هناك الكثير من التحليل والنقاش السياسي حول نتائج حرب يونيو/حزيران 1967 على الجبهة السورية، ولكن من النادر أن تقع على ما يؤرخ مجريات هذه الحرب وتفاصيلها.
لقد كُتب الكثير، ولا سيما من معارضي النظام بعد استتباب الحكم لحافظ الأسد، ومنهم من كان في قيادة الحزب والدولة أثناء حرب يونيو/حزيران 1967 على الجبهة السورية، عن بيع الجولان وبيان تسليمه الموقّع من وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، وعن دور حزب البعث وقيادة الجيش في هذه الصفقة، ولكن تفاصيل الميدان بقيت مكتومة ومبثوثة هنا وهناك.
أبرز ما نجده كتاب "سقوط الجولان" لمؤلفه خليل مصطفى، وهو ضابط سوري شغل موقع رئيس الاستطلاع العسكري في الجولان لمدة خمس سنوات وسُرّح من الجيش بعد انقلاب البعث في 8 مارس/آذار 1963، وانتهى، بعد خطفه من لبنان، مسجوناً في زنزانات حافظ الأسد إلى أن مات بسبب هذا الكتاب.
سنجد فصلا أيضاً في كتاب "مسيرة تحرير الجولان" للعميد رزق إلياس، والذي شارك في حرب 67 برتبة نقيب قائداً لكتيبة 102 استطلاع، في منطقة خان أرنبة شرق القنيطرة، كاحتياط مضاد للإنزالات الجوية المعادية. وهو يعكس وجهة نظر من بقي مع حافظ الأسد، ويتناول ما جرى سريعاً ومن دون خوض في التفاصيل.
ما سنجده أيضاً بعض شهادات موجزة كشهادة وزير الإعلام أثناء الحرب، محمد الزعبي، والمتركزة حول بيان 66، وشهادة أخرى لمروان حبش، عضو القيادة القُطرية، قبل انقلاب حافظ الأسد، في كتابه المخطوط "البعث وثورة آذار".
وأما أبرز ما كُتب في التحليل السياسي والمراجعة النقدية، فهو ما كتبه سامي الجندي؛ سواء في كتابه المهم "البعث" أو كتابه الآخر "أتحدى وأتهم".
تتأتى قيمة كتاب "سقوط الجولان" من نشره خطة العمليات الموضوعة عام 1961، وكشفه لتحصينات الجبهة وتموضع القوات العسكرية، مما يجعل سقوط مرتفعات الجولان بسبب جغرافيتها مع وجود هذه القوات والتحصينات أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ولذا يرى أن ما جرى "لم يكن حربا وإنما مؤامرة متقنة وجريمة مدبرة أعدت على سنوات".
وهذه الجريمة، برأيه، نُفذت على قسمين: قبل تسليم الجولان ومنذ بداية الانقلابات العسكرية، ولاسيما انقلاب 8 آذار 1963. والقسم الثاني في 5 حزيران 1967، وانتهى بالبيان 66 معلنا سقوط الجولان.
وفي التحضير لتسليم الجولان، يتحدث المؤلف عن إضعاف الجيش السوري وتحويله إلى "جيش مراهقين" بسلسلة انقلابات بلغت عشرة انقلابات، فضلاً عن حركات تمرد وعصيان كثيرة "تم خلالها إقصاء وتصفية الكثير من كوادر وضباط الجيش، بلغت ذروتها مع انقلاب آذار؛ حيث سُرح أكثر من ألفي ضابط ضمن سلسلة طويلة جدا من قرارات التسريح والسجن والمحاكمة والإعدام والقتل سراً، شملت أكثر من 85 بالمائة من ضباط وعناصر الجيش. ورُقي الكثير من ضباط الصف إلى ضباط، وتم تشكيل وحدات طائفية". كما تم ترفيع الكثير من الضباط البعثيين دونما تأهيل، كما حصل مع أحمد سويداني وصلاح جديد وحافظ الأسد، حين رُفّعوا من رتبة مقدم إلى لواء.
ويتابع المؤلف "كان الجيش عشية الحرب في أسوأ حال عرفها منذ إعادة تشكيله عام 1955. وكان الجنود بلا طعام، لأنه تم سحب أطعمة الطوارئ قبل الحرب بحجة تبديلها.
