الأردن بمواجهة الضمّ الإسرائيلي: خيارات تحرك ترتبط بالإرادة السياسية

08 مايو 2020
لم تتخط ردود عمّان الإدانة والشجب (ليث الجناد/الأناضول)
+ الخط -

يقف الأردن اليوم أمام تحدٍ وجودي، في ظلّ تسارع الخطوات الإسرائيلية الهادفة إلى ضمّ أراضي غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، في وقت تزداد فيه معاناة المملكة الاقتصادية في مواجهة جائحة كورونا، التي أصبحت بؤرة اهتمام الدولة لتجنب أي آثار متوقعة على الاستقرار الداخلي.

وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بأن الأمن القومي الأردني هو "اللاجئون والقدس والحدود"، وأن الأردن لن يرسم حدوداً مع إسرائيل، إلا أن توجهات سلطات الاحتلال تعني صناعة ورسم تفاصيل جديدة في الجهة الغربية من الحدود الأردنية، في وقت لم تخرج فيه ردود فعل عمّان عن الإدانة والشجب.

وبينما يرى الكثير من الأردنيين أن المملكة لديها خيارات عديدة، في مواجهة المشاريع الإسرائيلية، أبرزها وقف اتفاقية الغاز مع الاحتلال، وتعطيل بعض بنود اتفاقية "وادي عربة"، مثل وقف التعاون الأمني والتبادل الاقتصادي، إلا أن الأمر يتوقف على الإرادة السياسية الأردنية. ويقول مسؤولون أردنيون في أحاديث داخل الغرف المغلقة، وفق معلومات "العربي الجديد"، إن الأردن لا يستطيع بشكل منفرد، وفي ظلّ التفكك العربي، مواجهة القرارات الإسرائيلية التي تُتخذ بدعمٍ أميركي، من دون وجود مظلة للحماية، لا سيما في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها المملكة.


أما الموقف الأردني المعلن من ضمّ الأراضي الفلسطينية، فأعاد الصفدي تأكيده خلال اتصال الأسبوع الماضي مع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بالقول إن أيّ قرارٍ إسرائيلي بضم أراضي غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت والمستوطنات في فلسطين المحتلة، سيقتل حلّ الدولتين، وسيقوّض الأسس التي قامت عليها العملية السلمية، وسيفجر الصراع. كما دانت الخارجية الأردنية في بيانٍ أمس الخميس، إعلان الاحتلال أول من أمس، الموافقة على خطّةٍ لبناء سبعة آلاف وحدة سكنية في مستوطنة "إفرات" في الضفة الغربية، محذرة من أن استمرار سياسة الاستيطان "يقتل فرص السلام".

أما الجانب الإسرائيلي ممثلاً برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكلٍ خاص، فلا يلقي بالاً للمطالب الأردنية، أو حتى مصالحه مع الجار الشرقي، والتي يعتبرها في كثير من الأحيان تحصيل حاصل.

وعن هذا الموضوع، رأى الكاتب والصحافي المختص في الشأن الفلسطيني، داود كتاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الوقت ليس وقت بيانات وإعلان مواقف، بل هو وقت اتخاذ خطوات، والمطلوب اليوم من الأردن التحرك استباقاً لأي قرار إسرائيلي، موضحاً أنه عندما يحسم الكنيست أمراً، يصعب التراجع عنه. ولفت كتاب، إلى أن المطلوب (من عمّان) إيصال رسالة جادة بشكلٍ مبكر، وسحب سفير المملكة من تل أبيب في حال تشكيل حكومة إسرائيلية توافق على مبدأ ضمّ أراضي الضفة والأغوار، وهو ما يعني أن حدود الأردن مع إسرائيل ستتغير، مع أن اتفاقية "وادي عربة" بُنيت على دقّة الحدود.

وأشار الكاتب الأردني إلى أن المشكلة تكمن "في إقناع الطرف الإسرائيلي بجديتك، ومنها مثلاً الموقف من اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل"، لافتاً إلى أن عمّان خلال السنوات الأخيرة سحبت سفيرها من تل أبيب ثلاث مرات، وكان آخرها بسبب اعتقال شاب وفتاة، وعلى أهمية الأمر الأخير، إلا أن محاولة ضمّ الأغوار والمستوطنات هي أكثر خطورة على الحقوق والمصالح الأردنية، الأمر الذي يعني أن سحب السفير يجب أن يكون تحصيل حاصل، والمطلوب قرار أكثر قيمة.

