في خطوة تثير مزيدا من التكهنات حول مساعي قيادات بارزة في هيئة "الحشد الشعبي" إلى تحويلها لنسخة مشابهة للحرس الثوري الإيراني، تتجه قيادة "الحشد"، وهي المظلة الجامعة لنحو 70 فصيلاً مسلحاً توصف أغلبها بأنها مرتبطة بإيران عقائدياً وعملياتياً، ويقدر عديدها بأكثر من 115 ألف مسلح، إلى اعتماد الرتب العسكرية والتسلسل الهرمي الإداري في هيكلية الفصائل، في مسعى منها لزيادة السيطرة على الفصائل المسلحة المنضوية فيها.
الرتب ستكون على غرار رتب قوات الجيش والشرطة، وتبدأ من صفة منتسب جندي، ثمّ عريف وعريف أول، ثمّ ملازم، صعوداً إلى الرتب الأعلى التي تنتهي بمنصب رئيس أركان الحشد الذي يقابله حالياً منصب القائد الميداني العسكري الذي كان يشغله فعلياً نائب رئيس هيئة "الحشد" أبو مهدي المهندس، قبل اغتياله مع زعيم "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مطلع العام الحالي من قبل الولايات المتحدة قرب مطار بغداد. ويشغل حالياً منصب القائد الميداني العسكري شخص مقرب من الحرس الثوري، ويدعى أبو فدك ويلقب بالخال، وهو من يشرف في الوقت نفسه على مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية التي نسبت لها جرائم تطهير طائفي في السنوات الماضية، فضلاً عن قمع التظاهرات في كل من بغداد وكربلاء والبصرة.
وبحسب ما كشف عنه رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، الذي يدير جهاز "الأمن الوطني"، إضافة إلى كونه مستشاراً للأمن الوطني في الوقت نفسه، في تصريحات متلفزة الأسبوع الماضي، فإنّ هيئة "الحشد الشعبي"، "تحتاج إلى إعادة بناء نفسها، والرتب ستمنح داخلها حسب القانون العسكري الاعتيادي، وليس حسب قانون الدمج". وهو ما فتح الباب لتساؤلات من قبل سياسيين ومراقبين عن آلية منح الرتب للمقاتلين وآمريهم، لا سيما وأن كثيرين منهم يوالون طهران ويخضعون عقائدياً للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وهم يؤمنون بولاية الفقيه التي لا تعترف بالحدود الجغرافية للبلدان.
ومنذ عام 2014، لم تخضع هيئة "الحشد الشعبي" إلى إدارة واضحة أو طريقة عسكرية نظامية، إذ يدير كل قائد فصيله ومقاتليه تحت مسميات قيادية مختلفة، على الرغم من أنّ القانون المنظم للهيئة ينصّ على أنها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الوزراء، لكن ذلك ظلّ مجرّد غطاء يتم من خلاله تنظيم صرف مرتبات عناصر تلك الفصائل، أو توزيع الإعانات والمساعدات العسكرية والعلاجية عليهم. ويرى سياسيون أنّ الحاجة إلى الفتوى التي تشكّل على إثرها "الحشد"، من قبل المرجع الديني علي السيستاني، انتهت مع إعلان تحرير البلاد من سيطرة تنظيم "داعش".
وأقرّ مسؤول عراقي بارز في بغداد، بوجود ما وصفها بـ"خطوات استباقية"، من أجل تعزيز وضع "الحشد الشعبي"، استعداداً لأي تغييرات سياسية تطرأ في العراق، في ظلّ متغيرات أميركية إيرانية مستمرة، وفقاً لتعبيره. وأوضح أنّ من بين تلك الخطوات هي "جعل الحشد أكثر ترتيباً وأقل عشوائيةً من حيث الصفات التي يخرج بها قادته"، لافتاً إلى أنّ "محاولات تنظيم سابقة جرت العام الماضي، لكنها فشلت وكان سبب فشلها الفصائل الولائية (المرتبطة بإيران)، كونها الأكثر استهتاراً في الالتزام بتوصيات الحكومة ومقرراتها، وهي تصل في بعض الأحيان إلى حد عدم احترام حتى قوات الجيش والشرطة".
واتهم المسؤول نفسه، الذي طلب عدم كشف اسمه، مليشيات "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"الخراساني"، و"الإمام علي"، و"سيد الشهداء"، و"الطفوف"، و"البدلاء"، و"العصائب"، و"بدر"، وفصائل أخرى، بأنها "ما زالت تتمرد على مقررات الحكومة، سواء بشأن طلب انسحابها من المدن التي تسيطر عليها منذ سنوات، أو سحب عناصرها التي تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد، وتتسلم في الوقت نفسه مرتبات من الحكومة"، متسائلاً: "هل سيكون لخطوة الرتب والتسلسل الهرمي العسكري أثر في الحشد مع هذه الصورة؟".
