أزمة كورونا: ترامب عالقٌ بين معاداة الصين والعلوم

13 مايو 2020
وجد ترامب نفسه بمواجهة عدو غير مرئي (درو أنغيرير/Getty)
+ الخط -
فيما تستمر المعركة حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، في مواجهة فيروس "كوفيد 19"، لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مُصّراً على اختلاق التوترات في الداخل والخارج، للتعمية على سوء إدارة أميركية لأزمة كورونا، كان من الممكن أن تشكل فرصةً ثمينة له، لو أحسن استغلالها، لإنهاء ولاية أولى في البيت الأبيض ببصمةٍ خارجية ذات ثقل. عوضاً عن ذلك، يبدو البيت الأبيض، اليوم، غارقاً بمصابين بالعدوى، في ظلّ رئيسٍ لا يزال يناكف المحيطين به، مستعجلاً في الداخل إعادة فتح الاقتصاد، ومُصوّباً في الخارج سهامه نحو الصين، في ما قد يشكل نهاية "الهدنة" القصيرة بين العملاقين الأميركي والآسيوي، والتي استتبت بعد التوصل إلى مرحلة أولى من اتفاقٍ تجاري، يتعلق مصيره في الوقت الراهن بدائرةٍ من "الصقور" في الإدارة الأميركية وفي الكونغرس، المطالبين بفرض عقوبات قاسية على بكين، وعلى الحزب الشيوعي الصيني، لدورٍ محتمل ومشبوه بتفشي الوباء.

آخر التهديدات الأميركية للصين، صدرت أول من أمس الإثنين، عن مستشار البيت الأبيض بيتر نافارو، المعروف بعدائيته الشديدة للصين، إذ أكد أن على النظام الصيني أن يدفع فاتورة انتشار الوباء، معتبراً أنّ المسألة ليست مسألة عقاب، بل ترتبط بالمحاسبة. ورفض نافارو الإقرار بما إذا كان ينصح الرئيس بفرض ضرائب جديدة على بكين، أو تمزيق "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري، الذي كان تمّ التوصل إليه بين البلدين بداية العام الحالي، لكنه اعتبر أن إدارة الحزب الصيني الحاكم لأزمة كورونا، قد خلّفت للعالم أضراراً لا تزال متواصلة إلى الآن، وكلّفت الولايات المتحدة حوالي 10 تريليونات دولار حتى اللحظة لمواجهة الأزمة. وكان ترامب قد قال يوم الجمعة الماضي، إنه يعيش "في دوامة" حول ما إذا كان عليه إنهاء الاتفاق، وذلك بعد يومٍ واحد من مكالمة بين وزير الخزانة ستيفن منوتشين ونائب رئيس الحكومة الصيني ليو هي، أكدا فيها التوافق على المضي قدماً في المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري على الرغم من حالة الطوارئ العالمية التي يفرضها الفيروس.


في هذه الأثناء، يواصل ترامب تنفيس غضبه، الذي يتنامى في ظلّ حملة انتخابية رئاسية متضعضعة، يميناً وشمالاً، وقد يكون إنهاؤه بشكل مفاجئ لمؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض ليل الاثنين الثلاثاء، تجسيداً لحالة من التململ لديه بدأت تتفاقم في مواجهة معضلة "غير مرئية" وغير متوقعة. وشكّل الجدل الذي دار بينه وبين الصحافية في البيت الأبيض ويجيا جيانغ، التي تُعرّف عن نفسها بأنها من أصولٍ صينية، لدى سؤالها عن "إنجازات" الولايات المتحدة في مجابهة الوباء، تجسيداً لأزمةٍ بات حلّها أميركياً مقتصراً على رمي التهمة على الصين. في هذا الخصوص، يعاني الرئيس الأميركي أولاً، من قلّة الأدلة المثبتة لتوجيه اتهام ملموسٍ لبكين، لاسيما في ما يتعلق بمسألة خروج الفيروس من أحد المختبرات الصينية، وثانياً ضعف الالتفاف الدولي حوله للمضي قدماً في معاقبة النظام الصيني.

