3 أسابيع من الدبلوماسية الأميركية حدّدت شكل الهجوم الإسرائيلي ضد إيران

28 أكتوبر 2024
لوحة إعلانية بطهران تجمع بزشكيان وبايدن ونتنياهو وباقري، 27 أكتوبر (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت إسرائيل لهجوم صاروخي إيراني في الأول من أكتوبر، مما دفع الولايات المتحدة للتدخل لتهدئة الوضع ومنع التصعيد قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع التركيز على الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية.
- عززت إدارة بايدن الدفاعات الجوية الإسرائيلية بنشر منظومة "ثاد"، وفرضت عقوبات على قطاعي النفط والبتروكيماويات الإيرانيين، مشجعة حلفاءها الأوروبيين على اتخاذ خطوات مماثلة لدعم إسرائيل دون تصعيد عسكري شامل.
- سعت الولايات المتحدة لتحقيق أهداف دبلوماسية طويلة الأمد، مؤكدة على استهداف إسرائيل للأهداف العسكرية فقط، مما ساهم في استقرار الوضع رغم الانتقادات الداخلية لاستراتيجية بايدن.

أوستن أجرى نحو 12 مكالمة هاتفية مع غالانت منذ الهجوم الإيراني

إدارة بايدن عزّزت الدفاع الجوي الإسرائيلي وفرضت عقوبات على إيران

إذا فاز ترامب قد تبحث إسرائيل عن فرص تفكيك الدفاع الجوي الإيراني

بعد ساعات من سقوط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أرسلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة عاجلة إلى إسرائيل: تريّثي. كانت واشنطن ترى أن إسرائيل تملك الوقت ولديها الوقت لاتخاذ القرار بشأن أفضل طريقة للرد على الضربة الإيرانية، والتي قدرت الولايات المتحدة أنها كانت ستقتل الآلاف لو لم تتمكن إسرائيل، بدعم عسكري أميركي، من صد هجوم عدوتها اللدود.

وتخوّف المسؤولون من أن يؤدي مثل هذا الهجوم الإيراني الضخم إلى إثارة رد فعل إسرائيلي حاد وسريع، وهو ما قد يدفع الشرق الأوسط إلى شفا صراع إقليمي شامل قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية. تشرح هذه الرواية الصادرة عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، كيف سعت الولايات المتحدة إلى التأثير على إسرائيل خلال أكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن يرد جيشها أخيراً، يوم السبت، بضربات جوية كانت موجهة أكثر بكثير نحو أهداف عسكرية مما كانت تخشى واشنطن في البداية.

ودمّرت الضربات الإسرائيلية دفاعات جوية إيرانية رئيسية ومرافق لإنتاج الصواريخ، الأمر الذي يضعف الجيش الإيراني. ولكن الأهم من ذلك، أنهم تجنبوا المواقع النووية الحساسة والبنية الأساسية للطاقة في إيران، ما أدى إلى تلبية المطلبين الرئيسيين لبايدن. وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعني بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية الوطنية، إن "الضغوط الأميركية كانت بالغة الأهمية". وأضاف "كانت عملية صنع القرار في إسرائيل لتكون مختلفة تماماً لو لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لدفع إسرائيل إلى عدم ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة".

ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون إسرائيل قد تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأميركية، وقال إن "إسرائيل اختارت مسبقاً أهداف الهجوم وفقاً لمصالحها الوطنية وليس وفقاً للإملاءات الأميركية". ويقول المسؤولون إن الخطوة الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن كانت الاعتراف بأن إيران ستضطر إلى دفع ثمن الهجوم الذي وقع في الأول من أكتوبر. وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن "في الساعات التي أعقبت ذلك الهجوم، وعدنا بعواقب وخيمة على إيران".

وأجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نحو اثنتي عشرة مكالمة هاتفية مع وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت منذ الأول من أكتوبر، وناقش معه الرد المحتمل. وقال مسؤول أميركي معلقاً على محادثات أوستن وغالانت: "كنا نعلم أنهم يستعدون للقيام بشيء ما، وكان (أوستن) يحث على أن يكون متناسباً". وأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مثل غيره من كبار المسؤولين في الإدارة، اتصالات هاتفية مع حلفاء أوروبيين وعرب في الأيام التي أعقبت الهجوم الإيراني، موضحاً أن إسرائيل ستضطر إلى الردّ، لكنه أكّد لهم أن واشنطن تعمل على ضبط ذلك.