أما أثناء التنفيذ، فيتحدث عن عدم الالتزام بخطة العمليات، حيث "أوامر الدفاع في الجبهة لا تتيح الانسحاب بأي شكل".
يسرد المؤلف خطة العمليات التي لم يتم الالتزام بها خلال الحرب، كما لم يتم إعلان التعبئة العامة.
كانت الجبهة محصّنة بشكل ممتاز "كل شبر من أرضها مضروب بالنيران، وكل ثغرة بين موقعين دفاعيين محمية بالألغام". وكانت خطة العمليات تقضي بأن "النيران محضرة لتنفذ من قبل أنساق متتابعة من القوات، مضافا إليها نيران المدفعية من كل عيار ومن كل المستويات، ونيران الصواريخ ونيران الطيران.. والهجمات المعاكسة والملاغم".
لم تنسف هذه الملاغم نهائيا، مما كان سيعيق الهجوم الإسرائيلي، حيث الطرق والمحاور في الجبهة قليلة والأراضي شديدة الوعورة.
وكانت الجبهة محمية بالملاجئ أيضا، ومنها ملاجئ تقي نسبيا من القصف الذري المحدود والكيميائي، وقد طورت منذ عام 1958 على يد الخبراء السوفييت.
يوميات الحرب
يبدأ المؤلف القسم الثاني من كتابه بإيراد تصريح لوزير الدفاع حافظ الأسد لجريدة الثورة في 20 مايو/أيار عام 1967، قال فيه: "إن الوقت قد حان لخوض معركة فلسطين، وإن القوات السورية أصبحت جاهزة ومستعدة، ليس فقط لرد العدوان الإسرائيلي، وإنما للمبادرة لعملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني... إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخّل الأسطول الأميركي السادس".
الاثنين 5 حزيران: لم تحرك القوات السورية على الجبهة ساكنا، وقام الطيران بقصف مواقع في فلسطين المحتلة.
الثلاثاء 6 حزيران: قامت المدفعية السورية بقصف غزير استمر أيام 6 و7 و8، حتى بدا للناظرين أن "شريط المستعمرات المقابل للجبهة قد غطي بالقنابل وشوهدت الحرائق تتصاعد لمدة خمسة أيام".
أعطيت بعض الوحدات أوامر الهجوم، ومنها احتلال مدينة صفد، وبالفعل قامت وحدات الهندسة بتركيب الجسور فوق نهر الأردن، إلا أن الطيران المعادي قام بقصف هذه القوات 14 ساعة متواصلة، مما أدى إلى سحق هذا "الهجوم الفاشل" قبل بدئه.
احتلال صفد اقتصر على "تصوير مشاهد تلفزيونية للدخول إلى مستعمرة شرياشوف التي فُرغت مسبقا من قاطنيها".
رفض المقدم عزت جديد، قائد اللواء المدرع 44، التقدم والقتال مؤْثراً الانسحاب إلى دمشق دفاعا عنها بعد اتصالات مع صلاح جديد وحافظ الأسد.
لم يظهر الطيران في سماء المعركة، واكتفى بطلعات فوق سماء فلسطين المحتلة وقصف بعض المواقع.
أعلنت إذاعة دمشق إسقاط أكثر من 150 طائرة، في حين صرح العدو أن سورية خسرت نصف طائراتها المائة.
وزير الخارجية إبراهيم ماخوس قال للسفراء المعتمدين في دمشق: "إن طائرات إنكليزية هي التي تقصف مواقعنا، ولكن المعارك تسير لصالحنا".
الأربعاء 7 حزيران:
أذاع راديو دمشق في الثالثة صباحا أنه من المتوقع أن تصل القوات السورية إلى صفد لتلتقي بالقوات الأردنية الزاحفة.
مساء بدأ هروب القادة، فهرب اللواء أحمد سويداني، رئيس الأركان، عن طريق نوى، وكذلك قائد الجبهة العقيد أحمد المير على ظهر حمار، لأن الطيران الإسرائيلي كان يقصف أي مركبة. وحين اتصل به بعض ضباطه، أجاب: "أنا لست قائد الجبهة، اتصلوا بوزير الدفاع". ولما اتصلوا بوزير الدفاع حافظ الأسد، أجاب بأنه قد أخذ علما بالوضع واتخذ ما يلزم.
