغربية إثر اعتقاله عام 2010، بعد عودته للمغرب قادماً من ألمانيا، إذ كان متورطاً في أعمال إرهابية بدولة باكستان، بحسب السلطات.
وزاد من انتقادات الرباط للموقف الألماني، عدم تحريك ألمانيا الإجراءات القانونية والقضائية إزاء "استهداف حاجب للمغرب وصورة رموزه ومؤسساته الأمنية"، و"تحريضه الشباب المغاربة على الإرهاب، من خلال قناته على موقع يوتيوب، مستغلاً وجوده في ألمانيا التي يحمل جنسيتها".
كان لافتاً إقصاء ألمانيا للمغرب من المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا
كما فتحت الأزمة الليبية صفحة إضافية في ملف الأزمة بين البلدين، إذ كان لافتاً إقصاء ألمانيا للمغرب من المشاركة في مؤتمر برلين في يناير/كانون الثاني 2020. وقد أعربت المملكة المغربية، حينها، عن استغرابها العميق لإقصائها من المؤتمر، على الرغم من أنها "كانت دائماً في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، وقد اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاق الصخيرات، الذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين".
في المحصلة، تُفاقِم هذه الملفات الثلاثة الخلاف بين الرباط وبرلين، إلى درجة تثير علامات استفهام حول ما إذا كانت العلاقات بين البلدين قد تجد طريقها إلى التسوية خاصة في الفترة القريبة المقبلة، كون الملفات العالقة بينهما كثيرة، والتباين في وجهات النظر بشأنها عميقا*، وليس من السهل على كلا البلدين تجاوزه.
في السياق، يرى المحلل السياسي المغربي، عادل بن حمزة، أنّ استدعاء الرباط للسفيرة زهور العلوي "مؤشر على تعثّر تسوية الخلافات ودياً بين المغرب وألمانيا، وكذلك على استمرار الرباط في التدرج بخصوص الخطوات التي قررتها للرد على السلطات الألمانية". ويقول بن حمزة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا يمكن قراءة المنهجية الجديدة لبرلين في تعاطيها مع النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، خارج كونها منهجية تقوم على ابتزاز الرباط ومقايضتها، على خلفية ملفات اقتصادية خِلافية بين البلدين، من أبرزها اعتراض ألمانيا على تمويل البنك الأوروبي لمشروع القطار فائق السرعة الذي يربط بين طنجة والدار البيضاء بسبب منح المشروع للفرنسيين. إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بسوق الطاقات المتجددة الصاعد في المغرب، وقطاع التأمينات والبنوك وصناعة السيارات، إذ ترى برلين أنها خارج السوق المغربية، أو على الأقل لا تحضر فيه بشكل يوازي قوتها الاقتصادية".
في المقابل، يبدو أنّ المغرب، بحسب بن حمزة، "قد حسم خياره، في رفض أي ابتزاز أو مساومة، يتم فيها توظيف قضية الصحراء، أياً كان مصدر ذلك الابتزاز"، لافتاً في السياق إلى "التوتر الذي حدث في السنوات الماضية بين المغرب والسويد وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، وحتى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بان كيمون بشأن قضية الصحراء".
ويشير بن حمزة إلى أنّ "الأزمة الحالية تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت ستقف في حدود تعثّر العلاقات الثنائية التي يمكن تداركها وفق منطق رابح - رابح، أم أنّ برلين قد تنقل المواجهة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيمسّ الشراكة والتعاون المغربي الأوروبي في عدد من القضايا، أهمها الهجرة والإرهاب؟".
استدعاء الرباط للسفيرة زهور العلوي مؤشر على تعثّر تسوية الخلافات ودياً
في هذا السياق، يرى الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أنّ "البلدين سيتجاوزان الأزمة الحالية لاعتبارات عدة، منها أنّ المغرب يعي جيداً الدور المحوري والأساسي الذي تؤديه ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وكذلك لإدراك برلين جيداً أنّ التعاون مع الرباط في المجال الاستخباراتي والأمني، مسألة حيوية بالنسبة لأمن ألمانيا واستقرارها".
ويوضح أونغير، في حديث مع "العربي الجديد "، أنّ "المياه ستعود إلى مجاريها، ولكن بعد أن يعي البلدان أنّ من مصلحتهما الحفاظ على علاقات متميزة"، لافتاً إلى أنّ "للمغرب عدة أوراق تفاوضية قوية، من بينها اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، وملفات الهجرة الحارقة، وهي ملفات تهم أوروبا برمتها".
أمّا الباحث في العلاقات الدولية، عثمان أمكور، فيعتقد أنّ "التصعيد الدبلوماسي الذي انتهجه المغرب في أزمته مع ألمانيا، لن يؤثر عليه بالسلب، بسبب ضعف المبادلات التجارية بين البلدين، بخلاف الطرف الألماني الذي قد تكون خسارته أكبر في حال استمرت الرباط في التصعيد، بحكم كون المغرب شريكاً مهماً لأوروبا في مجال مكافحة الهجرة السرية والتطرف"، معتبراً أنّ "انسحاب الرباط من التعاون في هذين الملفين فقط، قد يسبب لألمانيا مشاكل عديدة". ويرى أمكور في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ لجوء الرباط إلى استدعاء سفيرة المغرب في برلين "يظهر أنها انتقلت من دبلوماسية القوة الناعمة التي تُوظّف فيها الوسائل الرمزية فقط، إلى دبلوماسية القوة الذكية"، لافتاً إلى أنّ "المغرب بات لا يساوم في قضاياه الوطنية، وإنما يدافع عنها بالتصعيد الدبلوماسي والسياسي في حال تطلب الأمر ذلك".