ولكن ما هو الردّ المتناسب الذي يمكن أن يردع إيران عن شن هجوم آخر؟ رغم أن الضربة الإيرانية لم تسفر إلا عن مقتل شخص واحد، وهو فلسطيني توفي بسبب سقوط حطام، فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو الأميركية لم تتمكن من اعتراض العديد من الصواريخ الإيرانية. وأوضح جيفري لويس، الخبير في مجال الحد من الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، أن تحليل صور الأقمار الصناعية أظهر وقوع ما لا يقل عن 30 اصطداماً بقاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية وحدها، وشرح أن هذا قد يشير إلى أنّ إسرائيل إما تحاول الحفاظ على دفاعاتها الجوية الآخذة في التراجع، أو أنّها تعتقد ببساطة أنّ كلفة إصلاح المنشأة المحصنة ستكون أقل من كلفة صدّ كل قذيفة تطلقها إيران.

وأضاف: "ربما قررت إسرائيل أن المخزونات بدأت في النفاد أو أنّ الصواريخ الاعتراضية أصبحت باهظة الكلفة للغاية، بحيث لا يمكن استخدامها ضد الصواريخ الباليستية".

الدفاعات الجوية

لفت مسؤول أميركي إلى أن الإدارة الأميركية، عندما بدأت في التحدث مع الإسرائيليين، كانت المواقع النووية والمواقع النفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة، رغم تأكيده أن إسرائيل لم تقرر بشكل قاطع المضي قدماً في ضرب هذه الأهداف. لكن المسؤولين الأميركيين عملوا على تقديم خيار بديل يتضمن مجموعة من التدابير المختلفة: عملت واشنطن على فرض عقوبات نفطية تستهدف ما يُعرف باسم "الأسطول الشبح" الإيراني، وذلك لتقديم بديل للإسرائيليين الذين أرادوا إلحاق الضرر بعائدات النفط الإيرانية بضربة حركية.

وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن الذي لم تكشف "رويترز" عن اسمه، إن الولايات المتحدة عملت على تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل هجومها على إيران يوم السبت. وشمل ذلك نشراً أميركياً نادراً لمنظومة الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية (ثاد)، في إسرائيل، إلى جانب حوالي 100 جندي أميركي لتشغيلها. وقبل نشر المنظومة، أرادت الولايات المتحدة معرفة خطط الهجوم الإسرائيلية. وأشار مسؤولون إلى أن بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو في التاسع من أكتوبر، ما أعطى الولايات المتحدة فكرة حول كيفية الردّ الإسرائيلي، الأمر الذي سمح بالمضي في نشر منظومة ثاد.

وبينما حذّرت إيران من إمكانية استهداف أنصار إسرائيل رداً على أي ضربة إسرائيلية، أكدت دول الخليج حيادها. وكانت السعودية قلقة من ضربة إيرانية على منشآتها النفطية منذ الهجوم على مصفاتها الرئيسية في بقيق عام 2019، والذي أدى إلى توقف أكثر من خمسة بالمائة من إمدادات النفط العالمية لفترة وجيزة. ونفت إيران تورطها، وقتها.

وتلبية لرغبة إسرائيل في معاقبة قطاع النفط الإيراني، فرضت إدارة بايدن عقوبات على إيران. وشمل ذلك توسيع العقوبات الأميركية على قطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران في الحادي عشر من أكتوبر. وكان تشجيع الحلفاء الأوروبيين على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير)، وفي الوقت نفسه نشر منظومة ثاد باعتبارها رادعاً والإظهار للعالم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، من العناصر الرئيسية الأخرى في هذه "الحزمة" من التدابير البديلة.

وقال مسؤولون إن هذا الخيار، كما ذكرت الإدارة، من شأنه أن يظل رادعاً قوياً وفعالاً في جعل إيران تدفع ثمن هجومها دون إغراق المنطقة في حرب أوسع نطاقاً، تعتقد واشنطن أن إسرائيل لا تريدها.

