خلال عيد الفطر الماضي، عادت قضية مقبرتي مخيم اليرموك جنوبي دمشق إلى الواجهة مجدداً نتيجة ممارسات النظام وروسيا والمتمثلة في إحراق إحدى المقبرتين، ومنع الدخول نهائياً للثانية.
وفي تقرير لها أخيراً، نقلت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" عن مدنيين في مخيم اليرموك، قولهم إنّ قوات النظام السوري منعتهم من الوصول إلى المقبرة القديمة في مخيم اليرموك لزيارة قبور موتاهم خلال عيد الفطر. ولفت عدد من أبناء المخيم للمجموعة، إلى أنهم حاولوا الدخول من جهة شارع الثلاثين، لكن حاجز النظام الموجود عند فرن "صيام" منعهم من دخول الشارع الذي يؤدي إلى المقبرة. وأكد المدنيون في المخيم مشاهدتهم لجنود من القوات الروسية على بوابة ومحيط "مقبرة الشهداء القديمة"، حيث يرجح استمرار أعمال نبش القبور، بحثاً عن رفات جنود للاحتلال الإسرائيلي فقدوا في لبنان سابقاً.
من جهته، أوضح مصدر مطلع تحدث لـ"العربي الجديد" شرط عدم ذكر اسمه، أنّ منع الوصول إلى المقبرة القديمة الواقعة وسط مخيم اليرموك، ساري المفعول منذ سيطرة قوات النظام على المخيم قبل عامين. وقال إنّ القوات الروسية تعمل على نبش قبور المدفونين هناك، وإخراج رفاتهم أو أجزاء منها، ليتم فحصها في مقر كان يتبع لـ"جيش التحرير الفلسطيني" داخل المقبرة، وتمّ تحويله إلى مختبر.
وكانت إسرائيل أعلنت مطلع أبريل/نيسان من العام الماضي، أنها استعادت رفات جندي كان قد فقد خلال غزو لبنان عام 1982، وذلك عبر دولة ثالثة. وقال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي وقتها: "إنّ رفات الجندي زخاريا باومل المولود في الولايات المتحدة وفقد منذ معركة السلطان يعقوب (في لبنان)، أصبح في إسرائيل". وقال بيان لجيش الاحتلال بدوره، إن "رفات الجندي عادت إلى البلاد بعد 37 عاماً، خلال عملية سرية بقيادة هيئة الاستخبارات العسكرية". وعلى الأثر، أفرجت إسرائيل عن أسيرين سوريين رداً على إعادة رفات الجندي، حيث تم نقلهما بواسطة الصليب الأحمر عبر معبر القنيطرة في هضبة الجولان، وهما خميس أحمد البالغ 35 عاماً من مواليد مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية، والذي كان اعتقل قبل 14 عاماً لدى محاولته التسلل إلى قاعدة للجيش الإسرائيلي، وزيدان طويل البالغ من العمر 57 عاماً من سكان بلدة الخضر في الجولان المحتل. وقالت الإذاعة الإسرائيلية إنه أفرج عن الاثنين "كبادرة حسن نية على خلفية تسلّم إسرائيل رفات الجندي الإسرائيلي باومل الذي كان مدفوناً في سورية".
اقــرأ أيضاً
أما المقبرة "الجديدة" الموجودة في نهاية مخيم اليرموك، والتي أقيمت اعتباراً من مطلع ثمانينيات القرن الماضي نتيجة الاكتظاظ في المقبرة الأولى، فهي تتعرض لمحاولات "طمس وتدمير"، بحسب المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد".
وأضاف المصدر أنّ "شواهد القبور في المقبرة تعرضت للتكسير والتخريب المتعمّد، بحيث بات يصعب على أي زائر التعرّف على قبر أي أحد". وقال: "جرى تحطيم الشاهدات كلها تقريباً، فضلاً عن الخراب والدمار الذي كانت تعرضت له المقبرة سابقاً نتيجة القصف المتكرر من قبل قوات النظام السوري خلال أحداث الحرب".
وأشار المصدر نفسه، إلى أنه "بالإضافة إلى هذا التخريب المتعمد للمقبرة، أقدم مجهولون يعتقد أنهم على صلة بالنظام السوري، على إحراق مقبرة مخيم اليرموك الجديدة في أول أيام عيد الفطر الماضي، بهدف الإمعان في تشويه معالم المقبرة، وعدم تعرف الأهالي على قبور أقاربهم".
وكان مخيم اليرموك تعرّض في التاسع عشر من أبريل عام 2018، لعملية عسكرية من قبل النظام بهدف طرد تنظيم "داعش" منه، بدعم جوي روسي ومشاركة فصائل فلسطينية، ما أدى إلى تدمير 60 في المائة من المخيم، بما في ذلك إلحاق الخراب بالقبور، فضلاً عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين.
