2021... عام نكسة الإسلاميين في المغرب

27 ديسمبر 2021
يرتبط مستقبل حزب "العدالة والتنمية" بمستقبل الإسلام السياسي ككل (فاضل سينا​​/فرانس برس)
+ الخط -

كانت سنة 2021، بامتياز، سنة نكسة حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي السابق في المغرب. ففيها خسر الحزب الإسلامي الذي وصل إلى السلطة في عام 2011 بفضل "حركة 20 فبراير" النسخة المغربية من احتجاجات الربيع العربي، غالبية مقاعده البرلمانية، وفيها أيضا تم إقفال قوس الإسلاميين في بلد شكل آخر القلاع التي صمد فيها تيار الإسلام السياسي، في وجه قوى الثورة المضادة التي أعقبت الربيع العربي.
وشكلت نتائج الانتخابات التشريعية، في الثامن من سبتمبر/ أيلول من السنة الحالية، يوما حاسما في تاريخ الحزب الإسلامي. ففيه بدا أن الحزب، الذي سيطر في أوج قوته على رئاسة الحكومة لولايتين متتاليتين (2011 و2016)، في سابقة في تاريخ المشهد الحزبي المغربي، قد انتهى كليا أو أنه يوشك على ذلك، بعد أن فقد ما بين تشريعيات 2016 و2021 ما قدره 112 مقعداً نيابياً من أصل 395 مقعدا، يتكون منها مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) بحصوله على 13 مقعدا.
وبدا حجم الهزيمة المدوية أكثر إيلاماً لـ"إخوان" سعد الدين العثماني، بعدما وجدوا أنفسهم عاجزين عن تشكيل كتلة نيابية (يشترط القانون الداخلي التوفر على 20  مقعداً لتشكيلها) في مجلس النواب المغربي، ليضطروا للعمل النيابي من خلال مجموعة نيابية لا تمتلك الوسائل ولا الصوت للتأثير في المؤسسة التشريعية.

يدفع "حزب العدالة والتنمية" فاتورة تدبيره للشأن العام لنحو عشر سنوات بتصويت عقابي جراء قرارات اتخذت في عهدي رئيسي الحكومة عبد الإله بنكيران، وسعد الدين العثماني مست شرائح عدة متعاطفة مع الحزب وأثرت في دخولها ووضعياتها الاجتماعية

وعاش الحزب الإسلامي منذ الثامن من سبتمبر/أيلول، على صفيح ساخن، في ظل تسارع تداعيات التراجع الكبير في عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان، وتباين مواقف مكوناته بخصوص قراءة ما وقع من نكسة انتخابية، وتقديم الجواب عنها وطرح الخيارات الممكنة لاستعادة بريقه الانتخابي أو على الأقل إنقاذه من خطر الاندثار.
وبينما أحدثت الهزيمة المدوية شرخا عميقا في البيت الداخلي لم يغب تأثيره على الحياة السياسية، بدا لافتا أن الحزب الذي اكتسب شعبية خلال السنوات الماضية، ساهمت إلى حد كبير في تبوئه صدارة المشهد الحزبي في المملكة، يدفع فاتورة تدبيره للشأن العام لنحو عشر سنوات بتصويت عقابي جراء قرارات اتخذت في عهدي رئيسي الحكومة، عبد الإله بنكيران، وسعد الدين العثماني، مسّت شرائح عدة متعاطفة مع الحزب، وأثرت في دخولها ووضعياتها الاجتماعية، لا سيما الطبقتين الوسطى والفقيرة، من قبيل إصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد.
وفي وقت لم تفلح فيه مساعي تطويق ارتدادات توقيع الأمين العام السابق لـ"العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، على الإعلان الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، على شعبية الحزب وبيته الداخلي وتجنيبه انعكاسات أزمة كبيرة، واجتمعت على الحزب الإسلامي، منذ الانتخابات التشريعية في 2016، تحديات تنظيمية وسياسية داخلية، جراء ما عاشه من هزات، كان لها نصيب كبير في ما لحقه من هزيمة، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع حصولها.

 