النووي محظور

وفي ما اعتبره العديد من الخبراء رسالة إلى إيران، نفذ الجيش الأميركي أيضاً ضربة ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، باستخدام قاذفات الشبح بعيدة المدى من طراز بي-2. وقال أوستن في ذلك الوقت إن الضربة كانت تُعد دليلاً فريداً على قدرة وزارة الدفاع الأميركية على ضرب منشآت يصعب الوصول إليها، "بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض، أو مدى تحصينها".

وبينما تدور التكهنات حول ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب المواقع النووية الإيرانية، كانت رسالة واشنطن إلى إسرائيل هي أنها تستطيع الاعتماد على مساعدتها إذا ما اختارت طهران ذات يوم صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لا تعتقد دوائر المخابرات الأميركية أن طهران قد فعلته حتى الآن. ولم يكن الوقت مناسباً الآن.

وقال بانيكوف "كان المضمون هو أنه إذا كانوا يريدون على المدى الطويل مساعدة الولايات المتحدة لتدمير مثل هذه الأهداف، إذا تم اتخاذ قرار للقيام بذلك، فسوف يتعين عليهم أن يكونوا أكثر تحفظاً هذه المرة". ويرى بلينكن أن الهجوم الإسرائيلي المضاد المدروس ضد إيران قد يفتح الفرصة لتحقيق أهداف دبلوماسية بعيدة المنال منذ فترة طويلة، في منطقة تعاني بالفعل من حرب مستمرة منذ عام في غزة، وحرب متصاعدة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وهو حليف آخر لإيران.

وخلال جولة في المنطقة الأسبوع الماضي، قال بلينكن لوزراء الخارجية العرب إن المناقشات الأميركية مع إسرائيل وصلت إلى مرحلة حيث لن تضرب إسرائيل سوى أهداف عسكرية. وقال بلينكن في رسالة يأمل بأن تصل إلى طهران، إن إيران في المقابل ينبغي ألا تفعل أي شيء آخر. وأمس الأحد، ومع استقرار الوضع بعد الهجوم، لم يشر أي من الجانبين إلى مزيد من التصعيد. وقال نتنياهو إن الهجمات الجوية الإسرائيلية "ضربت بقوة" دفاعات إيران وإنتاجها الصاروخي. وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إنه لا ينبغي تضخيم الأضرار الناجمة عن هجوم يوم السبت.

وفي حين أنه من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخفضان مستوى التصعيد، يقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن عملت بجد لخلق فرصة لوقف التبادل غير المسبوق للهجمات المباشرة والمضادة الذي بدأت في إبريل/ نيسان. وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن "إذا اختارت إيران الرد مرة أخرى، فسنكون مستعدين، وستكون هناك عواقب لإيران مرة أخرى. ومع ذلك، لا نريد أن نرى ذلك يحدث".

وتواجه استراتيجية بايدن في محاولة كبح جماح إسرائيل منتقدين، بما في ذلك الجمهوريون المعارضون في الولايات المتحدة، مثل مايك تيرنر، عضو الكونغرس الجمهوري الذي يرأس لجنة المخابرات في مجلس النواب. وقال تيرنر لشبكة فوكس نيوز: "إنهم (الإدارة الأميركية) حدوا من قدرة إسرائيل على التأثير فعلياً على إيران وقدرتها على مواصلة تهديد إسرائيل".

بدوره، رأى الباحث الكبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي آرون ديفيد ميلر أن نتيجة الضربات المتبادلة هي، على نحو متناقض، توسع في القدرة على تحمل المخاطر في إسرائيل، والتي قد تتسع أكثر إذا فاز المرشح الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، وقال "إذا فاز ترامب في هذه الانتخابات، فأعتقد أن الإسرائيليين ربما يبحثون عن فرص في الأشهر المقبلة الآن بعدما أثبتوا أنهم قادرون على الإفلات من العقاب، بتفكيك أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وإحداث قدر كبير من الضرر".

(رويترز، العربي الجديد)