ومن مؤشرات تكثيف موسكو اتصالاتها مع اللاعبين الإقليميين المؤثرين في الملف الليبي، إجراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، اتصالا هاتفيا مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أطلعه على نتائج محادثاته مع حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، في القاهرة السبت الماضي.
وأكد بوتين، خلال الاتصال، على تقييمه الإيجابي للجهود الدبلوماسية المصرية، و"العزم المتبادل على مواصلة التنسيق بهدف ضمان وقف أعمال القتال في أسرع وقت، وإطلاق المحادثات الليبية- الليبية برعاية أممية".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فأجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، أعرب الوزيران خلاله عن "العزم المتبادل على الإسهام في خلق الظروف للمصالحة بين الأطراف المتناحرة في ليبيا من أجل تحقيق التسوية السياسية- الدبلوماسية تحت رعاية الأمم المتحدة"، مؤكدين على ضرورة تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا خلفا للمستقيل غسان سلامة.
وفي هذا الإطار، يرجع الأستاذ في قسم العلوم السياسية بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، غريغوري لوكيانوف، تكثيف الاتصالات بين موسكو وحكومة الوفاق والأطراف الإقليمية إلى خسائر حفتر وتغيّر الوضع على الأرض يوما بعد يوم، مرجحا، في الوقت نفسه، ألا يلقي نشاط الشركات العسكرية الخاصة الروسية بظلاله على وساطة موسكو في المفاوضات بين حكومة الوفاق وحفتر.
وقال لوكيانوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "أدت الخسائر العسكرية التي يتكبدها حفتر على جبهة طرابلس وتراجعه الاضطراري شرقا، إلى تطور سريع للوضع حول التسوية الليبية. وأدى إغلاق العالم جراء جائحة "كوفيد-19" إلى شلل عمل البعثة الأممية لدعم ليبيا بعد استقالة غسان سلامة، والجدل الدائر حول المرشحين لخلافته، كما لم يتم تفعيل إطار المفاوضات المنبثق عن مؤتمر برلين الذي انعقد في يناير/ كانون الثاني الماضي. أضف إلى ذلك أن لا قوة إقليمية أو دولية قادرة وراغبة في تحمل المسؤولية عن إدارة المفاوضات بمفردها".
وحول تأثير الوضعين الليبي والدولي على آفاق التسوية، أضاف: "الوضع على الأرض تغير، مما دفع حفتر للتوجه إلى القاهرة والسراج إلى تركيا، وهذا دليل على أن الطرفين باتا مستعدين للعودة إلى العملية التفاوضية في الظروف الراهنة، أو بأدنى تقدير حفتر هو المستعد للمفاوضات بمبادرة من شركائه المصريين، بعد أن كان يرفضها وقت تمتعه بتفوق عسكري".
أما دوافع حفتر لقبوله المفاوضات، فيلخصها في "سعيه لكسب وقت وتعزيز قواته عن طريق وقف تقدم قوات حكومة الوفاق بواسطة المفاوضات السياسية"، مشيرا من جانب آخر إلى عمل حكومة الوفاق على "إنهاء ما بدأته ومواصلة الضغط على حفتر بهدف إقصائه من المشهدين السياسي والعسكري في ليبيا"، كونها تعتبره "حجر العثرة أمام التقدم في عملية التسوية السياسية".
وفيما يتعلق بدوافع حكومة الوفاق للتوجه إلى تكثيف الاتصالات مع موسكو، أوضح: "يدرك السراج وحكومته أن حليفتهما تركيا لن تصبح منصة ووسيطا في مفاوضات لا مفر منها مع القوى السياسية شرق ليبيا، بينما انشغلت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بمشكلاتها الداخلية وجائحة كورونا، فباتت سياساتها في المنطقة محدودة. أما التصريحات الصادرة من موسكو، فتشكل إشارة للنخب في طرابلس بأن الدولة الروسية لا تزال تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف، وتدعم إجراءات التسوية السياسية دون غيرها، مما يمكّنها من نيل ثقة غرب ليبيا وشرقها على حد سواء".
وخلص لوكيانوف إلى أن "العوامل السلبية الناجمة عن الحرب الإعلامية الدائرة حول نشاط بعض الشركات العسكرية الخاصة ذات مشاركة روسية في ليبيا، يمكن تجاوزها عن طريق إطلاق عملية تفاوضية بناءة تنتظرها الأطراف الليبية من موسكو".
وكان وفد رفيع عن حكومة الوفاق الليبية، ضم وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ونائب رئيس الحكومة أحمد معيتيق، قد عقد محادثات بمقر وزارة الخارجية الروسية في موسكو قبل نحو أسبوع مع لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف، الذي يشغل أيضا منصب مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، كشفت تسريبات إعلامية عربية عن احتمال قيام السراج بزيارة قريبة إلى موسكو لم تتأكد فيما بعد، بينما أوضح الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن بوتين لا يخطط لأي اتصالات مع السراج، دون نفي إجراءات ترتيبات للزيارة من أساسها.