3 سنوات على الثورة السودانية: المقاومة مستمرة للانقلابات

19 ديسمبر 2021
خرج الشارع السوداني بعدة مليونيات ضد الانقلاب (فرانس برس)
+ الخط -

تدخل الثورة السودانية، اليوم الأحد، عامها الرابع، وسط مجموعة من تحديات، ازدادت تعقيداً بانقلاب عسكري، يقابله حراك ثوري يصر على إسقاطه ومحاكمته.

واندلعت شرارة الثورة السودانية ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 في مدن عطبرة وبورتسودان والدمازين والقضارف ومدن أخرى، قبل أن تنتقل إلى الخرطوم في 25 ديسمبر/كانون الأول، بتبني تجمع المهنيين السودانيين لها وتوجيهها سياسياً وميدانياً.

وفي مطلع 2019 انضمت لها أحزاب وتحالفات سياسية وقّعت على ميثاق الحرية والتغيير، وهو التكتل الذي قاد بعد ذلك الحراك الثوري عبر المواكب والتظاهرات، واعتصام محيط القيادة العامة للجيش. 

بدأت رياح المقاومة للانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي منذ لحظته الأولى

وانتهى الأمر في 11 إبريل/نيسان 2019 بإعلان القوات المسلحة انحيازها لمطالب الشارع وعزلها للنظام السابق، بكلفة بشرية وصلت إلى نحو 90 قتيلاً على يد النظام السابق. وتلا ذلك مفاوضات بين الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير، لبناء سلطة انتقالية تدير البلاد، إلى حين قيام انتخابات عامة.

وخلال تلك المفاوضات، بدا واضحاً رغبة العسكر في السيطرة والهيمنة والانفراد بالسلطة ووراثة النظام القديم. ونتيجة لإحساسهم بخطر اعتصام محيط القيادة، كورقة ضغط تستخدمها قوى الحرية والتغيير لتقوية مواقفها التفاوضية، أقدم العسكر على فض الاعتصام في يونيو/حزيران 2019، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 من المعتصمين، وإصابة المئات وفقدان العشرات. ثم أقدم العسكر بعد ذلك على تعليق التفاوض كلياً مع قوى الحرية والتغيير، والتفكير في تشكيل حكومة بمعزل عن الجميع.

في ذلك الوقت، لم يرضَ الشارع بالواقع المفروض من قبل المجلس العسكري الانتقالي، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وأمسك بزمام المبادرة مرة أخرى، بخروجه في مليونية 30 يونيو، وما تلاها من حراك. 

وأجبر هذا الأمر العسكر على الإذعان لصوت الشارع والقبول بشراكة في السلطة الانتقالية، غالبية أعضائها في مجلس السيادة من المدنيين، وقيام حكومة مدنية بمجلس وزراء ترشحه "الحرية والتغيير"، عدا وزيري الدفاع والداخلية، لتبدأ السلطة الانتقالية عملها في أغسطس/آب 2019، بموجب وثيقة دستورية وقّعت بين العسكر والمدنيين.

حكومة حمدوك: نجاحات وإخفاقات

واجهت الحكومة التي ترأسها الموظف الأممي السابق عبد الله حمدوك مجموعة عقبات، أبرزها ضعف خبرة وزرائها، والإرث الاقتصادي المتدهور، وعقبات أخرى تضعها الدولة العميقة، وأخرى يضعها العسكر أنفسهم، إذ تدفعهم الرغبة القديمة في تصدر المشهد السياسي.

وعلى الرغم من ذلك حققت حكومة حمدوك الأولى والثانية، نجاحات نسبية، تتصل برفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن السودان، وفك العزلة الدولية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والحصول على مساعدات مالية من الدول وصناديق التمويل الدولية. ومنتصف العام الحالي، بدأ التعافي الاقتصادي والاستقرار النسبي في سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى، واستقرار مماثل في أسعار السلع، ووفرة في المواد الضرورية.

