أزمة مضبوطة داخل الأغلبية المغربية بانتظار الانتخابات

03 مايو 2020
سيتواصل التطاحن حتى تنظيم الانتخابات في 2021 (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
تعيش الأغلبية الحكومية في المغرب على وقع أزمة جديدة بين حزبي "العدالة والتنمية" وحليفه حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، تعيد إلى الواجهة موضوع انسجام مكوناتها الرئيسية، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول تداعياتها. وتسبب تسريب مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، في الأسبوع الحالي، بغضب عارم لدى قيادات حزب "الاتحاد الاشتراكي"، بعد أن طاولت انتقادات حادة، صادرة عن رواد مواقع التواصل الاجتماعي والأوساط الحقوقية والسياسية، وزير العدل محمد بنعبد القادر، بصفته "عراب" المشروع.

ووسط الجدل الكبير الذي أثاره مشروع القانون باعتباره ردة حقوقية، ومحاولة لتقييد حرية الرأي والتعبير، بدا واضحاً أن قضية التسريب أدخلت التحالف الحكومي في أزمة جديدة، بعد أن وصف "الاتحاد الاشتراكي" قيادات "العدالة والتنمية" بأصحاب "المزايدة بالبطولة الوهمية والابتزاز والاستبداد على شركائهم، وأنهم أصحاب الانقلاب على المواقف، بعدما سحبوا تعديلاتهم على القانون الجنائي، سواء في ما يتعلق بالحريات الفردية أو الإثراء غير المشروع". وليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها الحزبان في صراع، بل سبقها في فبراير/شباط الماضي، جدال كبير بينهما بشأن قانون "محاربة الإثراء غير المشروع"، بعد أن عارض أعضاء من "العدالة والتنمية" طلب وزير العدل محمد بنعبد القادر سحب القانون الجنائي المثير للجدل من البرلمان.

كما أثارت دعوة قيادة حزب "الاتحاد الاشتراكي"، المشارك في الائتلاف الحكومي، قبل نحو أسبوعين، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لانتشار فيروس كورونا، جدلاً ونقاشاً في المغرب، فيما رأى فيها بعض المتابعين دعوة إلى "قلب (إطاحة) حكومة سعد الدين العثماني"، وإقالة رئيسها. ولئن كانت أزمة مشروع القانون المتعلق بالمنصات الاجتماعية مُرشحة لمزيد من التصعيد، بسبب استمرار تبادل الاتهامات، ومحاولة كل فريق "توريط" الآخر، يرى رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط عبد الحفيظ إدمينو، أن الخلاف هذه المرة تعدى تأثيره على الحزبين الحليفين، بعد أن أصبح يمس صورة كل مكونات الأغلبية الحكومية لدى الرأي العام، مشيراً إلى أن هذا الوضع جعل كل حزب سياسي يحاول التنصل من مسؤوليته عن مشروع القانون المثير للجدل. ويعتبر إدمينو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عملية التسريب تدخل في سياق التنصل من المسؤولية، الذي شهدناه في مرحلة سابقة بين العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار، بمناسبة الجدل الذي كانت قد أثارته حينها الفاتورة الإلكترونية. إذ شهدنا كيف أن وزير المالية وحزبه تنصلا آنذاك من المسؤولية"، لافتاً إلى أن الأمر يتكرر اليوم، مع مشروع القانون الخاص بالمنصات الاجتماعية، الذي عملت عليه الحكومة.

وبحسب إدمينو فإن "التنصل من المسؤولية أمر طبيعي، في ظل وجود أغلبية حكومية تفتقد للحمة، أغلبية وجدت نفسها مضطرة للتحالف، وهي المفتقدة للمشروع الحكومي والسياسي وللتضامن الحكومي، الذي تنص عليه الوثيقة الدستورية والقانون التنظيمي الخاص بأشغال الحكومة"، معتبراً أن الأحزاب السياسية المغربية لم تتمكن بعد من تكريس ثقافة التضامن الحكومي، ببعدها السياسي والأخلاقي في الممارسة الحكومية. وعن مآل الخلاف بين "العدالة والتنمية"، قائد التحالف الحكومي الحالي، وحليفه حزب "الاتحاد الاشتراكي"، يقول إدمينو إن "أقصى ما يمكن أن يذهب إليه الخلاف هو السجالات وتبادل الاتهامات في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي". ويلفت إلى أن الخلاف داخل الأغلبية بات أمراً معتاداً منذ حكومة عبد الإله بنكيران، ويتم احتواؤه بسرعة ليظهر من جديد بصورة أخرى، لكن من دون أن يؤدي إلى انفجار تلك الأغلبية أو تفككها. ويضيف: "أتصور أن حدة الخلاف ستزيد، بعد تجاوز البلاد أزمة كورونا، وأن ما تبقى من الزمن السياسي لتنظيم الانتخابات في 2021، سيكون زمن التطاحنات بين مكونات الأغلبية، في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها".

من جهته، يتوقع الباحث في العلوم السياسية محمد شقير استمرار الخلافات بين مكونات الأغلبية الحالية، بالنظر إلى ما تعرفه من تنافرات سياسية وأيديولوجية، تجعل مناقشة كل مشروع قانون أو مبادرة تأخذ أبعاداً سياسية وتثير جدلاً وممحاكات، ولا سيما بين حزبي "الاتحاد الاشتراكي" و"العدالة والتنمية"، مبرزاً أن الخلاف بين الطرفين ازداد بشكل جلي منذ إبعاد عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة. ويرى شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما أثير حول مشروع قانون استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، ما هو إلا حلقة من حلقات ذلك الخلاف، لافتاً إلى أن ما زاد من حدته هو ارتباط المشروع بوزارة العدل التي يترأسها أحد قياديي "الاتحاد الاشتراكي". ووفق شقير فإن التداعيات والتجليات الحقوقية للمشروع، وتوقيت تمريره في ظرف يتسم بالتعبئة لمواجهة جائحة كورونا، جعلت الخلاف يأخذ بعداً سياسياً وأيديولوجياً يضاف إلى بعده الحقوقي، موضحاً أن تنزيل المشروع في هذه الظروف كان أحد الأسباب التي زادت من توسيع شقة الخلاف بين الحليفين، وهو الخلاف الذي تم تصريفه إعلامياً وفي منصات التواصل الاجتماعي. ويذهب الباحث المغربي إلى أن تفجر الخلاف اليوم، بين حزب رئيس الحكومة وحليفه، بعد أن كان الأمر مقتصراً على "العدالة والتنمية" و"الأحرار"، يُظهر أن الأغلبية الحالية كانت منذ تشكيلها غير منسجمة، ولا تقوم على أرضية سياسية وأيديولوجية، وحتى أخلاقية مشتركة، لافتاً إلى أن الخلاف الحالي ما هو إلا حلقة من حلقات الخلافات التي ستتبعها حلقات أخرى، ما دامت هذه الحكومة قائمة.

المساهمون