بشكل مخالف لتوصيات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المحلية، باستمرار تعليق الأنشطة ذات التجمعات البشرية للحد من انتشار فيروس كورونا في مصر، أصدرت الحكومة المصرية أمس الأربعاء قراراً مددت فيه العمل بتدابير وقف الدراسة والتجمعات الترفيهية والأنشطة غير الضرورية لمدة أسبوعين آخرين، مع تقليص عدد ساعات حظر التجول لتبدأ من الثامنة مساءً بدلاً من السابعة مساءً، وحتى السادسة صباحاً يومياً، وذلك عكس ما تحدث سابقاً رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الدولة للإعلام أسامة هيكل عن احتمال تمديد ساعات الحظر وتشديد الإجراءات، إلى حد التلويح بإصدار قرار بحظر كامل للتجوّل مع بعض الاستثناءات.
نقطة التحول في الخطاب الحكومي جاءت أول من أمس الثلاثاء، عندما فاجأ رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي المواطنين بلهجة مغايرة للهجة التخويف والتحذير التي انتهجها المسؤولون الحكوميون الفترة الماضية، عندما قال إن الخسائر من توقف الأعمال والمصالح الاقتصادية، خصوصاً في القطاع الخاص، ستكون أكبر من الخسائر المترتبة عن زيادة عدد الإصابات وانتشار الوباء، على الرغم من تخطي عدد الإصابات الإجمالية 1500 والوفيات 100 حالة. وعبّر السيسي عن رؤية متطابقة مع رجال الأعمال والمستثمرين الذين اتخذ بعضهم قرارات بتخفيض العمالة وتقليص الرواتب، وانتقدهم الإعلام المقرب من السلطة بغية حملهم على التبرع بمبالغ ضخمة لصندوق "تحيا مصر" التابع للرئاسة والجيش والمحصن تماماً من الرقابة المستقلة، والمقرر الإنفاق منه على تدارك آثار الوباء لتخفيف العبء عن الخزانة العامة المثقلة.
وجاء قرار تخفيف حظر التجول بعد ساعات من إعلان البنك المركزي أنه أنفق 5.4 مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي في شهر مارس/ آذار الماضي فقط، على سداد قيمة سلع غذائية واستراتيجية مستوردة وسداد مستحقات الديون الأجنبية في مواعيدها، ليتراجع الاحتياطي النقدي إلى ما يكفي 8 أشهر فقط من قيمة الواردات للحكومة. وذكرت مصادر في مجلس الوزراء أن قرار تخفيض ساعات حظر التجول وعدم تشديد الإجراءات يأتي على خلفية عدة أسباب، أبرزها إيمان السيسي بأن مصر لن تستطيع إدارة ملف الوباء من دون تأثر حجم الأعمال ومزاولة الأنشطة الاقتصادية سلباً، باعتبار أن "قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها والمضي قدماً في مشاريعها، تتقدم على صحة المواطنين الذين قد يتأثرون بانتشار الوباء حالياً، ولا سيما مع وضوح التأثير المحدود للمرض على الفئات العمرية الأكثر قدرة على الإنتاج والعمل".
وأضافت المصادر أن رفض الجيش بشكل قاطع المشاركة في إدارة الحظر ميدانياً، خشية تسرّب المرض إلى المعسكرات المغلقة، أظهر أيضاً عجز الشرطة على الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل، وبالتالي إن تشديد الحظر لن يكون مفيداً، ولو زادت ساعات منع التجوّل، من وجهة نظر الرئاسة تحديداً، مشيراً إلى أن "بعض الأجهزة والوزارات عارضت بشدة هذا الاتجاه، لكنها فوجئت بالرد عليها من قبل مسؤولين في المخابرات العامة، بأن الأهم في الوقت الحالي استمرار وقف الدراسة، وأن هذا سيسهم بشكل كبير في السيطرة على الأعداد".