بقيت الإذاعة تعلن عن إسقاط طائرات إسرائيلية، في حين أعلن متحدث رسمي إسرائيلي أن القوات السورية تنسحب الآن باتجاه دمشق.
اقــرأ أيضاً
الجمعة 9 حزيران:
تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق الجبهة السورية في القطاعين الأوسط والشمالي.
وافقت سورية على وقف إطلاق النار، ولكنها أوضحت أن إسرائيل لا تلتزم بذلك، وناشد مندوب سورية في الأمم المتحدة جورج طعمة منع إسرائيل من غزو سورية.
السبت 10 حزيران:
أذيع حوالي 9:30 صباحا البيان 66 بتوقيع وزير الدفاع حافظ الأسد، والذي يقول إن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة، في حين أن المؤلف وغيره يؤكدون أن القوات الإسرائيلية لم تدخل القنيطرة إلا بعد حوالي 17 ساعة من إذاعة البيان.
بعد ساعات من إذاعة البيان 66 صدر بيان عسكري آخر أن القتال ما يزال يدور على أطراف القنيطرة.
وصلت القوات الإسرائيلية إلى سعسع، على بعد 36 كلم من دمشق.
هروب كتائب الرائد رئيف علواني والنقيب رفعت الأسد تجاه دمشق.
تُرك كل شيء في المدينة والجبهة غنيمةً للعدو، من مستودعات السلاح إلى أموال البلدية وفرع البنك الحكومي الوحيد في المدينة.
غادرت قيادة الحزب والدولة دمشق إلى حمص.
الأحد 11 حزيران:
أصدر وزير الدفاع بيانا قال فيه: "إن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة الطيران الغزير، مكّن العدو من اختراق خط دفاعنا الأول في القطاع الشمالي في محاولة لتطويق قواتنا. ولقد قاومت قطعاتنا هذه الخطة بوعي وأحبطتها، ولم تمكن العدو من تنفيذ خطته، وقاتل جنودنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة ببسالة لم يشهد لها مثيل. وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني، متحفزين لاستعادة كل شبر من أرض الوطن".
الاثنين - الثلاثاء 12-13 حزيران
الخطاب الرسمي السوري أن سورية حققت انتصارا بعدم سقوط نظامها التقدمي.
وزير الاعلام محمد الزعبي: خسرت سورية 20 ضابطا و125 جنديا، وجُرح ما يقارب 900 عسكري ومدني، ونزوح حوالي 45 ألفا من السكان.
أسرت إسرائيل 5499 عربيا، منهم 333 أسيرا سوريا، في حين أسر العرب 16 جندياً، منهم طيار واحد في سورية.
لم يسمح محافظ القنيطرة عبد الحليم خدام قبل الحرب وأثناءها للمدنيين بمغادرة البلد، مهددا إياهم بالإعدام، في حين قام بترحيل عائلات البعثيين قبل أسبوعين من الحرب.
رسم تاريخ سورية
لا تنتهي الأسئلة حول هزيمة 1967 على الجبهة السورية، لأنها رسمت تاريخ سورية لعقود طويلة. وبسبب نتائجها وملابساتها استولى حافظ الأسد على السلطة، ومن ثم قام بتوريث ابنه.
ما زالت الكثير من التفاصيل ضائعة، ومنها لماذا أصدر حافظ الأسد البيان 66؟ ولماذا أعقبه ببيان ثان؟ لماذا سكت عنه رفاقه في الحزب والدولة واكتفوا بالسكوت أو الهمس؟ هل ترك ضباط الجبهة أوراقا أو شهادات مثل السويداني والمير وعلي أصلان الذي كان قائد اللواء 8 مشاة في القطاع الأوسط، ونشأت حبش رئيس قسم الاستطلاع، وهو شقيق مروان حبش عضو القيادة القُطرية أيام الحرب، واللواء عواد باغي نائب رئيس الأركان والعميد عبد الرزاق دردري مدير العمليات غيرهم؟ ما دور قيادة 23 شباط في ذلك، ومنهم رئيس الدولة نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء يوسف زعين والأمين القُطري اللواء صلاح جديد وغيرهم؟
هل شكلت لجنة تحقيق مدنية أو عسكرية أو حزبية؟
قيل الكثير من نقاشات وخصومات حزبية انتهت بانقلاب الأسد على رفاقه، ولكنّ أحدا لم يكشف ما جرى حتى الآن.
