يدلّ الظهور الإعلامي المتكرر لقائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، في الفترة الأخيرة، على أن هذه الهيئة التي تُعدّ امتداداً لجبهة "النصرة" المصنفة إرهابية من قبل العديد من الدول، بدأت مرحلة جديدة في طريقة تعاطيها مع الحدث السوري، من دون أن تكون أهدافها النهائية واضحة.
وقام الجولاني بزيارات عدة لفعاليات اجتماعية في محافظة إدلب، حيث التقى وجهاء وشيوخ عشائر وعلماء دين، في حدث غير مسبوق، إذ لطالما لفّ الغموض قائد "هيئة تحرير الشام" الذي ظل لسنوات غير معروف من قبل عموم السوريين. وأشارت مصادر مواكبة لما يحدث داخل الهيئة بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجولات تضمنت الحديث عن شؤون الشمال السوري المحرَّر على ضوء تردي المستوى المعيشي، وانتشار البطالة، ومصير المعتقلين في سجون النظام، وأسئلة عن الوضع العام للساحة"، وفق المصادر.
وكشف الجولاني خلال جولاته معلومات تُعرف للمرة الأولى عن شخصيته، حيث أشار إلى أن اسمه أحمد، وهو ابن الخبير الاقتصادي حسين علي الشرع، الذي ينحدر من منطقة "فيق" في الجولان السوري المحتل، موضحاً أن عائلته نزحت من الجولان إلى مدينة دمشق عقب العدوان الإسرائيلي في عام 1967. كما تحدث عن نشأته والتحاقه بكلية الإعلام بجامعة دمشق، قبل أن يغادر سورية في عام 2003 إلى العراق، حيث انخرط في صفوف "المجاهدين" الذين واجهوا القوات الأميركية، ليُسجن لسنوات عدة في معتقل بوكا.
ومن الواضح أن الجولاني يسعى لتحسين صورته وصورة الهيئة التي تُعدّ امتداداً لـ"جبهة النصرة"، وسط تزايد السخط منها، لا سيما جراء انتهاكاتها بحق المدنيين، فضلاً عن أنها لطالما شكلت ذريعة للنظام وداعميه الروس والإيرانيين للفتك بالسوريين، في وقت تراجع مقاتلوها أمام قوات النظام ومليشيات إيرانية بداية العام الجاري في ريفي حلب وادلب، الأمر الذي نتج عنه نزوح أكثر من مليون مدني.
ووصل الاستياء الشعبي من الهيئة لحدّ خروج مظاهرات في الشمال السوري خلال العام الجاري ضدها، مطالبة بحلّ هذا التنظيم. وأكدت مصادر مواكبة للتطورات داخل الهيئة لـ"العربي الجديد"، أن الجولاني "يحاول تجسير الهوة بينه وبين الشارع السوري المعارض"، مضيفة "نرى أن الهيئة بدأت مرحلة جديدة تسعى خلالها لأن تكون جزءاً من حلّ وليس مشكلة في طريق هذا الحلّ". وأشارت إلى أن "الهيئة استبعدت شخصيات متشددة من صفوفها، وأجرت مراجعات على الخطاب المتشدد الذي وسمها طيلة سنوات"، مضيفة أنه "من الواضح أن الجولاني أراد توجيه رسائل من خلال هذه الجولات، لعلّ في مقدمتها أن تغيراً كبيراً طرأ على الهيئة وطريقة تعاطيها مع ما يجري في سورية".
وكانت الهيئة شهدت، خلال العام الجاري، خروج عدد من القادة المتشددين من صفوفها، لعلّ أبرزهم عضو "مجلس الشورى" جمال زينية، والملقب بـ"أبو مالك التلي"، مرجعاً سبب ابتعاده إلى "جهله وعدم علمه ببعض سياسات الجماعة أو عدم قناعته بها"، وفق بيان. وسبق أن استقال واحد من أكثر قادة الهيئة تشدداً، وهو المدعو "أبو اليقظان المصري"، الذي ترك الهيئة في فبراير/شباط 2019، اعتراضاً، كما بدا، على اتجاهها نحو التساهل في بعض القضايا.
