تشكل "الفيلق الخامس-اقتحام" أواخر العام 2016 مع تصاعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ليكون أبرز المليشيات الروسية في قوات النظام، إلى جانب "قوات النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن، إذ تتحكم روسيا بكل تفاصيل هذين التشكيلين من حيث قيادتهما وتمويلهما وتحركاتهما.
ويعتبر "الفيلق الخامس" أقلّ فاعلية وقدرة قتالية من "قوات النمر"، وهو يشمل ألوية عدة من بقايا المليشيات التي شكلها النظام السوري، مثل "لواء البعث" و"لواء صقور الصحراء" و"كوماندوس البحر"، قبل أن ينضم إليه لاحقاً الكثير من مقاتلي فصائل التسويات، وهم عناصر المعارضة الذين اختاروا البقاء في مناطقهم، بدل التهجير إلى إدلب.
وبالنسبة لمحافظة درعا، يعتبر "اللواء 88" بالقرب من بلدة غباغب شمالي المحافظة، من أكبر معسكرات الفيلق الخامس في سورية، وتتم فيه تدريبات لأفراد وضباط الفيلق على الرمي بالدبابات والرشاشات الخفيفة والمتوسطة وصواريخ "كورنيت" والراجمات.
وبعد إبرام اتفاقات التسوية في درعا بين النظام وفصائل المعارضة في صيف 2018، انقسمت مناطق السيطرة في المحافظة بين مناطق تحت جناح روسيا بقيادة "الفيلق الخامس" والذي يتخذ من مدينة بصرى الشام مقراً له، ويشمل نفوذه مجمل ريف درعا الشرقي، وأخرى تحت سيطرة قوات النظام مثل درعا المحطة ومعظم ريف درعا الشمالي، فضلاً عن مناطق لا تعتبر خاضعة فعلياً لقوات النظام أو روسيا وينتشر فيها السلاح كما في مناطق الريف الغربي، وإن كانت تنشط فيها تشكيلات "الفرقة الرابعة" و"الأمن العسكري".
وقد منحت روسيا قوات الفيلق الخامس جنوب سورية صلاحيات واسعة لضبط الأمن في مناطق سيطرة الفيلق، ومنع أي قوات أخرى من التوغل فيها، بما في ذلك قوات النظام السوري، مقابل محاولة كسب قوة عسكرية كبيرة لها في جنوب سورية تحت قيادة واحدة في درعا والقنيطرة تضم معظم الفصائل المعارضة سابقاً التي وقعت على اتفاقات التسوية. فضلاً عن رغبة روسيا في الحدّ من التغلغل الإيراني في المنطقة، خصوصاً في ضوء الأعداد الكبيرة لعناصر المعارضة الذين اختاروا البقاء في مناطقهم ورفضوا التهجير إلى شمال سورية، إذ تخشى روسيا من أن تتمكن إيران من تجنيدهم، أو قسم منهم للعمل لصالحها.
ويعتبر فصيل "قوات شباب السنة" سابقاً، بقيادة أحمد العودة، العمود الفقري للفيلق الخامس في محافظة درعا. وفي السياق، أوضح مصدر من المعارضة السورية في درعا في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ فصيل العودة تلقى على مدار سنوات دعماً مالياً وسياسياً من دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال غرفة "الموك" التي كانت تشرف على فصائل المعارضة في الجنوب السوري. ولفت كذلك إلى أنّ القيادي في المعارضة خالد المحاميد، المقيم في الإمارات، كانت تتم تهيئته من أجل العودة وقواته ليكون لهم دور في تسليم محافظة درعا لقوات النظام خلال اجتياحها للمحافظة في ربيع 2018، وهو ما كان. بدوره، سلّم فصيل "شباب السنة" بقيادة العودة مناطقه لقوات النظام من دون قتال يذكر، وكان ذلك بداية انهيار مقاومة الفصائل لاجتياح النظام، إذ توالت عمليات التسليم تباعاً إثر ذلك، ليتحوّل العودة بعدها من قائد لـ"قوات شباب السنة" التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، إلى قائد "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا.