لقد كُتب الكثير، ولا سيما من معارضي النظام بعد استتباب الحكم لحافظ الأسد، ومنهم من كان في قيادة الحزب والدولة أثناء حرب يونيو/حزيران 1967 على الجبهة السورية، عن بيع الجولان وبيان تسليمه الموقّع من وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، وعن دور حزب البعث وقيادة الجيش في هذه الصفقة، ولكن تفاصيل الميدان بقيت مكتومة ومبثوثة هنا وهناك.
أبرز ما نجده كتاب "سقوط الجولان" لمؤلفه خليل مصطفى، وهو ضابط سوري شغل موقع رئيس الاستطلاع العسكري في الجولان لمدة خمس سنوات وسُرّح من الجيش بعد انقلاب البعث في 8 مارس/آذار 1963، وانتهى، بعد خطفه من لبنان، مسجوناً في زنزانات حافظ الأسد إلى أن مات بسبب هذا الكتاب.
سنجد فصلا أيضاً في كتاب "مسيرة تحرير الجولان" للعميد رزق إلياس، والذي شارك في حرب 67 برتبة نقيب قائداً لكتيبة 102 استطلاع، في منطقة خان أرنبة شرق القنيطرة، كاحتياط مضاد للإنزالات الجوية المعادية. وهو يعكس وجهة نظر من بقي مع حافظ الأسد، ويتناول ما جرى سريعاً ومن دون خوض في التفاصيل.
ما سنجده أيضاً بعض شهادات موجزة كشهادة وزير الإعلام أثناء الحرب، محمد الزعبي، والمتركزة حول بيان 66، وشهادة أخرى لمروان حبش، عضو القيادة القُطرية، قبل انقلاب حافظ الأسد، في كتابه المخطوط "البعث وثورة آذار".
وأما أبرز ما كُتب في التحليل السياسي والمراجعة النقدية، فهو ما كتبه سامي الجندي؛ سواء في كتابه المهم "البعث" أو كتابه الآخر "أتحدى وأتهم".
وهذه الجريمة، برأيه، نُفذت على قسمين: قبل تسليم الجولان ومنذ بداية الانقلابات العسكرية، ولاسيما انقلاب 8 آذار 1963. والقسم الثاني في 5 حزيران 1967، وانتهى بالبيان 66 معلنا سقوط الجولان.
وفي التحضير لتسليم الجولان، يتحدث المؤلف عن إضعاف الجيش السوري وتحويله إلى "جيش مراهقين" بسلسلة انقلابات بلغت عشرة انقلابات، فضلاً عن حركات تمرد وعصيان كثيرة "تم خلالها إقصاء وتصفية الكثير من كوادر وضباط الجيش، بلغت ذروتها مع انقلاب آذار؛ حيث سُرح أكثر من ألفي ضابط ضمن سلسلة طويلة جدا من قرارات التسريح والسجن والمحاكمة والإعدام والقتل سراً، شملت أكثر من 85 بالمائة من ضباط وعناصر الجيش. ورُقي الكثير من ضباط الصف إلى ضباط، وتم تشكيل وحدات طائفية". كما تم ترفيع الكثير من الضباط البعثيين دونما تأهيل، كما حصل مع أحمد سويداني وصلاح جديد وحافظ الأسد، حين رُفّعوا من رتبة مقدم إلى لواء.
ويتابع المؤلف "كان الجيش عشية الحرب في أسوأ حال عرفها منذ إعادة تشكيله عام 1955. وكان الجنود بلا طعام، لأنه تم سحب أطعمة الطوارئ قبل الحرب بحجة تبديلها.