اقــرأ أيضاً
ويرى الباحث السياسي حمزة المصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تمكن قراءة تكرار ظهور الجولاني في اتجاهين، أولهما، هو محاولة إقناع الخارج سواء تركيا أو غيرها، بالتحولات التي أقرتها "هيئة تحرير الشام" بالابتعاد التدريجي عن السلفية الجهادية العالمية، إلى صيغة وطنية تطبق على أرض الواقع من خلال الاندماج أكثر بالمجتمعات المحلية والابتعاد عن النخبوية التي تميز عمل المجموعات الجهادية التي عادة ما تنظر إلى المجتمعات على أنها مجتمعات جاهلية، تحتاج "نخبة جهادية مقاتلة" لتقومها وتضعها على الطريق الإسلامي الصحيح"، معتبراً أن في سيمائيات هندام وحديث الجولاني وكشفه اسمه الحقيقي في مجالس الأهالي، ما يشي بهذا التوجه.
أما الاتجاه الثاني لقراءة المصطفى للظهور المتكرر للجولاني فهو "محاولة لتحسين العلاقة مع المجتمعات المحلية عقب انتهاكات الهيئة ضد الفصائل الأخرى، ومحاصرتها، وقتلها الناشطين، وسجنهم، بالإضافة إلى تقاعسها أخيراً عن المشاركة في القتال ضد هجوم النظام على إدلب، وتفضيلها التعامل غير المباشر معه عبر المعابر". وختم بالقول: "وعليه، قد يكون هذا الظهور محاولة لتحصين الهيئة ضد أي سيناريوهات إقصائية قد تفرض عليها في حال لم يقبل الخارج بتحولات الهيئة كما تراها هي، وليس كما يرغب بها الآخرون".
من جانبه، أشار القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور بحديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "هيئة تحرير الشام في الشمال السوري لها أنصار، ولها من لا يؤيدها، بل ولها أيضاً من هم ناقمون عليها". وحول محاولات الجولاني إعادة تعويم الهيئة من خلال اجتماعاته مع فعاليات اجتماعية مختلفة، قال البكور: "أعتقد بأن تحرير قرية أو مدينة من القرى التي احتلت أخيراً يمكن أن يسهم في تعويمها على الصعيد الداخلي أكثر من كل الجولات والمساعدات التي تقدمها بأشكال مختلفة، أما على الصعيد الدولي فإنني أجد من الصعوبة بمكان تعويمها إذا لم يُلغَ تصنيفها على قائمة الإرهاب الدولي".
اقــرأ أيضاً
وتُعدّ "هيئة تحرير الشام" امتداداً لـ"جبهة النصرة" التي ظهرت في المشهد السوري في عام 2012، ممثلاً وحيداً لتنظيم "القاعدة" في سورية. وتعرضت "جبهة النصرة" لضغوط شعبية كبيرة لتغيير اسمها ومسارها وخطابها السياسي، وهو ما تحقق في يوليو/تموز 2016، مع إعلان زعيمها أبو محمد الجولاني فكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام". وفي يناير/كانون الثاني 2017، اقتتلت الجبهة مع فصائل تابعة للمعارضة في شمالي غرب سورية، معلنة عن اندماجها مع فصائل أخرى تتشارك معها في المنهج والرؤية في "هيئة تحرير الشام"، والتي تولّى قيادتها الجولاني أيضاً.
ويفتح الظهور الإعلامي لقائد "هيئة تحرير الشام" باب أسئلة حول علاقة الأخيرة مع الجانب التركي الذي نشر منذ مارس/ آذار الفائت آلاف الجنود الأتراك في عموم محافظة إدلب من دون اعتراض من الهيئة، بل بتسهيل وحماية منها. وأعربت مصادر مطلعة على ما يجري في الهيئة، عن اعتقادها بأن الهيئة "أصبحت كياناً قابلاً للتعويم من قبل الأتراك عقب التغير الكبير الذي طرأ على خطابها، وخصوصاً لجهة الموافقة على التفاهمات بين أنقرة وموسكو"، مضيفةً: "هناك رضى تركي عن الهيئة بسبب مساعدتها في تطبيق اتفاق التهدئة المبرم مع الجانب الروسي في مارس/آذار الفائت".