تراهن لجان المقاومة والأجسام المهنية والأحزاب السياسية على اليوم لارتباطه وجدانياً بذكرى اندلاع ثورتهم قبل 3 سنوات

في المقابل، لم تحصد السلطة الانتقالية رضا الشارع لأكثر من سبب، أولها عدم تحقيق العدالة لضحايا الثورة، وفشل لجنة تحقيق وطنية في الوصول لنتائج بشأن فض اعتصام محيط القيادة، واستمرار وجود أصابع النظام القديم في كثير من مفاصل الدولة، عدا عدم إكمال مؤسسات السلطة الانتقالية، مثل المجلس التشريعي والمفوضيات المستقلة، وأسباب أخرى عديدة.

متمردون يقلبون موازين القوى

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020 توصلت الحكومة إلى اتفاق مع تحالف باسم "الجبهة الثورية"، الذي يضم عدداً من حركات التمرد في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة لمسارات مختلفة حول الوسط والشمال والشرق.

وبموجب ذلك الاتفاق انضمت الحركات المسلحة للسلطة بثلاثة مناصب في مجلس السيادة، و6 في مجلس الوزراء، و3 ولاة، على أن تحصل على 25 في المائة من المقاعد البرلمانية. لكن اثنتين من تلك الحركات، هما "تحرير السودان" بقيادة ميني أركو ميناوي، و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل ابراهيم، لم تكن متشجعة على الدخول مع شراكة مع قوى الحرية والتغيير، وتقاربت مع المكون العسكري، وتشاركت معه الرغبة في إزاحة "الحرية والتغيير" من المشهد. 

ولوحظ على حركة العدل والمساواة على وجه التحديد عدم تحمسها لكثير من أهداف الثورة، بما في ذلك إزالة تمكين نظام الرئيس المعزول عمر البشير من مؤسسات الدولة وتفكيك بنيته الاقتصادية والسياسية.

انقلاب 25 أكتوبر 2021

في صبيحة 21 سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت "الحرية والتغيير" عن محاولة انقلابية يجري تنفيذها، وطلبت من الشعب التصدي لها، ولاحقاً أكدها الجيش السوداني. وسرعان ما غيّر الجيش مجرى المحاولة نفسها لأزمة سياسية بينه وبين المدنيين، بالحديث عن فشل الحكومة، واتهام 4 أحزاب داخل تحالف الحرية والتغيير، هي الأمة القومي والتجمع الاتحادي والبعث والمؤتمر السوداني، باختطاف القرار السياسي والتنفيذي، وتمكين كوادرها في أجهزة الدولة. 

ووقع بعد ذلك سلسلة من الملاسنات بين العسكر والمدنيين، تبنى فيها المدنيون خط اتهام المكون العسكري بالتخطيط للانقلاب على السلطة، فيما ساند الشارع، عبر مليونية في 21 أكتوبر، خط مواجهة أي انقلاب عسكري. في المقابل، اصطفت حركات متمردة وأحزاب سياسية أخرى في صف المكون العسكري، ونظمت اعتصاماً في محيط القصر الرئاسي لمطالبة الجيش بالتدخل لحل الحكومة.

بعد 4 أيام من المليونية، استيقظ السودانيون على وقع الموسيقى العسكرية، والإعلان عن بيان لقائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، مع قطع شبكة الاتصالات وخدمات الإنترنت وانتشار عسكري غير مسبوق للجيش وقوات الدعم السريع في شوارع الخرطوم. كما تم تنفيذ اعتقالات طاولت حمدوك وعددا من وزراء حكومته، وأعضاء مجلس السيادة، وقيادات في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وناشطين وقادة أحزاب.

فائز السليك: الحراك الثوري الحالي يمتلك مجموعة من عوامل النجاح

بعد ذلك جاء البيان الأول للبرهان الذي أعلن فيه حل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وإعفاء ولاة الولايات ووكلاء الوزارات. وأحال كل سلطات مجلس السيادة ومجلس الوزراء له. وأتبع ذلك قرار إقالة لمسؤولين في مؤسسات الدولة.

لاءات ثلاث في وجه الانقلاب

على عكس ما تشتهي سفن الانقلاب العسكري، أتت رياح المقاومة له منذ لحظته الأولى. ففي ساعات الصباح الأولى من 25 أكتوبر، أغلق الآلاف من السودانيين الطرق والشوارع الرئيسية، وسيّروا مواكب وصلت إلى محيط القيادة العامة للجيش، تعاملت معها السلطات الانقلابية بعنف مفرط وسقط فيها ضحايا.