وبالتوازي مع اتخاذ القرار، بدأت وسائل الإعلام الموالية للسلطة ببث إعلانات تحمّل المواطنين مسؤولية تأمين أنفسهم ضد الوباء، وتدعو أصحاب الأعمال إلى توعية العمالة والتشديد على اتخاذ الإجراءات الوقائية، في إشارة إلى قرب عودة الأنشطة بطاقتها الكاملة من دون تحميل الدولة تكلفة ذلك. ويعكس حديث المصادر عن رغبة الدولة أولاً في تحجيم الأعداد المكتشفة، لا التصدي الفعلي لانتشار الوباء، خصوصاً مع استمرار اتخاذ إجراءات تعرقل عملية الكشف السريع وفحص المخالطين والبؤر المصابة، والتراجع عن مقترحات عزل المحافظات الأعلى في نسب تسجيل الحالات، بدعوى عدم القدرة على المساواة في الإجراءات بين المناطق الحضرية متعددة الأعمال، والمناطق الريفية الصغيرة محدودة الأنشطة، فضلاً عن التراجع عن مقترح تعطيل وسائل النقل الجماعية بين المحافظات وداخل القاهرة الكبرى، بسبب تأثر المشاريع الخاصة والعامة بذلك، وانخفاض نسبة وصول العمال اليوميين وغيرها من الأنشطة الخاصة بالعمالة غير المنتظمة.
ويدل القرار الأخير أيضاً على عدم وجود خطة واضحة للتعامل مع الوباء، إذ ادّعى رئيس الوزراء في خطابه للمواطنين أن الأرقام اليومية والأسبوعية (المسجلة) تقترب بصورة كبيرة من الأرقام التي كانت الحكومة تتوقعها بناءً على نماذج إحصائية، وأن الوضع في مصر حتى الآن مطمئن، على الرغم من أنه سبق أن ذكر قبل أسبوعين أنه بمجرد الوصول لتسجيل ألف حالة، ستكون مصر قد دخلت المرحلة الثالثة من التعامل مع الوباء، لكن لا شيء جديداً طرأ على التعامل مع الملف بعد تخطي الألف حالة. في السياق، تحاول وزارة الصحة إخفاء حقيقة أن معظم الإصابات حتى الآن غير معروفة الحالة المرجعية، ولم تكتمل العناصر الخاصة بها في شجرة الحالات، التي من المقرر أن تكتمل حتى يمكن القول إن البؤرة المصابة تحت السيطرة. وينعكس هذا بوضوح في لهجة البيانات الرسمية اليومية التي تصدرها الوزارة، التي تحاول دائماً بث الطمأنينة بالحديث عن أن كل الإصابات الجديدة من المخالطين للحالات السابقة، أو العائدين من الخارج، الأمر الذي تنفيه مصادر مطلعة في وزارة الصحة بشكل صارم ومستند إلى أرقام واضحة، إذ تقول لـ"العربي الجديد" إن عدد المرضى الذين عُرف مصدر العدوى لهم لا يزيد على 250 حتى الآن، يمثلون نحو 17 في المائة من إجمالي الإصابات.
وسبق أن قال مصدر في الأمن العام لـ"العربي الجديد" إن قيادات في وزارة الداخلية بعد مرور أسبوع من التدابير، وصلوا إلى قناعة بأن حظر التجول الجزئي لبعض الوقت الساري حالياً، هو الذي يسمح بتعدد الخروقات، مثل إقامة أفراح وسرادقات كبيرة وتراخي الشرطة المحلية في تلك المناطق وتواطئها، ما أدى إلى شيوع شعور بين المواطنين بعدم خطورة الموقف بشكل كامل، كذلك إن استمرار الأعمال دون مبادرة الحكومة لتقديم الاعتبارات الصحية، أدى إلى زيادة الكثافات المرورية يومياً قبل مواعيد الحظر. واستثنى رئيس الوزراء بعد بدء حظر التجول مباشرة عدداً من أنشطة النقل للسلع والبضائع والحاصلات الزراعية والأدوية والمستلزمات الطبية، حتى لا تشهد السوق قفزة استثنائية للأسعار، بعد رصد الحكومة ارتفاع سعر العديد من السلع الغذائية بعد قرار الحظر بساعات معدودة.