ولمّح كتاب إلى أنه قد تكون هناك دعوة أردنية للجنرال بني غانتس (زعيم تحالف كاحول لفان الإسرائيلي) لزيارة الأردن قبل شهر يوليو/تموز المقبل، وألا تكتفي المملكة بالحديث مع نتنياهو، بل الحديث وجهاً لوجه مع غانتس، والتأكيد أن رفض الضمّ قرارٌ جدي ولا تراجع عنه، لأنه موضوع وجودي بالنسبة للأردن.

ومن ضمن اقتراح الخطوات، قال كتاب إنه "يمكن للأردن عقد قمة ثلاثية للأطراف الموقعة على اتفاقيات سلام مع إسرائيل (الأردن ومصر وفلسطين) ليكون هناك موقفٌ جماعي من هذا التوجه"، لافتاً إلى أنه لم يصدر أيضاً عن الولايات المتحدة قرارٌ رسمي في هذا الاتجاه حتى الآن. ولكنه استدرك أنه في حال إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الموافقة على القرارات الإسرائيلية، فإن ذلك يضع الأردن في موقفٍ حرج، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها المملكة، لا سيما بعد كورونا. وبرأيه، فإن عمّان تتلقى مساعدات مالية سنوية تتجاوز 1.2 مليار دولار من واشنطن، الأمر الذي يعني أن أي قرار أردني يحتاج إلى مظلة عربيةٍ أو إسلامية، وحتى من أوروبا، التي ترفض التوجهات الإسرائيلية. كذلك أشار إلى أن المملكة لديها خيارات أكبر من سحب السفير وأقل من إلغاء اتفاقية السلام، ومنها وقف اتفاقية الغاز، وتعطيل بعض بنود اتفاقية "وادي عربة" مثل وقف التعاون الأمني والتبادل الاقتصادي، وعلى الأردن وضع "وادي عربة" على الطاولة.

من جهته، رأى القيادي البارز في "الحركة الإسلامية الأردنية"، زكي بني إرشيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المصلحة والضرورة اليوم تقتضي أن يسير الأردن "عكس نصائح الطبيب" وفق ما كتبه الملك عبد الله الثاني في صحيفة "واشنطن بوست"، فبكل الأحوال، الأردن متضرر من ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن.

واعتبر بني إرشيد أن مشروع الضم، يمثل "أكبر عملية سطو على المزيد من الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وارتكاب جريمة تبييض ومحاولة غسل للممتلكات المسروقة بالتعاون مع إدارة ترامب، الذي يعاني من تداعيات فشل إدارته في مواجهة كورونا من جهة، ومن تدهور الاقتصاد وتفشي البطالة في مرحلة السباق الانتخابي للبقاء في البيت الأبيض، والذي يسعى للحفاظ على أصوات اللوبي الصهيوني في أميركا وإرضاء اليمين المتطرف."

وأوضح بني إرشيد أن الأردن يملك أوراق قوة ذاتية وأخرى إقليمية ودولية، فمع الاحتفاظ بالموقف المبدئي الشخصي الرافض لاتفاقية "وادي عربة"، فإن هذا الإجراء يُصنف على أنه من أكبر الاختراقات من جانب إسرائيل لتلك الاتفاقية، باعتبار أن قرار الضم هو قرار أحادي يؤثر سلباً على المصالح الأردنية وينهي مشروع قيام الدولة الفلسطينية، ما يفتح أبواب المخاطر المتعلقة بـ"صفقة القرن" (خطة الإدارة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة الأردنية.


وبحسب القيادي البارز في "الحركة الإسلامية الأردنية"، فإنه "يستوجب هذا التطور الخطير إعادة ترتيب العلاقة مع إسرائيل، واعتبار هذا الإجراء فرصة مناسبة لإلغاء اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وفي السياق نفسه إعادة النظر باتفاقية وادي عربة بمجملها، لافتاً إلى أن الأردن يمتلك إجراءات أخرى تتعلق بتعزيز صمود الداخل الفلسطيني، وبذل الجهد المناسب لعقد مصالحة فلسطينية تنهي حالة الانقسام.

وحول الخطوات المقترحة أيضاً، رأى بني إرشيد أن "بإمكان الأردن الدعوة إلى عقد قمة عربية وأخرى لمنظمة التعاون الإسلامي لبحث هذا الموضوع، وطرح مبادرة عربية توجب وقف كل أنواع العلاقة مع إسرائيل وإغلاق ملف التطبيع، إلى جانب تفعيل الدبلوماسية الأردنية في التقاط الفرص الدولية الرافضة لهذه الخطوة على مستوى الحكومات والبرلمانات الأوروبية والدولية ومجموعات الضغط الأوروبية".

