- إحسان الشمري يرى أن إصلاح العملية السياسية صعب في ظل الطبقة الحالية، معزيًا تراجع ثقة الشعب بالنظام إلى المحاصصة الطائفية والإقصاء، مما أضر بالديمقراطية وفكرة دولة المؤسسات.
- حيدر اللامي يرفض المقارنة بين الوضع الحالي وما قبل 2003، معترفًا بوجود أخطاء ناتجة عن التدخلات الخارجية وضعف بعض الشخصيات، لكنه يؤكد على إمكانية تحسين الوضع عبر تعزيز المسار الديمقراطي والشراكة في الحكم.
توافق ذكرى الغزو الأميركي للعراق هذا العام وذكرى سقوط بغداد، في 9 إبريل/نيسان الحالي، مع تصاعد الدعوات السياسية والشعبية في البلاد، إلى ما يصفونه "إصلاح العملية السياسية"، أو إبرام "عقد سياسي جديد"، بعد أكثر من عقدين على احتلال العراق وتأسيس العملية السياسية برعاية أميركية مباشرة، اعتُمدت خلالها المحاصصة الطائفية في "مجلس الحكم" الانتقالي الذي راعى النسب الطائفية والمكوناتية في البلاد.
وفي شهر مارس/آذار الماضي، أكد رئيس البرلمان العراقي السابق، سليم الجبوري، خلال لقاء أجراه مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، الحاجة إلى ما وصفه بـ"عقد جديد تتفق عليه القوى السياسية مجدداً". من جهته، قال الرئيس العراقي السابق برهم صالح، في رسالة سابقة له نشرتها وسائل إعلام عراقية، إنه يجد "من الضروري الانطلاق نحو عقد سياسي واجتماعي جديد ضامن للسلم الأهلي، ترسيخاً للحكم الرشيد، يقوم على مراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضي".
لكن رئيس مركز الفكر السياسي، إحسان الشمري، يصف فكرة إصلاح العملية السياسية العراقية في ظل وجود الطبقة السياسية ذاتها على رأس السلطة، بأنها "مستحيلة".
ويعتبر الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الطبقة السياسية بعد عام 2003 كانت السبب في تراجع ثقة الشعب بالنظام السياسي ومؤسسات الدولة، لأنها اعتمدت على المحاصصة الطائفية في الحكم وعلى الثأر والإقصاء واختيار غير الكفوء لإدارة الدولة". ويضيف أن "مسألة احتكار الدولة من قبل الأحزاب عطّلت فكرة دولة المؤسسات، كما أن الديمقراطية تراجعت بشكل كبير عما كان مفترضا لها أن تكون، حيث عملت الطبقة السياسية بشكل ممنهج على إنهائها وحصرها في صندوق انتخابي مُتحكم به".
إحسان الشمري: احتكار الدولة من قبل الأحزاب عطّل فكرة دولة المؤسسات
ويوضح رئيس مركز الفكر السياسي، أن "محاولات الإصلاح تكررت، وأبرزها كانت خلال ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019، وما صدر عن رئيس الجمهورية السابق برهم صالح من خلال الدعوة إلى عقد سياسي واجتماعي جديد، مثّل أول شهادة رسمية على أن النظام الحالي لم يعد قادراً على إيجاد الحلول وكان مؤشراً على أن العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود".
في ذكرى احتلال العراق... "عراق ما بعد 2003 أفضل"
في المقابل، يرفض العضو البارز في ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، حيدر اللامي، المقارنة بين العملية السياسية الحالية وما قبل عام 2003، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من الأخطاء الحالية إلا أنها لا تقارن بالقرارات المتهورة التي اتخذها النظام السابق وأقحم بها العراق وأوصله إلى العزلة الدولية والحصار والفقر".
