مصر: فرض مناعة القطيع من دون غطاء حكومي

14 يونيو 2020
42 ألف إصابة بكورونا مسجلة رسمياً في مصر(Getty)
+ الخط -
تعكس قرارات النظام المصري إزاء وباء كورونا تسييره الإجباري للمجتمع نحو فكرة اكتساب "مناعة القطيع"، من دون مقاومة أو دعم الآليات التي تمكّن المواطنين من النجاة بأنفسهم من خلال المنظومة الصحية المتهالكة، التي لم تُظهر أي آثار إيجابية جرّاء المساعدات الحكومية الجديدة التي ادعى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي توجيهها للقطاعات المتضررة من الوباء. وقد أصدرت وزارة الصحة أحدث هذه القرارات للمستشفيات والمعامل المركزية، بهدف تخفيض عدد التحاليل التي تجرى في يوم واحد لفحوصات المسح التي تؤخذ من حالات الاشتباه لتقرير ما إذا كانوا مصابين بكورونا من عدمه، وكذلك للحالات المصابة المؤكدة الموجودة داخل مستشفيات العزل وأقسام العزل في المستشفيات العامة. وكشفت مصادر مطلعة في وزارة الصحة أن هذا القرار مكوّن من شقين؛ أولهما تخفيض عدد التحاليل اليومية إلى ثلاثة آلاف كحدّ أقصى، مهما زاد عدد فحوصات المسح المأخوذة في المستشفيات، مما يؤدي إلى التحكم الكامل في عدد الإصابات التي تسجّل نحو 1600 حالة يومياً، رغم وضوح الأعراض في المستشفيات، وذلك لإبقاء سيطرة الوزارة على الأعداد المعلنة المبلّغة لمنظمة الصحة العالمية.

أما الشق الثاني من القرار فيتمثل في التوقف عن إجراء التحاليل كل 48 ساعة للمرضى في مستشفيات العزل، للتأكد من مدى فاعلية العلاج وتأثيره، إلا في الحالات الخاضعة للتجارب السريرية للعقاقير الجديدة التي تشارك فيها مصر، وكذلك الحالات التي خضعت لتجارب العلاج ببلازما المتعافين، مجهولة النتائج حتى الآن. وبدلاً من ذلك؛ سيتم الاكتفاء بإجراء التحليل الثاني للحالات المعزولة بالمستشفيات بعد 14 يوماً من تلقي العلاج، وذلك بهدف توفير مواد التحاليل وانخفاض التمويل المرصود لها من قبل الحكومة.

وذكرت المصادر أن من أسباب خفض عدد التحاليل أيضاً، انتشار الإصابات بالفيروس داخل المعامل المركزية بالقاهرة وفي عدد من المحافظات، مما أدى إلى خفض القوة البشرية العاملة على التحليل بصورة ملحوظة خلال الأسبوع الماضي، وبالتالي زيادة الوقت الفاصل بين أخذ فحوصات المسح وظهور النتائج، ومن ثم زيادة فرص تلف العينات وعدم دقة النتائج.

وأكدت المصادر أنه لا صحة البتة لما يتردد في وسائل الإعلام المصرية عن وجود فائض من الأسرّة وغرف العناية المركزة داخل المستشفيات الحكومية، موضحة أن المستشفيات المهيأة لاستقبال الحالات في القاهرة الكبرى ومعظم المحافظات "ممتلئة عن آخرها"، فضلاً عن تكليف الوزارة للمديريات بإعداد قوائم للحالات التي تتطلب دخول المستشفيات للعلاج. وهو ما تصفه المصادر بـ"إدارة الأزمة ساعة بساعة" إلى حد تقدم عدد من مديري الصحة في المحافظات بطلبات لإعفائهم، نظراً للضغوط الكبيرة الوظيفية والإنسانية التي يتعرضون لها، وعدم تمكنهم من إيجاد حلول لتسهيل علاج المواطنين قدر الإمكان.