وشدد القيادي في "الحركة الإسلامية" على أن ثمة إجراءات رادعة أخرى تملكها الدولة الأردنية لو أرادت، فصفقة الغاز كانت بمثابة "عقد تلزيم" لعمّان فرضه الأميركيون، وهذا العقد اليوم، ووفق القانون البريطاني، يمكن أن يخضع لإعادة التعاقد، أو حتى للفسخ وفقاً لشرط القوة القاهرة. ورأى أن الحالة المرتبكة في إسرائيل مقابل الحالة المستقرة في الأردن، تمنح عمّان الأفضلية في وضع شروط على الطاولة، داعياً إلى استغلال حالة الغضب البريطانية من القرار الإسرائيلي (بريطانيا لوّحت بفرض عقوبات على إسرائيل لمرةٍ نادرة، إذا مضت في سياق ضمّ الضفة الغربية)، وحالة الغضب الأوروبية التي تحوّلت لتلاسن عنيف بين المفوضية الأوروبية والحكومة الإسرائيلية حول ذات الملف ما يشجع على بناء تحالف ضاغط ضد التوجه الإسرائيلي.

من جهته، لفت مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، جواد الحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المملكة أعلنت من حيث المبدأ موقفاً واضحاً، وفي وقت مبكر، برفض الفكرة أساساً، لأنها تمس الحقوق الفلسطينية، وتنقض معاهدة وادي عربة، ولأنها تشكل تهديداً أمنياً واستراتيجياً على الأردن بشكل مباشر، مضيفاً أن "الأردن بذل جهوداً كبيرة لتنوير العالم بمخاطر هذه السياسة وحذر منها، واعتقد أن الدولة مستعدة للذهاب أبعد من ذلك في حال قامت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هذه السياسة، خصوصاً ما يتعلق باعادة النظر بالعلاقات مع إسرائيل، سواء عبر المعاهدة أو صفقة الغاز أو التطبيع".

ورأى الحمد أن "الأردن يعد الدولة الأقوى على مواجهة إسرائيل في المنطقة، وتشكل حدوده مع فلسطين المحتلة مصدراً خطراً لتهديد الأمن الإسرائيلي، وأي سياسات أردنية مناهضة لإسرائيل في المجتمع الدولي يُنظر لها بجدية كبيرة، في ظلّ تصنيف الأردن من دعاة السلام ومن الدول المعتدلة والحليفة للغرب في المنطقة".

ولفت الحمد إلى أن الأردن وقّع على اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ العام 1994، وطبّع علاقاته الرسمية مع دولة الاحتلال سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بناء على اتفاق أوسلو الذي وقعته إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والذي افترض الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة خلال خمس سنوات، لذلك فإن مبرر توقيع المعاهدة واستمرارها اهتز كثيراً منذ ذلك الوقت، وبقيت خيوط ضعيفة جداً تنظمه، والحكومة الأردنية تلاقي معارضة شعبية كبيرة ضد المعاهدة حتى في البرلمان، وإجماع البرلمان على رفض اتفاقية الغاز بقيمة 10 مليارات دولار مع إسرائيل. ولذلك، بحسب مدير مركز سياسات الشرق الأوسط، فإن توتر العلاقات الإسرائيلية الأردنية الشديد، ربما يدخل الطرفين في معركة دبلوماسية واقتصادية تؤثر على إسرائيل. من هنا، فإن تلويح عمّان بتجميد العلاقات أو سحب السفراء أو توقف دورها في تشجيع عملية السلام مع إسرائيل عربياً وفلسطينياً، سيؤثر كذلك على الوضع الجيو-استراتيجي لإسرائيل".

وأكد الحمد أن المملكة تملك العديد من الأوراق السياسية والإعلامية والقانونية والاقتصادية، بل والأمنية، في مواجهة هذا التطرف الإسرائيلي في حال شرع بتطبيق عمليات الضم المعلنة، لافتاً إلى أن الأمر "يتوقف على الإرادة السياسية الأردنية والقراءة الصحيحة لخطورته، والكفاءة في خوض المعركة الإعلامية والدبلوماسية والتنسيق المتين مع الجانب الفلسطيني".

أما بالنسبة إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فرأى الحمد أن الحكومة الجديدة لدولة الاحتلال بين غانتس ونتنياهو، هي حكومة حرب بالمعنى الدقيق ضد الفلسطينيين، سواء الحرب السياسية أو الامنية أو العسكرية أو الاقتصادية، فهي تتبنى سياسات تنسف كل الأسس التي وافق الفلسطينيون على الدخول في عملية مفاوضات بسببها، داعياً إلى شنّ معركة إعلامية سياسية قانونية ضد الاحتلال على المستويات المختلفة، بما فيها داخل الأمم المتحدة ومؤسساتها المختصة.