وتواصلت عمليات التصعيد من إضراب سياسي وعصيان مدني، ووقفات احتجاجية وتظاهرات ليلية، حتى بدأت مرحلة جديدة من المواكب المليونية في 30 أكتوبر، وصلت إلى 9 مواكب حتى الآن، بإصرار على إسقاط الانقلاب وهزيمته ومحاكمة قادته، وإقصاء العسكر كلياً عن المشهد وعودتهم لثكناتهم، طبقاً للبيانات والشعارات المرفوعة، والتي توجت بلاءات ثلاث: "لا تفاوض، لا مساومة، لا شرعية". ودفع الثوار خلال حراكهم الحالي الثمن بمقتل 45 منهم وإصابة المئات.

اتفاق البرهان وحمدوك

في خضم الحراك الثوري، فاجأ حمدوك، من مقر إقامته الجبرية الذي وضعه فيه الجيش، الجميع بموافقته على اتفاق سياسي مع البرهان، ينص على عودته لمنصبه والعودة للعمل بالوثيقة الدستورية، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة. وتم الاتفاق على الإسراع في إكمال هياكل السلطة الانتقالية، والتوصل لإعلان سياسي جديد، يحكم الفترة الانتقالية، عدا العمل على تشكيل جيش وطني موحد، وإعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو.

أصاب الاتفاق، وطريقة إخراجه، الشارع الثوري بإحباط كبير، لكونه يشرعن الانقلاب العسكري، ويتجاوز مطالب الثوار. لكن حمدوك حاول تبرير الاتفاق كاجتهاد منه، لحقن دماء السودانيين، والمحافظة على إنجازات الثورة، وإعادة البلاد لمسار التحول الديمقراطي، وقطع الطريق أمام محاولات النظام البائد السيطرة من جديد على الدولة. 

ولم يؤثر الاتفاق، أو يساهم في وقف المد الثوري اليومي، حتى اليوم، إذ استمرت المواكب والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية في غالبية المدن السودانية، على الرغم من إحساس الكثيرين بتعرض الانقلاب إلى هزيمة نسبية، بدلالة تراجعه اليومي عن قراراته، وإصدار حمدوك قرارات أبطل فيها ما قام به البرهان في أسابيع الانقلاب الأولى من إقالات وتعيينات.

واليوم الأحد، يتواصل الحراك الثوري، إذ يتوقع خروج الآلاف في وسط الخرطوم للتوجه للقصر الرئاسي ومحاصرته. وتراهن لجان المقاومة والأجسام المهنية والأحزاب السياسية على هذا اليوم، لارتباطه وجدانياً بذكرى اندلاع ثورتهم قبل 3 سنوات.

ويرى مراقبون أن الحراك الثوري يختلف عن حراك ما قبل سقوط نظام البشير، لأن الشارع أكثر تنظيماً بوجود لجان المقاومة التي طورت آلياتها في تنظيم التحركات، وقبل ذلك تنظيم نفسها بعقد مؤتمرات قاعدية في الأحياء وعلى مستوى المناطق، وارتفاع وتيرة التنسيق بينها على مستوى المحليات، والاستفادة من الروابط الإنسانية التي نشأت خلال السنوات الماضية. يضاف إلى ذلك زيادة الوعي بين الشباب، عماد الثورة، بأهمية التغيير المدني وحتمية هزيمة الانقلابات العسكرية.

وبالمقارنة أيضاً، فإن الحراك الثوري يجد، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، مساحة حرية نسبية أكبر من التي كانت موجودة في الحراك الثوري الأول قبل 3 سنوات. 

كما أن العسكر اليوم يعانون من الضعف السياسي، وافتقارهم للحواضن السياسية في تعرية الانقلاب وتجريده يوماً بعد يوم، عكس نظام البشير الذي اعتمد على حزب المؤتمر الوطني، الممسك بكثير من مفاصل الدولة. في حين لا يفصل البعض مطلقاً بين مرحلة وأخرى، ويرى أن الحراك الحالي جزء مكمل للثورة، يستفيد من أخطاء السنوات الماضية، ويعمل على تصحيحها ومواجهة ما تبقى من تحديات.

