تونس: "الجمهورية الثالثة" تحيي سجال تغيير نظام الحكم

20 مايو 2020
يتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -


تزامنت في تونس، الاثنين الماضي، تصريحات ومواقف حزبية مختلفة، تدعو إلى تغيير نظام الحكم وتنادي بالجمهورية الثالثة، في التقاء غريب قد يكون من باب الصدفة، إلا أنه يدعو إلى التساؤل عن خلفيات هذه الدعوات وحقيقة أهدافها.

ولئن صدرت هذه المواقف، في أغلبها، عن شخصيات تتحدر من حزب نداء تونس ومشتقاته، فإن اللافت هو تصريح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، للإذاعة الرسمية، إذ قال إن الأزمة سياسية بامتياز، ولا بد من إجراء استفتاء شعبي لتقييم النظام السياسي، إن كان ناجحاً أو فاشلاً، أو يساعد توجهاً سياسياً معيناً على تولي مفاصل الدولة دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلاد. وأضاف الطبوبي أن البلاد دخلت في صراعات محاور إقليمية لم تتعودها منذ الاستقلال، مشيراً إلى وجود أطراف لا تؤمن بالدولة الوطنية وبرموزها.

وبرغم أن اتحاد الشغل يبقى بعيداً عن الصراعات الحزبية، وأن تساؤله يبقى مشروعاً بشأن الأزمة التي طالت وقد تكون أسبابها جوهرية، أي متعلقة بنظام الحكم ويجدر البحث فيها، إلا أن الدعوات الأخرى تدعو إلى التعجب، وتكشف عن خلفياتها الحزبية، خصوصاً من قبل أطراف أقصتها الانتخابات الأخيرة من المشهد. واعتبر مؤسس حزب مشروع تونس المنشق عن نداء تونس، محسن مرزوق، أن "الجمهورية الثالثة هي الحلّ، وتغيير النظام السياسي ضرورة، ورئيس الجمهورية تحدث عن سحب الوكالة والاستفتاء، الأمر الذي جعله يتعرّض لهجمة شرسة" حسب تعبيره. وأكّد مرزوق، لإذاعة "موزاييك"، أنه "لا مستقبل لتونس إلا بجمهورية ثالثة، لأن النظام السياسي الحالي ومعه النظام الانتخابي يأخذنا إلى الهاوية". واعتبر أنّ "محاولات إصلاح المنظومة السياسية فشلت، لأن كلّ الحكومات المتعاقبة قامت على المحاصصة والتحالف مع العدو لتكوين حكومة، واليوم حكومة (إلياس) الفخفاخ أكبر دليل على هذا الخور". ودعا رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى طرح مؤتمر حوار وطني لتغيير النظام.

من جهته، دعا حزب الأمل، الذي أسسته سلمى اللومي المنشقة عن نداء تونس، في بيان، إلى قيام "جمهورية ثالثة عادلة وتضامنية وديمقراطية"، وذلك كرد على "ما تعيشه تونس من أزمة ثقة في الطبقة السياسية ومؤسسات الدولة وحالة التعفن السياسي في الخطاب والممارسة، وطغيان سلطة الأحزاب وحساباتها الضيقة على منطق الدولة والمصلحة العليا للوطن وتفشي منطق الغنيمة والمحاصصة والفساد السياسي".

ورداً على هذه الدعوات، انتقد النائب عن حزب التيار الديمقراطي (المشارك في الحكم) محمد عمار دعوة مرزوق لتغيير نظام الحكم. وكتب عمار، في تدوينة نشرها على صفحته على موقع "فيسبوك"، أنه "من نكد الدهر أن يدعو محسن مرزوق هكذا إلى تغيير نظام الحكم. الرجل أنفق مالاً كثيراً من أجل دستور موازٍ والإطاحة بالترويكا وأن يكون وزيراً للخارجية، من أجل افتكاك بقايا نداء تونس من أجل أن يكون رئيساً". وقال أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، في تدوينة على صفحته على "فيسبوك": "سيظل بعض السياسيين الساخطين على صناديق الاقتراع يصرون على المطالبة بتغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي، اعتقاداً منهم أن ذلك وحده كفيل بتغيير موازين القوى وإرجاعهم لتصدّر المشهد، في حين أن الطريق الأنجع، في رأيي، هو القبول بقواعد وقوانين اللعبة الديمقراطية والتهيؤ للمنافسات المقبلة بدل محاولة هدم البيت على ساكنيه". وأضاف "نقاش النظام السياسي يجب أن يتم على نار هادئة، وبعيداً عن مناخات الدعوة للانقلاب على الشرعية، وعليه أن يبقى في إطاره الدستوري وألاّ يتحول إلى محاولة جديدة للهروب إلى الأمام، وإدارة الظهر للاستحقاقات الوطنية العاجلة".