في السياق، قال المتحدث الرسمي باسم جماعة "أنصار الله الأوفياء"، عادل الكرعاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحشد الشعبي يعمل وفق القانون الذي وضع له في البرلمان العراقي، فبعد أن تحوّل من فصائل إلى ألوية، بات من الضروري وضع الآليات العسكرية من أجل ترتيب صفوفه بحسب الكفاءة والأقدمية والمهنية العملية، وبكل تأكيد لن يتحوّل كل الجنود إلى ضباط، بل سيكون هناك من هو مؤهل للحصول على رتبة عسكرية، كبقية الصنوف الأمنية الأخرى. وهذه الطريقة تضمن للمقاتلين حقوقهم وأماكن خدمتهم وفق ما يملكون من شهادات وما يتمتعون به من كفاءة، ومن خلالها يمكن تطوير المؤسسة الأمنية في العراق".
ورفض الكرعاوي الإجابة على سؤال طرحه "العربي الجديد"، بشأن مساعٍ لإضفاء المزيد من الشرعية على هيئة "الحشد الشعبي" من خلال التوجه نحو منح الرتب للمقاتلين في صفوفها، معتبراً أنّ "هذا الحديث ليس صحيحاً، بل إنه طريقة مسمومة لذمّ الحشد الشعبي، لأن الهيئة قانونية أصلاً باعتراف البرلمان والحكومة العراقية. وبالتالي، فإنّ الخطوات الجديدة التي تجريها هيئة الحشد اتجاه مقاتليها من خلال إعادة توزيعهم وتوفير الحماية والمخصصات المالية لهم، وتدريبهم في كليات عسكرية محترمة وإعطائهم الرتب، ليس لإضفاء شرعية ما، بل تطبيق لبنود قانون الحشد الشعبي الذي صوّت عليه البرلمان العراقي".
إلا أنّ عضو مجلس النواب العراقي، باسم خشّان، رأى أنّ "الحشد الشعبي سيعاني في تطبيق فكرة منح الرتب للمقاتلين والقادة، لأنّ غالبيتهم لا تنطبق عليهم المعايير التي وضعتها الكليات العسكرية، كما أنّ بعضهم لا يوالي العراق أصلاً، ومن الصعب على الحكومة العراقية أن تعمل على تخريج ضابط لا يؤمن بالعراق. كذلك، فإنّ الكشف عن الولاءات العقائدية للمقاتلين في الحشد هو أمر في غاية الصعوبة". وأوضح خشّان في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك الكثير من التساؤلات عن آلية دمج الضباط الجدد من الحشد بالمؤسسة العسكرية العراقية، والهيئة لم تطرح إلى حدّ الآن على السلطات العراقية أي آلية في هذا الشأن، فضلاً عن مسألة ما إذا كان الأمر يتناسب مع إمكانيات العراق في ظلّ الأزمة المالية الحالية أم لا".
أما السياسي العراقي المستقلّ، وائل الحازم، فقد رأى أنّ "قرار منح الرتب العسكرية لبعض قادة الحشد الشعبي وحواشيهم، هو شرعنة واضحة للفصائل المسلحة ولبعض الأسماء المرتبطة بالمرشد الإيراني علي خامنئي، ارتباطاً ولائياً وعقائدياً وحتى عملياتياً، وهذه الأسماء يُراد لها أن تكون في مناصب مهمة وضمن رتب عسكرية كبيرة، من أجل حماية النظام الحاكم في العراق والعملية السياسية من أي محاولة انقلابية أو حراك شعبي قوي".
وأوضح الحازم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هاجس الانقلاب هو ما يتخوف منه قادة الحشد، ولا سيما الذين يمثلون الخط الإيراني في العراق، لذلك تريد إيران أن يكون لها رجال في المؤسسة الأمنية والعسكرية من أجل حماية نفوذها والنظام الحاكم. وفي الوقت نفسه، فإنّ الرتب الحشدية الجديدة ستمثّل حالة جديدة من حالات الاختراق للحكومة العراقية عبر التفاف جديد على المؤسسة الأمنية".
في المقابل، لفت رئيس "مركز التفكير السياسي في العراق"، إحسان الشمري، إلى أنّ "هيئة الحشد الشعبي أقرّت ضمن قانون، وهي اليوم تمتلك الصفة الأمنية النظامية، ولكن كان من المفترض أن تتم هيكلتها وفق القانون الخاص بها قبل ثلاث سنوات، ولكن هذا الأمر لم ينجح. كما أنّ حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، سعت إلى دمج الحشد مع المؤسسة الأمنية، ولكنها لم تتمكن من ذلك، والهيئة بحاجة إلى إعادة هيكلة". وتابع "لكن منح الرتب للقادة والمقاتلين، سيصطدم بمسألة قبول انتمائهم إلى الكليات العسكرية في العراق، ولا سيما أنّ بعض القادة لا يملكون المؤهلات المرتبطة بالقبول، مثل العمر والشهادة واللياقة وغيرها".
وأضاف الشمري في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الكليات العسكرية تضع معايير واضحة وشديدة على الراغبين بالتقدم إليها، وبالتالي، فإنّ ذلك قد يؤدي إلى رفض دخول منتمين للحشد من قبل الكليات، إلا إذا عملت الحكومة العراقية على خلق بعض الاستثناءات لهؤلاء، ولكن هذا يعني التفافا على القوانين المعمول بها، كما أنه سيؤدي إلى تخرج حاملي الرتب العسكرية بأعداد كبيرة من دون مهنية وكفاءة".