أما على الصعيد الداخلي، فيؤخذ على الرئيس، والحزب الجمهوري أيضاً، "معاداة العلوم"، وهي سياسة محورية قد تكون أفضت، بشكل أساسي، إلى النتائج الكارثية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم في ظلّ تفشي كورونا. وكان ترامب قد ادعى يوم الأحد الماضي، أن الاستخبارات الأميركية لم تثر مسألة فيروس كورونا قبل 23 يناير/كانون الثاني الماضي، وإذا كانت أثارته، فبشكل لا يوحي بما يهدد الولايات المتحدة، على حدّ قوله. لكن "معاداة المجتمع العلمي"، إذا ما حُيّد المجتمع الاستخباري جانباً، ليس بأمرٍ جديد داخل المنظومة الجمهورية الأميركية، ولو أن ظاهرة ترامب قد جعلتها أكثر فظاظة وجهوراً. ولطالما رفض الجمهوريون الاعتراف العلمي ببديهيات بحثية، وصولاً إلى ظاهرة التغير المناخي العالمية، ما يعتبر انعكاساً لعدم الثقة لدى "القاعدة الشعبية" بالعلماء، والرفض الديني للمعلومات التي تقلل من الخطاب الإنجيلي، وكذلك التزاماً بدعم الشركات العملاقة المتهربة من قيود البيئة. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن تقويض ترامب للجهود الجبارة التي بذلت لمحاربة التغير المناخي، كانت حتى نهاية العام الماضي، تشكل الخطر الأكبر، والأشد هدماً خلال عهده المعادي للعلم، وذلك حتى جاء وباء كورونا، وجعل من ضرورة توفير وبذل كل الجهود العلمية واجباً داخلياً، قبل أن يكون خارجياً.

وفي استطلاع أجري أخيراً، بتعاون مشترك بين كلية "ويليام أند ماري" في ولاية فيرجينيا، ومجلة "فورين بوليسي" و"معهد كارنيغي"، وجد 80 في المائة من الباحثين في العلاقات الدولية في الجامعات الأميركية أن دور الولايات المتحدة في تنسيق الاستجابة الدولية لمواجهة وباء "كوفيد 19" غير فعال على الإطلاق، فيما أكد 52 في المائة منهم أن الولايات المتحدة لن ينظر إليها بعد اليوم كدولة "محترمة" على الصعيد الدولي. كما رأى 38 في المائة منهم تراجعاً في قيمة أميركا كدولة رائدة في مجال العلم والتكنولوجيا والقطاع الطبي. وقال 80 في المائة منهم إنهم سيصوتون للمرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن، في ما لو كانت هذه الانتخابات ستجرى اليوم، بينما طالب 65 في المائة بزيادة الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية.

ويجمع محللون على أن توجيه اللوم للصين، في ما خصّ فيروس كورونا، يشكل استراتيجية فعّالة لإدارة ترامب، التي ترى في الوقت الحاضر أن تخفيف اللهجة حيال بكين، سيفاقم من الورطات التي وجدت هذه الإدارة نفسها فيها، ما يعني أن اتهام الصين، التي أخفقت أولاً في فرصة إبلاغ العالم بشفافية حول انتشار الوباء، لا يزال الورقة الرابحة الوحيدة المتوفرة أمام ترامب في نهاية عهده، لاسيما في ما يرتبط باستكمال تقسيم المجتمع الأميركي، والطبقة السياسية، بعدما وجد خطابه صدى له في الدوائر الجمهورية.

وفيما يبدو وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الصوت الأكثر تشدداً حيال الصين داخل الإدارة الأميركية، إلى حدّ وصفه من قبل بكين بـ"عدو الإنسانية"، يطالب الديمقراطيون في المقابل، الوزير بتأمين أدلة على خروج الوباء من مختبر صيني، ومنهم السيناتور كريس مورفي الذي كتب في موقع "ذا هيل" منذ أيام أن الجمهوريين "يسعون إلى تحويل اللوم من ترامب، وتبدو الصين الكبش المناسب". لكن خبراء يؤكدون أن البلدين يمران بـ"منافسة" أكثر من "صدام"، وقد يكون "كوفيد 19" أحد ضحاياها. واعتبر بوني غلايزر، مدير "مشروع القوة الصينية" في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" الأميركي، إن البلدين يتنافسان لإيجاد اللقاح أولاً، ويخشى أن تعرقل المشاحنات الدبلوماسية الجهود المبذولة علمياً في هذا الإطار.

في المحصلة، كان السؤال مع بداية العام 2016 ما إذا كانت أميركا بإمكانها تخطي حقبة ترامب. حتى الآن، يبدو الأمر وكأنه لا يزال ممكناً. يقول المعهد الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الناخبين الأميركيين يواصلون تقييم فيروس كورونا بعيون حزبية، على الرغم من التناقضات التي يظهرها ترامب وحتى الكذب، فيما يواصل التأييد لترامب بالثبات عند 49 في المائة. لكن الخشية بالنسبة للجمهوريين، هي عددهم الأقل من الديمقراطيين انتخابياً، لاسيما مع ارتفاع نسبة غير البيض في البلاد. في ظلّ ذلك، يحذر المعهد من استخدام كل الوسائل الجمهورية لإعادة انتخاب ترامب، ومنها استغلال الفيروس، لمنع التصويت مباشرة في عددٍ من الولايات. وقد لا يعرف حجم انعكاسات أزمة كورونا على الوضع الانتخابي في الولايات المتحدة. لكن الخشية عند كثيرين، في الداخل والخارج، من أن يختفي الوباء ويبقى ترامب. 



 

 

المساهمون