وأعرب المصدر عن اعتقاده بأنّ "العبث بالقبور فعل متعمد، من ضمن السياسة التي ينتهجها النظام السوري حيال المخيم، بهدف محوه عن الخارطة، وإقناع الأهالي بعدم التفكير مجدداً بالعودة إليه"، لافتاً إلى أنه "بعد عامين من طرد داعش من المخيم، لم يسمح للأهالي بالعودة إلى بيوتهم، على الرغم من تبرع السلطة الفلسطينية بمبلغ مليوني دولار لتمويل عمليات إزالة ورفع الركام والأنقاض لفتح الطرقات الرئيسية داخل المخيم وللوصول لمقبرة الشهداء".
وأوضح المصدر أنه "تمت إزالة الركام من الشوارع الرئيسية فقط، بينما ما زالت الحارات والأزقة مليئة بالهدم والركام، هذا فضلاً عن بيوت الأهالي التي تعرضت وما تزال، لعمليات تعفيش منظمة تقوم بها مجموعات مسلحة بإشراف قوات النظام، بحيث لم تترك للأهالي أي شي، فحتى قضبان الحديد في المنازل تمت سرقتها".
وكانت وسائل إعلام مقربة من النظام ذكرت في الأسابيع الأخيرة، أنه بعد اجتماع ضم وزير الإدارة المحلية لدى النظام حسين مخلوف، ومحافظ دمشق عادل العلبي والمدير العام لمؤسسة اللاجئين علي مصطفى، بدأت لجان فنية مكلفة من المحافظ بعملية مسح لبيوت المخيم، من أجل تحديد تلك الصالحة للسكن والتي تحتاج لترميم، على أن يتم بعدها العمل على تأهيل البنية التحتية، ومن ثمّ تنظيم عودة الأهالي للمخيم.
ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن عضو المكتب التنفيذي لقطاع الخدمات والمرافق ورئيس لجنة استلام منطقة اليرموك، سمير الجزائرلي، قوله إنّ "هناك مقترحا لمخطط تنظيمي جزئي للمنطقة لكون المخيم له حساسيته"، لافتاً إلى أنّ المخطط التنظيمي لعام 2004 الصادر عن اللجنة المحلية والمصادق عليه من وزارة الإدارة المحلية، لم يعد يفي بالغرض بسبب "الأعمال الإرهابية" التي أدت لتدمير المخيم. وتابع الجزائرلي أنه سيتم فحص العقارات إذا ما كانت قابلة للسكن، أو متصدعة بحاجة لتدعيم للقيام بتدعيمها، أو متهدمة وغير قابلة للسكن ليطبق عليها المخطط التنظيمي، لافتاً إلى أنّ التنظيم سيكون عبارة عن بعض التعديلات فقط على الوضع الراهن، من دون الحاجة إلى هدم كلي وإعادة بناء بالكامل.
وبحسب الجزائرلي، فانّ شركة هندسية وضعت ثلاثة حلول للتعامل مع مخيم اليرموك؛ الأول يعتمد على إعادة ترميم بعض الشوارع وإعادة تأهيل المناطق الأكثر تضرراً، والثاني إعادة ترميم المناطق الأكثر تضرراً وإبقاء "المخيم القديم" على وضعه حسب التنظيم القديم 2004 المعدل عام 2013، والثالث إعادة ترميم كامل للمخيم. وأوضح أنه تمّ التوافق على الحلّ الثاني، كونه مرتبطاً بـ"تعديلات بسيطة" في شارع اليرموك الرئيسي، لتبدأ بعدها عملية إعادة اللاجئين إلى منازلهم بشرط إثبات الملكية.
غير أنّ مصادر أهلية رجحت أنّ خطط النظام تفتقت عن حلّ "وسط" يقضي بالاستيلاء على معظم مساحة شارعي اليرموك وفلسطين، وتوكيل "إعادة إعمارهما" لشركات شريكة للنظام باعتبارهما قريبين جداً من قلب العاصمة (7 كيلومترات) مع الإبقاء على منطقة المخيم القديم، أي قبل توسّع المخيم في سبعينيات القرن الماضي، وهي مساحة ضئيلة قياساً لمجمل مساحة المخيم.
من جهته، استبعد المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أي عودة قريبة للأهالي، مرجحاً فيما لو تمت العودة في وقت ما، أن تكون "بائسة" ولعدد محدود جداً من المهجرين، بهدف التسويق الإعلامي، خصوصاً أنّ أكثر من نصف سكان المخيم باتوا اليوم خارج سورية.