ويشير اللامي إلى أن "المرحلة الحالية فيها الكثير من الأخطاء نتيجة التدخلات الخارجية الإقليمية والأميركية، فضلاً عن تصدر بعض الشخصيات التي لا تستطيع إدارة نفسها حتى، للمشهد السياسي في البلاد"، لكنه يشدّد على إمكانية تجاوز هذه المشاكل وحلّها "عبر تعزيز المسار الديمقراطي والفكر الصحيح والشراكة في إدارة الدولة". كما يعتبر أنه لا يوجد طريق مسدود في مسار العملية السياسية، فجميع المشاكل التي تواجه النظام يمكن تجاوزها بمرور الوقت وفي ظل إرادة الشعب القادر على تعديل المسارات الخاطئة، بحسب قوله.
الإصلاح عقيم ومستبعد حالياً
الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري، عصام حسين، يستبعد حدوث أي إصلاحات في النظام السياسي بالعراق على المدى القريب، وعلى الأقل خلال الدورتين البرلمانيتين الحالية والمقبلة.
ويقول حسين لـ"العربي الجديد"، إن "إصلاح النظام يكون عبر طريقين، الأول عبر السياسيين الحاليين الموجودين في السلطة ويبدأ من الإصلاح الاقتصادي، ولكن لا توجد أي نية للسياسيين لتغيير طريقة إدارتهم للدولة، والطريق الثاني هو تغيير النظام عبر إزاحة القوى الحاكمة من خلال الانتخابات، لكن هذا الخيار سيؤدي إلى الصدام المسلح مع مليشيات الأحزاب الحاكمة كما حصل عام 2021 حيث وصل الصراع إلى حد القتال المسلح".
ويلفت الناشط السياسي إلى أن النظام الحالي يتسم بغياب الديمقراطية الحقيقية، حيث إن تفسيرات المحكمة الاتحادية خلقت ديمقراطية "انعدام الغالب" التي يتساوى فيها من يمتلك مقعداً في البرلمان مع من يمتلك 70 مقعداً، ما دامت الأمور ستحسم عبر التوافقات والتنازلات. ويجزم في هذا السياق، أن أي محاولات لإحداث إصلاح في العملية السياسية، "عقيمة في ظل الطموح الحزبي للوصول إلى السلطة والسيطرة على موارد الدولة".
فيان صبري: الدستور ضمن لإقليم كردستان حقوقه الدستورية، ولكن العقلية المركزية لا زالت هي المتسيدة
فيان صبري، رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، بزعامة مسعود البارزاني، ترى في ذكرى سقوط بغداد قبل 21 عاماً، أن مشكلة العملية السياسية الحالية في العراق تكمن في عدم التزام الأطراف الفاعلة في بغداد بالدستور والشراكة.
وتقول صبري في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العملية السياسية تمر الآن في مأزق عدم الثقة بين الفاعلين الأساسيين وخصوصاً أن النظام بعد عام 2005 يعتمد على الدستور الذي يعطي المكونات حقوقها، ولكن عدم تطبيق جوهر الدستور والتنصل عن تطبيقه أصبح السمة الحالية للنظام السياسي". وتضيف صبري أن "مبادئ الديمقراطية والشراكة والتوازن والتوافق بين المكونات التي هي الأساس لاستقرار النظام السياسي لم تعتمد"، وتبيّن أن الدستور ضمن لإقليم كردستان حقوقه الدستورية، ولكن العقلية المركزية لا زالت هي المتسيدة على الفاعلين السياسيين في بغداد وبشتى الحجج، وفق اعتبارها.
أما بالنسبة لإصلاح العملية السياسية، فيبدأ ذلك برأيها عبر الالتزامات بالأطر الدستورية والوفاء بالالتزامات السياسية التي بموجبها تشكلت الحكومة الحالية، منوهة إلى أن الأكراد في العراق لا يجدون نية حقيقية من قوى الإطار التنسيقي (تحالف القوى الشيعية الحاكمة) لتنفيذ بنود التوافقات السياسية، وبسبب ذلك ما زال الشعب الكردي يحارب في رواتب موظفيه وفي كينونته الدستورية عبر القرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية كالتوطين والتدخل في انتخابات إقليم كردستان، وفق شرحها.
لا بديل حالياً للعملية السياسية
من جهته، يعتقد محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، أن العملية السياسية الحالية باقية في العراق مع احتمال تغيير اللاعبين السياسيين نتيجة تغييرات في خريطة النفوذ الإقليمي والدولي. ويستبعد النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، انهيار العملية السياسية كما يتوقع الكثيرون، لأن انهيارها لن يكون قبل ظهور البديل المناسب الذي يستطيع التغيير والسيطرة بعد التغيير، ولا يوجد في الوقت الحالي أي بديل ناضج، بحسب قوله. ويتوقع النجيفي كذلك أن يشهد العراق مستقبلاً "صراعات داخلية داخل المنظومة الحاكمة بين قوى تؤمن بالدولة ويمثلها بعض الأحزاب والشخصيات السياسية مع قوى الثورة الإسلامية التي يمثلها عدد من الفصائل المسلحة، وهذا الصراع يهدف للسيطرة على الدولة وتحديد مسارها".
حيدر اللامي: المرحلة الحالية فيها الكثير من الأخطاء نتيجة التدخلات الخارجية الإقليمية والأميركية
ويضيف الدراجي، أن "إصلاح الوضع السياسي في العراق يتطلب خطوات عدة، من بينها ذهاب القوى السياسية إلى خيار حكومة الأغلبية لإدارة السلطة التنفيذية، والمعارضة البرلمانية لإدارة البرلمان وممارسة دوره الحقيقي، وتشكيل جناحين للعملية السياسية: الأول يمثل الأغلبية ويتكون من ثلة من الشيعة والسنة والأكراد والأقليات ويذهب إلى تشكيل الحكومة، والثاني يشكل المعارضة البرلمانية بإدارة رئاسة البرلمان ورئاسة لجانه لممارسة الدور الحقيقي في الرقابة والتشريع. ويشدّد الدراجي على حاجة العراق إلى رئيس وزراء يصحّح تجربة إدارة الحكم ويسعى إلى تصحيح مسار العملية السياسية والديمقراطية بهدف خلق نموذج جديد في إدارة الحكومة، "لأن تجربتنا في هذا المنصب أثبتت استغلاله للتسلط ونيل المكتسبات الشخصية والحزبية، وليس لإدارة الحكومة وإثبات الأهلية في الحكم"، وفق رأيه.
احتكار السلطة
مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، يصف بمناسبة ذكرى سقوط بغداد، الحياة السياسية في العراق بعد عام 2003، بالشمولية المذهبية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه "بدلاً من بناء نظام ديمقراطي، ظهر احتكار السلطة من قبل الأحزاب الدعوية، وتجاهل النظام السياسي مفهوم حيادية مؤسسات الدولة في الأنظمة الديمقراطية، حيث تكون مؤسسات الدولة محايدة بين جميع الطبقات والأديان والمذاهب والقوميات".
ويرى فيصل أن "الصراع الراهن على السلطة يشكل استمراراً لأزمة النظام السياسي، وعدم قدرته على ضمان العدالة في توزيع الثروة والموارد، وفشله في ضمان حقوق الإنسان والديمقراطية، وعجزه عن تحقيق التداول السلمي للسلطة، واعتماده على أيديولوجية إقصائية طائفية تمثلت في هيمنة الأحزاب الشيعية على السلطات، ما عمّق الأزمات بين ثقافة الأحزاب الثيوقراطية (الدينية) والأحزاب المدنية لبناء دولة المؤسسات والدستور، وعكس خللاً بنيوياً خطيراً، أسّس للفوضى السياسية، وعسكرة المجتمع، واستمرار ظاهرة الحروب والعنف".
وأخيراً، يرى الدبلوماسي العراقي السابق محمود المسافر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العملية السياسية بعد 2003 قامت على 3 ركائز، وهي الدستور، ونظام المحاصصة الذي تأطر بعضه بأطر قانونية والجزء الأكبر منه أصبح عرفاً سياسياً في تقاسم المناصب كما في لبنان، والثالثة تتمثل بأشخاص العملية السياسية الذين تولوا إدارة البلاد. ويعتبر أن "أي تغيير في العملية السياسية مرهون بتغيير القواعد الثلاث التي تأسست عليها (الدستور ونظام المحاصصة والطبقة الحاكمة)".