وقام الجولاني بزيارات عدة لفعاليات اجتماعية في محافظة إدلب، حيث التقى وجهاء وشيوخ عشائر وعلماء دين، في حدث غير مسبوق، إذ لطالما لفّ الغموض قائد "هيئة تحرير الشام" الذي ظل لسنوات غير معروف من قبل عموم السوريين. وأشارت مصادر مواكبة لما يحدث داخل الهيئة بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجولات تضمنت الحديث عن شؤون الشمال السوري المحرَّر على ضوء تردي المستوى المعيشي، وانتشار البطالة، ومصير المعتقلين في سجون النظام، وأسئلة عن الوضع العام للساحة"، وفق المصادر.
وكشف الجولاني خلال جولاته معلومات تُعرف للمرة الأولى عن شخصيته، حيث أشار إلى أن اسمه أحمد، وهو ابن الخبير الاقتصادي حسين علي الشرع، الذي ينحدر من منطقة "فيق" في الجولان السوري المحتل، موضحاً أن عائلته نزحت من الجولان إلى مدينة دمشق عقب العدوان الإسرائيلي في عام 1967. كما تحدث عن نشأته والتحاقه بكلية الإعلام بجامعة دمشق، قبل أن يغادر سورية في عام 2003 إلى العراق، حيث انخرط في صفوف "المجاهدين" الذين واجهوا القوات الأميركية، ليُسجن لسنوات عدة في معتقل بوكا.
ومن الواضح أن الجولاني يسعى لتحسين صورته وصورة الهيئة التي تُعدّ امتداداً لـ"جبهة النصرة"، وسط تزايد السخط منها، لا سيما جراء انتهاكاتها بحق المدنيين، فضلاً عن أنها لطالما شكلت ذريعة للنظام وداعميه الروس والإيرانيين للفتك بالسوريين، في وقت تراجع مقاتلوها أمام قوات النظام ومليشيات إيرانية بداية العام الجاري في ريفي حلب وادلب، الأمر الذي نتج عنه نزوح أكثر من مليون مدني.
ووصل الاستياء الشعبي من الهيئة لحدّ خروج مظاهرات في الشمال السوري خلال العام الجاري ضدها، مطالبة بحلّ هذا التنظيم. وأكدت مصادر مواكبة للتطورات داخل الهيئة لـ"العربي الجديد"، أن الجولاني "يحاول تجسير الهوة بينه وبين الشارع السوري المعارض"، مضيفة "نرى أن الهيئة بدأت مرحلة جديدة تسعى خلالها لأن تكون جزءاً من حلّ وليس مشكلة في طريق هذا الحلّ". وأشارت إلى أن "الهيئة استبعدت شخصيات متشددة من صفوفها، وأجرت مراجعات على الخطاب المتشدد الذي وسمها طيلة سنوات"، مضيفة أنه "من الواضح أن الجولاني أراد توجيه رسائل من خلال هذه الجولات، لعلّ في مقدمتها أن تغيراً كبيراً طرأ على الهيئة وطريقة تعاطيها مع ما يجري في سورية".
وكانت الهيئة شهدت، خلال العام الجاري، خروج عدد من القادة المتشددين من صفوفها، لعلّ أبرزهم عضو "مجلس الشورى" جمال زينية، والملقب بـ"أبو مالك التلي"، مرجعاً سبب ابتعاده إلى "جهله وعدم علمه ببعض سياسات الجماعة أو عدم قناعته بها"، وفق بيان. وسبق أن استقال واحد من أكثر قادة الهيئة تشدداً، وهو المدعو "أبو اليقظان المصري"، الذي ترك الهيئة في فبراير/شباط 2019، اعتراضاً، كما بدا، على اتجاهها نحو التساهل في بعض القضايا.