كيف يرى "الحرية والتغيير" الثورة بعد الانقلاب؟

مع تزايد الانتقادات لتحالف قوى الحرية والتغيير، وتحميله جزءا من مسؤولية الانقلاب العسكري، أعد التحالف رؤية سياسية جديدة، تهدف "لهزيمة الانقلاب، وتشكيل سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال، وتخلق علاقة صحية بين الشعب ومؤسساته النظامية".

أسامة سعيد: أبرز تحدٍ يواجه الثورة السودانية في عامها الرابع، هو إنهاء تقاطعات العسكر والمدنيين

ولا يرى التحالف في اتفاق حمدوك والبرهان إلا كونه عقد إذعان للانقلابيين، وطعنة للحركة الجماهيرية في قمة نهوضها. وتشير الرؤية الى أن انقلاب 25 أكتوبر يحمل في أحشائه بذور فنائه، لأنه بلا سند شعبي، ويبدد مكتسبات الانتقال التي تحققت في العامين الماضيين.

ويحدد التحالف أهداف الثورة في 13 هدفاً، تضمن استعادة الانتقال الديمقراطي المدني بقيادة سلطة مدنية حقيقية. وتلك الأهداف تتلخص في تصفية ركائز تمكين نظام الثلاثين من يونيو، والشروع في تنفيذ الترتيبات الأمنية وتوحيد الجيوش المتعددة، وتنفيذ اتفاق سلام جوبا، واستكمال عملية السلام، بالأخص مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد.

إضافة لذلك تعتمد رؤية التحالف على تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي، والسير في برنامج إلغاء الديون وتمتين الشراكات الدولية، وسنّ سياسات اقتصادية ذات محتوى اجتماعي ينحاز للفقراء والمهمشين، ويرفع عنهم ضائقة المعيشة.

كما تعتمد رؤيته على البدء في عملية دستورية شاملة، تتوج بالمؤتمر القومي الدستوري الذي يضع أسس الدستور الدائم للبلاد، ومواصلة الانفتاح الخارجي وفق سياسة وطنية متوازنة، وإطلاق عملية شاملة للعدالة الانتقالية تكشف الجرائم وتنصف الضحايا وتضمن عدم تكرارها مرة أخرى. 

ويدعو إلى تكوين مفوضية مستقلة للعدالة الانتقالية تقود هذه العملية، وإجراء إصلاحات عاجلة في جهازي الأمن والشرطة والأجهزة العدلية والقضائية، مع الوصول إلى ميثاق شامل يحكم العلاقة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية خلال الانتقال وما بعده.

وتؤكد الرؤية على محاربة الفساد، وتكوين مفوضية مختصة بهذه المهمة، وولاية المالية على المال العام، وسيطرة الدولة على الاقتصاد وموارد البلاد الرئيسية، خصوصاً الذهب، وإصلاح الخدمة المدنية. وفي النهاية إقامة انتخابات حرة ونزيهة، ومراقبة دولياً، في أقرب فرصة متاحة عند نهاية المرحلة الانتقالية.

ويؤكد التحالف أن هزيمة الانقلاب تتطلب بناء أوسع جبهة شعبية لمناهضته، واستخدامها كافة الوسائل السلمية المجربة والمستحدثة في المقاومة. وتقوم تلك الجبهة على التنسيق المحكم بين القوى السياسية، ولجان المقاومة والمجموعات المهنية والنقابية والمجتمع المدني، والمنظمات النسوية والشبابية، والمجموعات المطلبية وتنظيمات السودانيين بالمهجر. 

ويعتبر أن الوحدة المطلوبة لازمة وضرورية، وبدونها سيسهل إجهاض حركة المقاومة، وستزيد وتيرة استخدام الانقلابيين للأجهزة الأمنية من أجل تقسيم القوى المدنية المؤمنة بالتحول الديمقراطي وخلق الوقيعة بينها. ويؤكد عدم وجود تناقض جوهري داخل معسكر الثورة، والتحول المدني الديمقراطي بين الأحزاب السياسية ولجان المقاومة والمهنيين. ومن يسعى لاستبعاد الأحزاب وشيطنتها، على سبيل المثال، ويعمل لنزع مشروعية وجودها يستهدف كل الحركة المدنية في الأساس، وسيقضي على تنظيماتها واحداً تلو الآخر، عقب إشاعة الفرقة بينها، وهو تكتيك قديم للنظم الاستبدادية، كما تقول رؤية تحالف الحرية والتغيير.