القيادي بحركة النهضة محمد القوماني علّق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على هذه الدعوات، مبرزاً أنها "ليست وليدة اللحظة، وإنما تتجدد منذ (وضع) دستور 2014 من جهات غير راضية وغير قابلة لمنظومة الحكم. وهي في الواقع ذريعة تخفي الموقف الحقيقي وهو عدم رضاها عن نتائج الانتخابات الشفافة والنزيهة التي قادت النهضة إلى صدارة المشهد البرلماني". وأوضح القوماني أن "هناك تقاطعاً بين جهات مختلفة، بعضها منسوب إلى قيس سعيد، الذي يدافع عن وجهة رؤية مختلفة لنظام الحكم، لكنه لا يفصّلها ولا يفسرها، وتبقى غير واضحة بخصوص طريقة حكم البلاد، وجهات تحنّ للمنظومة القديمة وترفض كلياً المشهد السياسي وتعترض على النظام ككل، البرلماني والمحلي". وقال إن "هذه الدعوات تبقى مشروعة لو اعتمدت الطرق القانونية والدستورية التي تتيح ذلك، لكن عدم قبول نتائج الصندوق، واستهداف الديمقراطية تحت عنوان مقاومة الإسلام السياسي، مرة بربطه بالإرهاب وأخرى بأنظمة إقليمية، يكشف زيف الدعوات".

واعتبر القوماني أن "الغريب في هذه المرحلة أن قيس سعيد، الذي قيل عنه إنه يشكل ثورة ثانية عند انتخابه، سبق أن اتهم بأنه قريب من الإسلام السياسي، وبأن النهضة هي من أوصلته للحكم. لكن بعد أن فشلت هذه الدعاية، ركب مروجو تلك الادعاءات الموجة الشعبية المساندة لسعيد لتبرير مخططاتهم في استهداف الديمقراطية وإسقاط التجربة التونسية". وتوجه القوماني إلى من وصفهم بالصادقين في الدعوة إلى التغيير، مذكراً إياهم "بالتجربة المصرية، التي انخرطت فيها أطراف ديمقراطية من أحزاب وشخصيات وأخرى رافضة لخيار الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، لكنهم بعد ذلك وجدوا أنفسهم في شراك أطراف إقليمية وعسكرية أطاحت الديمقراطية باسم الثورة على الثورة، ثم استهدفت الجميع".

من جهتها، أكدت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة القوانين الانتخابية والبرلمانية منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد فصل في الدستور يتعلق بالنظام السياسي، أو يُعرّفه، وبالتالي فإنّ تغيير النظام السياسي ليس مرتبطاً بتغيير بند من بنود دستور 2014". وأوضحت أن "النظام السياسي هو نتاج لعدة عوامل، أهمها الصلاحيات الممنوحة لكل سلطة، وهنا نتحدث طبعاً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وطبيعة العلاقات بينهما وداخل السلطة نفسها، وطبيعة النظام الانتخابي". وقالت "عند الحديث عن تغيير النظام السياسي يجب أن نعرف الهدف المُراد بلوغه من هذا التغيير، وبالتالي وجب تحديد النواقص والصعوبات والعوائق التي لا نريد لها أن تتكرر، وانطلاقاً من ذلك يمكن مراجعة الصلاحيات والعلاقات وطريقة الاقتراع وغيرها".

وينص الدستور التونسي، في البنود الخاصة بتعديله، على أنه يحق لرئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب (73 نائباً على الأقل) المبادرة باقتراح تعديله، مع إعطاء الأولوية لمبادرة الرئيس. غير أنه يشترط أن يعرض رئيس البرلمان كلّ مبادرة لتعديله على المحكمة الدستورية، التي لم تتشكل بعد، فيما لا يمكن للمحكمة الدستورية الوقتية أن تحل محلها نظراً لمحدودية اختصاصها في مراجعة دستورية مشاريع القوانين فقط. وبعد استشارة المحكمة الدستورية، ينظر مجلس النواب في مبدأ التعديل، على أساس الحصول على الغالبية المطلقة، أي موافقة أكثر من 109 أصوات. وإثر هذا المسار التمهيدي الطويل يتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي ما لا يقل عن 145 صوتاً، على أن يعرضه الرئيس بعد ذلك على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين. ويعطي الدستور التونسي، في البند 82، لرئيس الجمهورية، استثنائياً، خلال أجل رد مشاريع القوانين التي تعرض عليه، بعد مصادقة البرلمان عليها، أن يستخدم صلاحية الاستفتاء على مشاريع قوانين في مجالات محددة، وهي المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية.