على الرغم من المخاطر العالمية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، والتهديد الذي يشكله هذا الوباء على منظومتي الصحة والاقتصاد العالمي، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمسكه بمساره التصادمي في العلاقات الخارجية، لا سيما مع منظمات دولية، لا تزال رغم إخفاقاتها، تشكل صمام أمان وحيد متوافر خلال الأزمات، ومنها التي تهدد بنتائج كارثية، وخصوصاً للدول الأكثر فقراً. وصبّ ترامب أول من أمس الثلاثاء، غضبه على منظمة الصحة العالمية، متهماً إياها بالانحياز للصين في أزمة كورونا، بعدما واصل الفيروس تفشيه في الولايات المتحدة، حاصداً في نيويورك ضحايا من القتلى، أكثر مما سقط فيها خلال هجمات 11 أيلول 2001. ولكن في موازاة ذلك، برزت بارقة أمل، ولو رمزية، للعالم الذي لا يزال يلتزم الحجر المنزلي كعلاجٍ وحيد، مع عودة منطقة ووهان الصين، البؤرة الأولى للوباء، لفضاء العالم الخارجي، في مؤشر على أن الوباء ليس بمقيم في عالمنا إلى ما لا نهاية.
ترامب يهدد
وليست المرة الأولى التي يبدي فيها ترامب ازدراءه للعمل الدولي الجماعي، بعدما تراجعت الولايات المتحدة في عهده عن اتفاق باريس المناخ، وانسحبت من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وكذلك من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مع وقف تمويل بلاده لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". كذلك أعلن ترامب العام الماضي انسحاب بلاده من معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التقليدية.
ويكتسب تهديد ترامب لمنظمة الصحة العالمية أهميته، والذي يبدو أنه يحظى بدعمٍ جمهوري، بأنه يدق مسماراً جديداً في نعش النظام العالمي الذي بُني ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تشكّل الأمم المتحدة عموده الفقري. وهو يأتي في وقت يسعى فيه الرئيس الأميركي، بحسب معارضيه، إلى طمس سلسلة من الإخفاقات المحلية التي اتسم بها أداء إدارته في مواجهة كورونا، تصل إلى حدّ التواطؤ مع الشركات الخاصة، ورفض تعاون مبكر قدمته منظمة الصحة لواشنطن بشأن العمل لمواجهة كورونا، وتجنب المسار الكارثي الذي وصلت إليه الولايات المتحدة بسببه.
وهدّد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، بتعليق دفع المساهمة المالية لبلاده، في هذه المنظمة، وهي المساهمة الكبرى (400 مليون دولار)، منتقداً إدارتها وباء "كوفيد 19". وبدأ الهجوم بانتقاد ترامب المنظمة عبر "تويتر"، معتبراً أنها "أخفقت، والغريب أنها ممولة بشكل كبير من الولايات المتحدة، لكن تركيزها منصب على الصين". ولاحقاً هدد الرئيس الأميركي مباشرة بـ"تعليق دفع الأموال المخصصة للمنظمة"، ليتراجع عن الإعلان بعد دقائق، قائلاً إنه لم يقرر ذلك، بل يعتزم فقط درس هذه الإمكانية.
وفي تواطؤ مع ترامب، تعهد حليفه، السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، بعدم تقديم أي تمويل للمنظمة في مشروع قانون المخصصات المقبل بمجلس الشيوخ، واصفاً المسؤولين الأمميين بـ"المخادعين، والمدافعين عن الصين". وكان السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، قد طالب الأسبوع الماضي باستقالة مدير المنظمة، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، متهماً إياه بـ"السماح لبكين باستغلال منظمة الصحة العالمية لتضليل المجتمع الدولي".
وفيما لم يصدر تعليق رسمي من المنظمة، نفى مسؤولون فيها أمس، لوكالة "رويترز"، اتهامها "بالتركيز على الصين"، معتبرين أن "المرحلة الحرجة من الوباء ليست الوقت الملائم لوقف التمويل".
اقــرأ أيضاً
وفي نيويورك، دافع المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ستيفان دوجاريك، عن أداء منظمة الصحة العالمية. وقال دوجاريك إنه "بالنسبة إلى الأمين العام، فمن الواضح أن منظمة الصحة بقيادة الدكتور تيدروس قامت بعمل هائل في ما خص كوفيد-19، بإرسالها ملايين المعدات الطبية إلى دول لدعمها، ومساعدتها دولاً عبر التدريب، وبتوفيرها إرشادات عالمية". وفي بكين، شددت الخارجية الصينية على الدور المهم الذي لعبه تيدروس "في تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الوباء"، معتبراً أن وقف المدفوعات الأميركية ستكون له تبعات سلبية على "المكافحة العالمية للفيروس". وفي أفريقيا، دافع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد كذلك عن المنظمة، مؤكداً دعم الاتحاد "بالكامل" لمديرها.