ويقدم التحالف مقترحاته داخل رؤيته المستقبلية بشأن تحقيق العدالة في الجرائم التي ارتكبها النظام البائد، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ويجب التوصل لمرتكبيها وضمان العدالة وسريانها على الجميع، وعدم الإفلات من العقاب وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية فوراً، حسب ما جاء في المقترحات.

وحول العلاقة مع المؤسسة العسكرية، يقترح التحالف النأي بالمؤسسة العسكرية عن السياسة، والسعي لوجود جيش واحد، مهني وقومي، يؤدي مهامه المنصوص عليها في الدستور، ويعكس التنوع السوداني الفريد، وتمتنع القوى السياسية عن إقحامه في صراعاتها الحزبية. 

كما يقترح التحالف دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، ضمن حزمة شاملة للإصلاح الأمني والعسكري تتناول الجوانب السياسية والاجتماعية للقضية. 

وتنادي "الحرية والتغيير" بضرورة الوصول لوثيقة شاملة تحكم العلاقة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية، تتضمن رؤية متكاملة لاستراتيجية أمن قومي وسياسات للإصلاح الأمني والعسكري، وتنفيذ الترتيبات الأمنية، وتنظيم النشاط الاقتصادي للمؤسسات الأمنية، بصورة تؤكد ولاية المالية على المال العام. وتخضع هذه الأنشطة لأقصى معايير الشفافية والمؤسسية، وتحصرها فيما هو ضروري لتقوية منظومة البلاد الأمنية الوطنية.

ويوضح التحالف أن قوى الحرية والتغيير شعرت بالأسف لبعض المواقف الإقليمية والدولية المحدودة الداعمة للانقلاب، وأن الدول التي اختارت دعم الانقلاب، لا سيما من جيران السودان الأقربين، قد أضرت بمستقبل العلاقات مع السودان وشعبه، والعلاقة مع الشعب هي الباقية والأنظمة زائلة. ودعاها التحالف لمراجعة موقفها واحترام رغبة السودانيين والسودانيات في حكم مدني ديمقراطي.

مستقبل الثورة في السودان

يرى فائز السليك، المستشار الإعلامي السابق لحمدوك، أن الحراك الثوري الحالي يمتلك مجموعة من عوامل النجاح، أهمها المشاركة الكثيفة والنوعية لقطاعات الشعب فيه، من الأطفال إلى الشباب لكبار السن، كما ترسخت فيه القناعات بصورة واضحة وجلية بالاصطفاف ضد الانقلاب، بغض النظر عن الرضا أو عدم الرضا على أداء الحكم المدني في السنوات السابقة. 

ويضيف أن السلمية في التظاهرات والمواكب والمليونيات عامل حاسم، وتقود من دون شك للنجاح، خصوصاً أن تلك السلمية هي التي أبهرت العالم، وخلقت السند الدولي للثورة وللحكم المدني.

ويعدد السليك، لـ"العربي الجديد"، تحديات أخرى إذا لم يتم تجاوزها فستؤثر على الحراك الثوري، أولها مرتبط بالأحزاب السياسية في "الحرية والتغيير"، التي تحتاج لإجراء مراجعة دقيقة لتجربتها السياسية وتجربتها في الحكم، على أن تمتد تلك المراجعة للمواقف الصفرية التي تتخندق فيها الآن، لكي تبرز من جديد لقيادة الشارع والاستفادة من كل أخطاء الماضي. 

لا يرى تحالف الحرية والتغيير في اتفاق حمدوك والبرهان إلا كونه عقد إذعان للانقلابيين
 

ويشير إلى تحدٍ آخر يتصل ببناء جيش قومي واحد، وإنهاء حالة تعدد الجيوش الحالية. كما ينبه إلى تحدٍ أخير يعود للعقليات الانقلابية التي يقول إن عليها الاقتناع بأن الشعب السوداني لن يقبل أن يحكمه انقلاب عسكري، ولن يرضى الردة لحكم النظام البائد.