ويرى الباحث السياسي حمزة المصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تمكن قراءة تكرار ظهور الجولاني في اتجاهين، أولهما، هو محاولة إقناع الخارج سواء تركيا أو غيرها، بالتحولات التي أقرتها "هيئة تحرير الشام" بالابتعاد التدريجي عن السلفية الجهادية العالمية، إلى صيغة وطنية تطبق على أرض الواقع من خلال الاندماج أكثر بالمجتمعات المحلية والابتعاد عن النخبوية التي تميز عمل المجموعات الجهادية التي عادة ما تنظر إلى المجتمعات على أنها مجتمعات جاهلية، تحتاج "نخبة جهادية مقاتلة" لتقومها وتضعها على الطريق الإسلامي الصحيح"، معتبراً أن في سيمائيات هندام وحديث الجولاني وكشفه اسمه الحقيقي في مجالس الأهالي، ما يشي بهذا التوجه.
أما الاتجاه الثاني لقراءة المصطفى للظهور المتكرر للجولاني فهو "محاولة لتحسين العلاقة مع المجتمعات المحلية عقب انتهاكات الهيئة ضد الفصائل الأخرى، ومحاصرتها، وقتلها الناشطين، وسجنهم، بالإضافة إلى تقاعسها أخيراً عن المشاركة في القتال ضد هجوم النظام على إدلب، وتفضيلها التعامل غير المباشر معه عبر المعابر". وختم بالقول: "وعليه، قد يكون هذا الظهور محاولة لتحصين الهيئة ضد أي سيناريوهات إقصائية قد تفرض عليها في حال لم يقبل الخارج بتحولات الهيئة كما تراها هي، وليس كما يرغب بها الآخرون".
من جانبه، أشار القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور بحديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "هيئة تحرير الشام في الشمال السوري لها أنصار، ولها من لا يؤيدها، بل ولها أيضاً من هم ناقمون عليها". وحول محاولات الجولاني إعادة تعويم الهيئة من خلال اجتماعاته مع فعاليات اجتماعية مختلفة، قال البكور: "أعتقد بأن تحرير قرية أو مدينة من القرى التي احتلت أخيراً يمكن أن يسهم في تعويمها على الصعيد الداخلي أكثر من كل الجولات والمساعدات التي تقدمها بأشكال مختلفة، أما على الصعيد الدولي فإنني أجد من الصعوبة بمكان تعويمها إذا لم يُلغَ تصنيفها على قائمة الإرهاب الدولي".
وتُعدّ "هيئة تحرير الشام" امتداداً لـ"جبهة النصرة" التي ظهرت في المشهد السوري في عام 2012، ممثلاً وحيداً لتنظيم "القاعدة" في سورية. وتعرضت "جبهة النصرة" لضغوط شعبية كبيرة لتغيير اسمها ومسارها وخطابها السياسي، وهو ما تحقق في يوليو/تموز 2016، مع إعلان زعيمها أبو محمد الجولاني فكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام". وفي يناير/كانون الثاني 2017، اقتتلت الجبهة مع فصائل تابعة للمعارضة في شمالي غرب سورية، معلنة عن اندماجها مع فصائل أخرى تتشارك معها في المنهج والرؤية في "هيئة تحرير الشام"، والتي تولّى قيادتها الجولاني أيضاً.
ويفتح الظهور الإعلامي لقائد "هيئة تحرير الشام" باب أسئلة حول علاقة الأخيرة مع الجانب التركي الذي نشر منذ مارس/ آذار الفائت آلاف الجنود الأتراك في عموم محافظة إدلب من دون اعتراض من الهيئة، بل بتسهيل وحماية منها. وأعربت مصادر مطلعة على ما يجري في الهيئة، عن اعتقادها بأن الهيئة "أصبحت كياناً قابلاً للتعويم من قبل الأتراك عقب التغير الكبير الذي طرأ على خطابها، وخصوصاً لجهة الموافقة على التفاهمات بين أنقرة وموسكو"، مضيفةً: "هناك رضى تركي عن الهيئة بسبب مساعدتها في تطبيق اتفاق التهدئة المبرم مع الجانب الروسي في مارس/آذار الفائت".