أما أثناء التنفيذ، فيتحدث عن عدم الالتزام بخطة العمليات، حيث "أوامر الدفاع في الجبهة لا تتيح الانسحاب بأي شكل".
يسرد المؤلف خطة العمليات التي لم يتم الالتزام بها خلال الحرب، كما لم يتم إعلان التعبئة العامة.
كانت الجبهة محصّنة بشكل ممتاز "كل شبر من أرضها مضروب بالنيران، وكل ثغرة بين موقعين دفاعيين محمية بالألغام". وكانت خطة العمليات تقضي بأن "النيران محضرة لتنفذ من قبل أنساق متتابعة من القوات، مضافا إليها نيران المدفعية من كل عيار ومن كل المستويات، ونيران الصواريخ ونيران الطيران.. والهجمات المعاكسة والملاغم".
لم تنسف هذه الملاغم نهائيا، مما كان سيعيق الهجوم الإسرائيلي، حيث الطرق والمحاور في الجبهة قليلة والأراضي شديدة الوعورة.
وكانت الجبهة محمية بالملاجئ أيضا، ومنها ملاجئ تقي نسبيا من القصف الذري المحدود والكيميائي، وقد طورت منذ عام 1958 على يد الخبراء السوفييت.
يوميات الحرب
يبدأ المؤلف القسم الثاني من كتابه بإيراد تصريح لوزير الدفاع حافظ الأسد لجريدة الثورة في 20 مايو/أيار عام 1967، قال فيه: "إن الوقت قد حان لخوض معركة فلسطين، وإن القوات السورية أصبحت جاهزة ومستعدة، ليس فقط لرد العدوان الإسرائيلي، وإنما للمبادرة لعملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني... إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخّل الأسطول الأميركي السادس".
الاثنين 5 حزيران: لم تحرك القوات السورية على الجبهة ساكنا، وقام الطيران بقصف مواقع في فلسطين المحتلة.
الثلاثاء 6 حزيران: قامت المدفعية السورية بقصف غزير استمر أيام 6 و7 و8، حتى بدا للناظرين أن "شريط المستعمرات المقابل للجبهة قد غطي بالقنابل وشوهدت الحرائق تتصاعد لمدة خمسة أيام".
أعطيت بعض الوحدات أوامر الهجوم، ومنها احتلال مدينة صفد، وبالفعل قامت وحدات الهندسة بتركيب الجسور فوق نهر الأردن، إلا أن الطيران المعادي قام بقصف هذه القوات 14 ساعة متواصلة، مما أدى إلى سحق هذا "الهجوم الفاشل" قبل بدئه.
احتلال صفد اقتصر على "تصوير مشاهد تلفزيونية للدخول إلى مستعمرة شرياشوف التي فُرغت مسبقا من قاطنيها".
رفض المقدم عزت جديد، قائد اللواء المدرع 44، التقدم والقتال مؤْثراً الانسحاب إلى دمشق دفاعا عنها بعد اتصالات مع صلاح جديد وحافظ الأسد.
لم يظهر الطيران في سماء المعركة، واكتفى بطلعات فوق سماء فلسطين المحتلة وقصف بعض المواقع.
أعلنت إذاعة دمشق إسقاط أكثر من 150 طائرة، في حين صرح العدو أن سورية خسرت نصف طائراتها المائة.
وزير الخارجية إبراهيم ماخوس قال للسفراء المعتمدين في دمشق: "إن طائرات إنكليزية هي التي تقصف مواقعنا، ولكن المعارك تسير لصالحنا".
الأربعاء 7 حزيران:
أذاع راديو دمشق في الثالثة صباحا أنه من المتوقع أن تصل القوات السورية إلى صفد لتلتقي بالقوات الأردنية الزاحفة.
مساء بدأ هروب القادة، فهرب اللواء أحمد سويداني، رئيس الأركان، عن طريق نوى، وكذلك قائد الجبهة العقيد أحمد المير على ظهر حمار، لأن الطيران الإسرائيلي كان يقصف أي مركبة. وحين اتصل به بعض ضباطه، أجاب: "أنا لست قائد الجبهة، اتصلوا بوزير الدفاع". ولما اتصلوا بوزير الدفاع حافظ الأسد، أجاب بأنه قد أخذ علما بالوضع واتخذ ما يلزم.