وأضاف المصدر أنّ التطورات اللاحقة في محافظة درعا أشارت بوضوح إلى الدور الموكل للعودة وفصيله ضمن الفيلق الخامس، وآخر ذلك دوره في مساعدة قوات النظام في السيطرة على مدينة الصنمين بعد إخراج مقاتلي المعارضة منها مطلع شهر مارس/آذار الماضي إلى الشمال السوري. وقضى الاتفاق وقتها ببقاء من يرغب من المقاتلين بعد تسليم أسلحتهم على أن تضمن موسكو سلامتهم، مقابل تسليم مليشيات موالية للنظام موجودة في المدينة أسلحتها للفيلق الخامس، ليعيق ذلك سيطرة قوات النظام على مدينة الصنمين بشكل كامل بعد خروج المقاتلين، وانتشارها داخل الأحياء الغربية التي كان يتحصن بها مقاتلو المعارضة.
لكن هذا التنسيق الذي ترعاه روسيا بين قوات النظام وقيادة الفيلق الخامس في درعا، لا يمنع من حدوث توترات على الأرض بين الجانبين، إذ هاجمت مثلاً قوات من "شباب السنة" المنضوية ضمن الفيلق الخامس، حاجزاً تشرف عليه المخابرات الجوية والفرقة 15، في بلدة السهوة بريف درعا الشرقي نهاية مارس الماضي، وانهالت بالضرب على عناصر الحاجز والضابط المسؤول عنهم واقتادته إلى مدينة بصرى الشام معقل الفيلق الخامس. وشارك في الهجوم على الحاجز أحمد العودة نفسه وعناصره، وذلك بسبب تعرض الحاجز لأحد عناصر الفيلق الخامس، فضلاً عن الانتهاكات التي يقوم بها عناصره بحق أهالي البلدة، كأخذ إتاوات مالية من السيارات المحمّلة بالبضاعة. وقد هدد العودة بإزالة الحاجز من البلدة إذا واصل هذه التجاوزات.
وهذه ليست الحادثة الأولى التي تهاجم فيها قوات الفيلق الخامس قوات النظام السوري، إذ سبق أن هاجم أحمد العودة حواجز ومقرات لقوات الأسد على الحدود السورية - الأردنية بعد أوامر روسية في شهر أغسطس/آب 2018، لارتباط أحد ضباط النظام هناك بـ"حزب الله" اللبناني ومحاولة الترويج للحزب بين السكان المحليين الذين غالبيتهم من التجمعات البدوية، للانضمام إليه. كما هاجمت مجموعة من الفيلق الخامس في وقت سابق، دورية للجمارك السورية حاولت مصادرة بضاعة محال تجارية كبيرة في ريف درعا، ومنعتها من ذلك. وهو ما يشير إلى مدى الصلاحيات التي منحتها روسيا لقوات الفيلق الخامس في درعا بقيادة أحمد العودة، الذي يعتبر قائداً للواء الثامن في الفيلق.
في المقابل، فقد شهدت المنطقة الشرقية لمحافظة درعا صيف العام الماضي، عصياناً من قبل عناصر التسوية المنضمين للفيلق، بعد رفضهم مواصلة المشاركة في معارك النظام على جبهات حماة وإدلب، على الرغم من محاولات من الشرطة العسكرية الروسية لإقناعهم بالذهاب، وذلك بعد أن سقط العشرات منهم بين قتيل وجريح في تلك المعارك.
وشهد الجنوب السوري في الآونة الأخيرة تحركات من جانب روسيا لزيادة أعداد عناصر الفيلق الخامس، وفق تقارير محلية، أشارت إلى أنّ الجانب الروسي بدأ باستقطاب شبان جدد للانخراط في الفيلق، وهو يعمل على نقل جزء منهم إلى معسكرات في مدينة حمص، من أجل تدريبهم وتجهيزهم بدنياً وعسكرياً.
ويرى مراقبون أنّ الروس يسعون إلى زيادة مساحة سيطرة الفيلق الخامس في الجنوب إلى ما هو أبعد من مدينة بصرى الشام، والتي تعتبر المركز الأساسي لعناصر الفيلق، وذلك في ضوء حالة الفوضى الأمنية التي يعيشها الجنوب السوري منذ أشهر، والمتمثلة في تصاعد عمليات الاغتيال والتفجيرات التي تستهدف عناصر من قوات النظام أو قادة كانوا يعملون سابقاً ضمن فصائل المعارضة.