المؤتمر الاستثنائي: أوراق بحاجة إلى إعادة ترتيب

وفي سعيه لتجاوز الأزمة التي أحدثتها النكسة الانتخابية، سيجد "العدالة والتنمية"، نفسه بمناسبة انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مفترق طرق مفصلي جعل مشروعه السياسي ككل محل تساؤل، وذلك بالتزامن مع مخاوف من تصدع داخلي في ظل تباين المواقف في صفوفه الذي ساد آنذاك بخصوص من يتحمل مسؤولية ما حصل من هزيمة انتخابية قاسية.
وفيما انتهى المجلس الوطني للحزب إلى إقرار تأجيل مؤتمره الوطني العادي لمدة سنة، بعدما كان مقررا عقده نهاية العام الجاري، بدا لافتا حجم الخلافات داخل الحزب الإسلامي، بعد أن تصاعد التوتر بين تيار الأمين العام المستقيل سعد الدين العثماني والأمانة العامة من جهة، وتيار الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران من جهة ثانية. وهو التوتر الذي دفع بنكيران إلى الإعلان، ثلاثة أيام قبل انعقاد المؤتمر الاستثنائي في 30  أكتوبر/ تشرين الأول من العام الحالي، أنه غير معني بالترشح لمنصب الأمين العام، في ظل بقاء شرط تنظيم المؤتمر الوطني العادي التاسع بعد عام قائماً، باعتبار أن ذلك يشكل تكبيلاً للقيادة التي سينتخبها المؤتمر الاستثنائي للحزب من قبل قيادة مستقيلة. 
في المقابل، تمسكت الأمانة العامة، بقيادة العثماني بمقترح تأجيل المؤتمر العادي لمدة سنة فقط، بدعوى عدم إطالة المرحلة الاستثنائية، مؤكدة أن ذلك ليس من الديمقراطية في شيء، وأن الأصل هو العودة إلى المرحلة العادية في أسرع وقت، وأن الهيئات غير مستعدة لإطالة هذه الفترة.
في هذه الأجواء المشحونة سيعقد "العدالة والتنمية" في 30 أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بمدينة بوزنيقة (جنوب العاصمة المغربية الرباط)، ممؤتمره الاستثنائي لانتخاب قيادة جديدة تشرف على إدارة المرحلة المقبلة، وعبور "المرحلة الصعبة" في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظا على مستقبله.

بنكيران: عودة في ظل أسباب موضوعية للتراجع 

وبالرغم من الخلافات الداخلية والانتقادات الحادة لقيادته المستقيلة بشأن طريقة تحضيرها وإدارتها للمؤتمر، إلا أن الإسلاميين نجحوا، على الأقل، في نهايته في تفادي السيناريو الأسوأ المتمثل في التصدع، وذلك بالتوازي مع عودة لافتة لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، أمينا عاما جديدا. وهي العودة التي رأى قطاع واسع من أعضاء "العدالة والتنمية"، أنها قد تكون عاملا مهماً في إنقاذ الحزب ووقف خطر الانهيار الشامل وإعادة البناء، لاعتقادهم أنه الوحيد القادر على إعادة تجميع الحزب وهيئاته، وتجاوز الأزمة الداخلية التي يعيشها منذ هزيمته المدوية في الانتخابات العامة.
ومهما اختلفت تأويلات أسباب عودة بنكيران بعد 4 سنوات من الابتعاد عن قيادة "العدالة والتنمية"، يبقى مستقبل الحزب، وفق أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول في سطات (وسط المغرب)، عبد الحفيظ اليونسي، مرتبطا بثلاثة أبعاد: تنظيمية وبشرية إضافة إلى بعد مرتبط بمستقبل الإسلام السياسي ككل.

وحسب اليونسي، فإن الحزب سيعرف على المستوى التنظيمي تراجعا لاعتبارات موضوعية منها موقعه الحالي على هامش التأثير في القرار العمومي، وضعف قدرته المالية الكفيلة بتغطية أنشطته كما ونوعا. كما أن أسئلة عدة تطرح حول نوعية العنصر البشري داخله، وهل سيقتصر فقط على مصادر تقليدية، أي أبناء الحركة الإسلامية، أم أن الحزب سينفتح أمام شرائح جديدة؟
ويلفت أستاذ القانون الدستوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك جيلا من قيادات الحزب مركزيا ومجاليا، ربما لن ينخرطوا في الدينامية الجديدة للحزب لاعتبارات مرتبطة بالتقدم في السن أو لاختلاف وجهة النظر مع الأمين العام الحالي.
ويعتقد المتحدث ذاته، أن ما يسمى بـ"الإسلام السياسي الانتخابي" وصل مداه تصوريا مع فرصة التدبير التي أتيحت له مباشرة بعد الربيع العربي، وظهر أن هناك هامشا ضئيلا للتأثير في حياة الناس ومعيشهم، وأن الدولة الحديثة والمحيط الإقليمي والدولي يرفض وجوده في التدبير، مشيرا إلى أن هناك أسئلة عميقة تطرح الآن حول سبب وجود هذه الحركات الإسلامية أصلا، ومضمون تصوراتها وخطابها بعد عشر سنوات من الثورات العربية، وكذا حول منطق اشتغالها في العلاقة مع الدولة والمجتمع ومآل نضالاتها. 
وبالمحصلة، يرى اليونسي أن دورة كاملة بالنسبة لحزب "العدالة والتنمية" قد أغلقت، وأن هناك تململا نحو نموذج عمل جديد.

المساهمون