بقيت الإذاعة تعلن عن إسقاط طائرات إسرائيلية، في حين أعلن متحدث رسمي إسرائيلي أن القوات السورية تنسحب الآن باتجاه دمشق.
الجمعة 9 حزيران:
تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق الجبهة السورية في القطاعين الأوسط والشمالي.
وافقت سورية على وقف إطلاق النار، ولكنها أوضحت أن إسرائيل لا تلتزم بذلك، وناشد مندوب سورية في الأمم المتحدة جورج طعمة منع إسرائيل من غزو سورية.
السبت 10 حزيران:
أذيع حوالي 9:30 صباحا البيان 66 بتوقيع وزير الدفاع حافظ الأسد، والذي يقول إن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة، في حين أن المؤلف وغيره يؤكدون أن القوات الإسرائيلية لم تدخل القنيطرة إلا بعد حوالي 17 ساعة من إذاعة البيان.
بعد ساعات من إذاعة البيان 66 صدر بيان عسكري آخر أن القتال ما يزال يدور على أطراف القنيطرة.
وصلت القوات الإسرائيلية إلى سعسع، على بعد 36 كلم من دمشق.
هروب كتائب الرائد رئيف علواني والنقيب رفعت الأسد تجاه دمشق.
تُرك كل شيء في المدينة والجبهة غنيمةً للعدو، من مستودعات السلاح إلى أموال البلدية وفرع البنك الحكومي الوحيد في المدينة.
غادرت قيادة الحزب والدولة دمشق إلى حمص.
الأحد 11 حزيران:
أصدر وزير الدفاع بيانا قال فيه: "إن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة الطيران الغزير، مكّن العدو من اختراق خط دفاعنا الأول في القطاع الشمالي في محاولة لتطويق قواتنا. ولقد قاومت قطعاتنا هذه الخطة بوعي وأحبطتها، ولم تمكن العدو من تنفيذ خطته، وقاتل جنودنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة ببسالة لم يشهد لها مثيل. وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني، متحفزين لاستعادة كل شبر من أرض الوطن".
الاثنين - الثلاثاء 12-13 حزيران
الخطاب الرسمي السوري أن سورية حققت انتصارا بعدم سقوط نظامها التقدمي.
وزير الاعلام محمد الزعبي: خسرت سورية 20 ضابطا و125 جنديا، وجُرح ما يقارب 900 عسكري ومدني، ونزوح حوالي 45 ألفا من السكان.
أسرت إسرائيل 5499 عربيا، منهم 333 أسيرا سوريا، في حين أسر العرب 16 جندياً، منهم طيار واحد في سورية.
لم يسمح محافظ القنيطرة عبد الحليم خدام قبل الحرب وأثناءها للمدنيين بمغادرة البلد، مهددا إياهم بالإعدام، في حين قام بترحيل عائلات البعثيين قبل أسبوعين من الحرب.
رسم تاريخ سورية
ما زالت الكثير من التفاصيل ضائعة، ومنها لماذا أصدر حافظ الأسد البيان 66؟ ولماذا أعقبه ببيان ثان؟ لماذا سكت عنه رفاقه في الحزب والدولة واكتفوا بالسكوت أو الهمس؟ هل ترك ضباط الجبهة أوراقا أو شهادات مثل السويداني والمير وعلي أصلان الذي كان قائد اللواء 8 مشاة في القطاع الأوسط، ونشأت حبش رئيس قسم الاستطلاع، وهو شقيق مروان حبش عضو القيادة القُطرية أيام الحرب، واللواء عواد باغي نائب رئيس الأركان والعميد عبد الرزاق دردري مدير العمليات غيرهم؟ ما دور قيادة 23 شباط في ذلك، ومنهم رئيس الدولة نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء يوسف زعين والأمين القُطري اللواء صلاح جديد وغيرهم؟
هل شكلت لجنة تحقيق مدنية أو عسكرية أو حزبية؟
قيل الكثير من نقاشات وخصومات حزبية انتهت بانقلاب الأسد على رفاقه، ولكنّ أحدا لم يكشف ما جرى حتى الآن.