Facebook Post |
وكانت أخبار الرئيس المولع بالظهور الإعلامي قد اختفت من وسائل الإعلام الكورية الشمالية الرسمية بعد إيرادها خبراً في 12 نيسان/ إبريل أفاد بتفقده أحد مقارّ الدفاع الجوي دون أن تورد صوراً للخبر، ولتبقى الصور الأخيرة التي نُشرَت له توثق ترؤسه اجتماعاً للمكتب السياسي لحزب العمّال الحاكم في 11 نيسان/ إبريل.
وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يغيب فيها الزعيم المثير للجدل، إذ غاب لستة أسابيع عام 2014 قبل أن يظهر مجدداً متكئاً على عصا، حيث أكدت الاستخبارات الكورية الجنوبية حينها أنه خضع لعملية جراحية في الكاحل، ولكنها المرة الأولى التي يغيب فيها عن احتفالات ذكرى ميلاد جده، كيم إيل سونغ مؤسّس النظام الكوري الشمالي في 15 نيسان/إبريل، وهي واحدة من أبرز المناسبات السياسيّة في البلاد. وقد فتح هذا الغياب الباب واسعاً أمام تأويلات متباينة شغلت العالم على مدار أيام عديدة قبل أن ينهيها بظهوره في حفل افتتاح مصنع للأسمدة.
صاحب القلب المتعب
وكان الجدل قد تصاعد حول سلامة كيم، بعد أن نشر موقع "دايلي إن كاي"، الذي يديره كوريون شماليون منشقون، خبراً مفاده أن الزعيم الكوري الشمالي خضع في 12 نيسان/ إبريل لعملية جراحية طارئة إثر تفاقم مشكلاته في القلب والأوعية الدموية. وعلى الرغم من أن الرئيس يبلغ من العمر 36 عاماً فقط، فإنه مدخّن شره، ويعاني من البدانة، وبحسب مصادر متعددة، فإنه مصاب كوالده بمرض السكر.
وأكّد الموقع ذاته أن الرئيس يخضع لفترة نقاهة في فيلا في مقاطعة فيون غان على الساحل الشرقي للبلاد.
لكن شبكة "سي إن إن" عادت لتنقل عن مسؤول أميركي قوله إن واشنطن "تدرس معلومات" تفيد بأن كيم جونغ أون "بخطر شديد بعد عملية جراحية"، وأن المضاعفات ربما جعلت منه "عاجزاً أو أسوأ". وقد فجّر هذا التصريح عاصفة من التكهنات حول سلامة الرئيس الكوري الشمالي، وصلت إلى تأكيد بعض المصادر أنه توفي بالفعل.
وفي السياق نفسه، نشرت نقلت "رويترز" عن ثلاثة مصادر مطلعة أن الصين أرسلت فريقاً إلى كوريا الشمالية يضم خبراء في الطب لتقديم النصح بشأن صحة كيم جونغ أون، وأوضحت "رويترز" أن الفريق الطبي الصيني برئاسة عضو كبير في إدارة الاتصال الدولي بالحزب الشيوعي الصيني، مشيرة إلى أن هذه الإدارة هي الهيئة الصينية الرئيسية التي تتعامل مع كوريا الشمالية المجاورة. ولم تردّ الصين على طلب الوكالة للتعليق على صحة الخبر.
وحده كيم يون تشول، وزير الوحدة في كوريا الجنوبية، بقي مصراً على أن جميع الأنباء التي تتحدث عن أن كيم خضع لتدخل طبي في القلب، وأن فريقاً طبياً صينياً زار كوريا الشمالية، هي "أخبار كاذبة" ولا أساس لها من الصحة، وأن تغيّب كيم عن احتفالات نيسان/ إبريل لا يعدو كونه ضمن الإجراءات الاحترازية للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
فخ لضرب مصداقية المعارضين
وبظهور كيم وتأكيد كوريا الجنوبية عدم خضوعه لعمل جراحي، تحوّل البحث إلى وجهة أخرى، حيث رأت صحيفة "ذا صن" البريطانية أن السبب الحقيقي وراء غياب كيم كان ضرب مصداقية المنشقين عنه ومعارضيه عبر السماح لهم بالتمادي في نشر الأخبار والشائعات. وبالفعل، فقد وضع ظهور الرئيس معارضيه في موقف لا يحسدون عليه، حيث اعتذر ثاي يونغ هو، نائب السفير الكوري الشمالي السابق في بريطانيا، وأحد أبرز المنشقين عن النظام، عن مزاعمه حول تدهور صحة كيم. وقال في بيان مخاطباً من انتخبوه لعضوية البرلمان في كوريا الجنوبية الشهر الماضي: "إنني أدرك أن أحد أسباب تصويت كثيرين منكم لي كمشرّع هو توقعات التحليل الدقيق بشأن قضايا كوريا الشمالية". وأضاف: "أشعر باللوم والمسؤولية الثقيلة". وفي سياق مشابه أوردت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية اعتذار جي سيونغ هو، المنشق البارز الذي انتخب هو الآخر لعضوية البرلمان الكوري الجنوبي، وقال في بيان: "لقد فكرت في نفسي خلال الأيام القليلة الماضية، وشعرت بالموقف الذي أنا فيه، كشخصية عامة، سأتصرف بعناية". وكان جي قد قال في مقابلة سابقة إنه على يقين بنسبة 99 في المائة من وفاة كيم بعد خضوعه لجراحة في القلب والأوعية الدموية.