من جهته، يقول أسامة سعيد، رئيس حزب مؤتمر البجا، الموقّع على اتفاق السلام في جوبا بين الحكومة و"الجبهة الثورية"، إن أبرز تحد يواجه الثورة السودانية في عامها الرابع، هو إنهاء تقاطعات العسكر والمدنيين، بعد أن أسهمت تلك التقاطعات في الوضع الذي وصلت إليه البلاد الآن. 

ويشير إلى أن مبادرة حمدوك، قبل أشهر، خاطبت الأزمة الحقيقية، مشدداً على ضرورة وجود حوار حقيقي بين كل المكونات، يواجه القضايا الكبرى ويجري عمليات نقد ذاتي حقيقي بدون مجاملات.

ويضاف سعيد، لـ"العربي الجديد"، أن التحدي الأكبر المسكوت عنه، هو الانتخابات والتأسيس لها، لأنها تبين الأوزان الحقيقية للأحزاب السياسية. ويشير إلى أن من أخطاء العامين الماضيين أنه لم يكن هناك تركيز واهتمام رسمي، ولا على مستوى القوى السياسية، بأجندة الانتخابات المحدد لها في 2013، ولم يتم حتى الآن تعيين مفوضية الانتخابات، والشروع في التعداد السكاني كمقدمات ضرورية لإجرائها.

ويؤكد أن المجتمع الدولي يراقب إن كان السودانيون جادين أم لا في مسألة الانتخابات. ويشير إلى أن هناك تحدياً آخر مرتبط بتشكيل المجلس التشريعي، الذي فشلت القوى السياسية في تشكيله طوال السنوات الماضية، على الرغم من أهميته المطلقة في التشريع والرقابة على الحكومة.

وعن تحدي السلام، يرى سعيد أن ما حدث بعد الثورة في هذا الجانب هو التوقيع على اتفاق سلام جوبا، لكن تطبيقه على أرض الواقع يمضي ببطء شديد، خاصة ما يلي تنفيذ الترتيبات الأمنية، ولم تف الحكومة بتعهداتها المالية لعمليات الدمج والتسريح.

وفي جرد حساب لما أنجزته الثورة السودانية، وما يمكن أن تحققه لاحقاً، يقول المحلل السياسي علاء الدين بشير، إن أكبر إنجاز ملموس للثورة حتى الآن هو القدر المحقق من الحرية والوعي النسبي وسط السودانيين، وكسر كثير من التابوهات في الدين والجيش والسياسة والأمن والدعم السريع، التي كادت تكون محرمة في فترة النظام البائد.

ويشير إلى وجود أخطاء وقعت في الثلاث سنوات الماضية، أبرزها عدم استثمار القدر المتاح من الحريات، من قبل الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدني، في الالتحام بالشعب، ورفع الوعي بصورة تُمكن القوى المدنية من تحقيق أهداف ثورة ديسمبر. ويبين أن الانقلاب العسكري الأخير هو واحد من نتائج ذلك التقصير، الذي قاد أيضاً إلى تدخلات دولية وإقليمية عبثت بمسار الانتقال الديمقراطي.

ويضيف بشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الواقع السياسي الراهن لن يوقف حركة الاحتجاجات الشعبية، لأنه بمثابة وقود ينير الدرب للثورة للمضي إلى الأمام. لكنه يستدرك بأن "حراك الشارع وحده لا يكفي، لأننا نحتاج لعمل سياسي يترافق مع الحراك الثوري، ويستثمره في قوة ضغط سياسي على المكون العسكري والأحزاب المتخاذلة، من أجل تحقيق التغيير الجذري، لأن السودانيين وصلوا إلى مرحلة لا مهرب منها سوى التغيير الجذري". 
ويحذر من أي توافق سياسي بين العسكر والمدنيين من جديد، لأنه نهج جُرب من قبل وقاد لانقلاب عسكري، وأن محاولة تسوية قائمة على تنازلات عن الأهداف الرئيسية للثورة لن تنجح ولن تطفئ ثورة الشعب.