وعن مستقبل عمليات تشخيص الإصابات في مصر بالنظر للظروف الحالية، قالت المصادر إنه من الأكيد عند لحظة ما، قريباً، سيتم الاستغناء تماماً عن التحاليل كمحدد للإصابة، مع الاكتفاء بها كمحدد للتعافي، في حال قدّرت اللجان العلمية المختصة ولجنة إدارة الأزمة ذلك، بناء على الاختبارات السريرية الجارية حول الحقن ببلازما المتعافين. وسبق أن كشفت مصادر حكومية أخرى أن القرار الذي اتخذته الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، بتفويض كل وزير تحديد حجم العمل من داخل المنشآت الحكومية التابعة له، جاء نتيجة الخلافات التي نشرت "العربي الجديد" تفاصيلها مطلع الشهر الحالي بين المسؤولين الحكوميين بعد صدور تعليمات من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء للمحافظين باستئناف الأعمال بشكل كامل، وفي نفس الوقت إلزامهم باتخاذ التدابير الاحترازية. ما أدى إلى ارتباك واسع في مختلف القطاعات، خصوصاً الأعمال التابعة لوزارة الداخلية والشهر العقاري والمحاكم والتموين والتضامن ومديريات التعليم بالمحافظات، فضلاً عن القطاع السياحي بالكامل. فبعد أيام معدودة من تطبيق التدابير الجديدة منذ يوم السبت الماضي، تبيّن عدم إمكانية الجمع بين الأمرين؛ العمل بكامل الطاقة، وفرض التدابير الاحترازية، الأمر الذي يجهض عملياً خطة التعايش التي لم تعلنها الحكومة رسمياً بعد.

وكان الوزراء المعنيون بمتابعة العمل اليومي في المصالح المتصلة بالمواطنين قد تواصلوا مع المخابرات العامة والرقابة الإدارية، باعتبارهما الجهازين الأقرب لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، لعرض المشكلة، مطالبين بإعادة النظر في عدد من الأمور والإشكاليات التي أدت إلى هذا الارتباك، بل وحمّلها بعض الوزراء مسؤولية زيادة أعداد الإصابات وحالات الاشتباه في القطاعات التي يديرونها. وأبدى معظم الوزراء ومساعدوهم اعتقادهم بأنه ليس من الواقعي فرض العمل بكفاءة 100 في المائة، سواء على المدى القريب أو المدى الطويل خلال العام الحالي، نظراً للخسائر البشرية الكبيرة التي تم تسجيلها في الأيام الماضية، وبشكل عام منذ بداية الأزمة في القطاعات، لا سيما أن تسجيل أي إصابة في أي مكتب أو منشأة يترتب عليه تعطيل العمل لمدة لا تقل عن 10 أيام.

كما طالب الوزراء بمراجعة التدابير الاحترازية الخاصة بالموظفين، لأن معظم القطاعات لا تملك الإمكانيات التي تسمح باتباع التدابير الموصّى بها، وعلى رأسها التباعد الجسدي، مما أدى إلى انتشار موجة من التذمر بين الموظفين في معظم تلك القطاعات، تحديداً بين العاملين المدنيين بوزارة الداخلية بقطاع المرور، وموظفي الشهر العقاري والمحاكم، الذين يمثلون العدد الأكبر من العمالة الحكومية الناشطة حالياً بكامل طاقتها. بالإضافة إلى العاملين بوزارة العدل والخبراء القضائيين، وصولاً إلى القضاة أنفسهم، وبدرجة أقل تأتي شكاوى العاملين بمديريات التموين والتعليم والمرافق من كهرباء ومياه وغاز.

مع العلم أن العدد الإجمالي لحالات كورونا المسجلة في مصر تجاوز 42 ألفاً بعد تسجيل أكبر عدد يومي، أول من أمس الجمعة، بواقع 1577 إصابة جديدة في نهاية أسبوع شهد تسجيل أكثر من 10 آلاف إصابة رسمية، بعد ساعات من إعلان الحكومة تخفيف التدابير الاحترازية المتبعة من اليوم الأحد ليبدأ حظر التجول يومياً من الثامنة مساء حتى الرابعة صباحاً، ما يعني تخفيض مدة الحظر ساعة، وزيادة مدة فتح المحلات التجارية والمراكز التجارية حتى السادسة مساء يومياً، وإلزام جميع المواطنين في الشوارع والمنشآت بارتداء الكمامات، والإعلان عن عودة السياحة والطيران الداخلي تدريجياً الشهر المقبل، وكذلك دور العبادة والأندية الرياضية.