وانتقد الحزب الديمقراطي الحاكم في كوريا الجنوبية المنشقين بسبب الإهمال ونشر الأخبار الكاذبة، وطالب باستبعادهما من لجنتي الأمن والدفاع، فيما اتهمهما عضو برلماني آخر بأنهما لا يقدمان مساهمة حقيقية في المجتمع الكوري الجنوبي.
ولم يقتصر ضحايا شائعات وفاة كيم جونغ أون على معارضيه أو المنشقين عنه. فبحسب موقع فوكس تايوان، خضع رئيس المخابرات التايوانية والمدير العام لمكتب الأمن القومي تشو كو تشنغ لجلسة استجواب برلمانية بعد أن أدلى في 30 نيسان/ إبريل، أي قبل يوم واحد من ظهور كيم، بتصريح جرى تناقله بشكل واسع قال فيه إن الرئيس الكوري الشمالي مريض. ودافع تشو عن نفسه في جلسة الاستجواب مبرراً أن كلامه كان إجابة عن أسئلة ألحّ البرلمانيون على طرحها، ولم يتطوع هو لتقديمها، وأن ما قدمه كان بناءً على معلومات، وليس رأياً شخصياً.
الموت للبحث عن الخونة!
تفسير آخر لغياب كيم تسوّقه "ذا صن" البريطانية، إذ ترى الصحيفة أن من نقل الأخبار الكاذبة عن مرض كيم ووفاته كان ضحية مصادر داخلية، هي الأخرى كانت ضحية مؤامرة من كيم، إذ ربما لفّق كيم خبر موته لفضح الخونة في دائرته الداخلية وكشف الطامعين في السلطة وقياس ردود فعل الناس. وتوقع بعض المراقبين أن تشهد الأيام القادمة حملات تطهير في بنية النظام، لا تخلو من تصفيات بطرق غريبة، كما عهد عنه، حيث سبق له في عام 2013 أن أعدم زوج عمته تشانغ سونغ ثيك، الرجل القوي في الدولة، بتهمة الفساد ومحاولة قلب نظام الحكم. ويُقال إنه أعدم وزير دفاعه هيون يونغ تشول رمياً بصاروخ مضاد للطائرات إثر نومه في عرض عسكري حضره الرئيس. وتتعدد الروايات حول الإعدامات الغريبة والوحشية التي نفذها كيم بمسؤوليه، لكنها تبقى روايات تفتقر إلى التأكيد والدقة، وقد تكشف الأيام عدم صحتها، كما حصل عندما ظهرت عمته كيم كونغ هوي بعد اختفاء دام ست سنوات، دفع بعض المصادر إلى التأكيد أنها أُعدمت بالسم بعد إعدام زوجها.
وترى صحيفة صاندي لايف أن الزعيم الكوري الشمالي لا بد أنه يشعر بالرضى والسعادة أمام سيل التكهنات الإعلامية الغربية عن اختفائه، لأن من شأن ذلك أن يساهم في تعزيز حالة الغموض والشك التي تحيط بالبلاد ونظامها الحاكم، وأن كيم، ووالده من قبله، حرصا على نشر القصص والأخبار الزائفة لتعزيز السيطرة على البلاد التي تقبع في أسفل سلّم التصنيفات العالمية في التنمية والاقتصاد وحرية التعبير وحقوق الإنسان.