ولم تقتصر النزعة الاستبدادية لترامب على ما تعرضت له منظمة الصحة العالمية. ففي الداخل الأميركي، يواصل الرئيس الأميركي كذلك التشفي ممن يعتبرهم معارضيه، وبرز ذلك من خلال انتقامات طاولت المفتشين العامين. وأول من أمس، ندد الرئيس الأميركي بتقرير المفتشة العامة لوزارة الصحة الأميركية، كريستي غريم، الذي أكدت نتائجه ما يقوله حكام الولايات منذ أسابيع بأن المستشفيات في جميع أنحاء البلاد ليس لديها القدرة الكافية على التعامل مع زيادة عدد مرضى الفيروس. وكان ترامب عزل أخيراً غلين فاين، المفتش العام بالوكالة في البنتاغون، والذي كان يشرف أيضاً على لجنة المساءلة عن الإغاثة من الأوبئة، بعد أيام من طرده المفتش العام للاستخبارات مايكل اتكينسون.
وفي سياق متصل، أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أول من أمس، أن قائد سلاح البحرية توماس مودلي قدم استقالته من منصبه، مشيراً إلى تعيينه بديلاً عنه بالوكالة، هو نائب قائد سلاح البر جيم ماكفيرسون. وكان مودلي قد أقال قائد الحاملة "يو.أس.أس. ثيودور روزفلت" بريت كروجر، بعدما طلب الأخير في رسالة استغاثة من رؤسائه، سرّبت إلى الإعلام، السماح له بالرسو لإخلاء الحاملة من البحّارة المصابين بفيروس كورونا.
بارقة أمل
وفي خطوة معاكسة، رفعت الصين أمس الإغلاق التام الذي فرض منذ شهور على مدينة ووهان شمال البلاد، والتي ظهر فيها فيروس كورونا المستجد أول مرّة. وجاء ذلك بينما احتفلت الصين بأول يوم لها دون وفيات بالوباء. في المقابل، ارتفع عدد الإصابات الوافدة في إقليم هيلونغجيانغ الشمالي إلى 25 في يوم واحد، ما أدى إلى فرض مدينة سويفنخه في الإقليم قيوداً على حركة السكان. كذلك رفعت مدينة جياوتشو في إقليم شاندونغ شرقاً مستوى الخطر المتعلق بكورونا إلى متوسط.
جونسون "مستقر"
وفي أوروبا، لا تزال الأنظار شاخصة إلى بريطانيا، حيث أمضى رئيس الوزراء بوريس جونسون ليلة ثانية في العناية المركزة، بعد تدهور حالته إثر إصابته بكورونا. وقال وزير الدولة في وزارة الصحة إدوارد أرغار أمس، إن "رئيس الوزراء في حالة مستقرة، تلقى علاجاً بالأكسجين، لكنه ليس موضوعاً على جهاز تنفس صناعي". وفيما تدخل بريطانيا مرحلة حرجة في تفشي الفيروس، قال رئيس بلدية لندن صادق خان أمس، إنها لا تزال بعيدة تماماً عن رفع إجراءات العزل العام، إذ إنها لن تصل إلى ذروة التفشي قبل أكثر من أسبوع.
وفي مؤشر جديد على الضرر الذي يصيب قطاعات الدفاعات للدول الكبرى، أعلنت القوات المسلحة الفرنسية أمس عودة حاملة الطائرات "شارل ديغول"، بعد ظهور أعراض فيروس كورونا على أفراد طاقمها.
وفي روسيا، يواصل تفشي فيروس كورونا مساره التصاعدي، إذ ارتفع أمس عدد حالات الإصابة بالفيروس بأكثر من ألف لليوم الثاني على التوالي. وفي أفريقيا، أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ للمساعدة في كبح انتشار الفيروس. وفي ظلّ هذه الأجواء، أعلن المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية أنه لا يزال من المبكر تخفيف الإجراءات الهادفة لاحتواء كورونا، مطالبة بدعم المجتمع العالمي.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشيتد برس)
اقــرأ أيضاً
وليست المرة الأولى التي يبدي فيها ترامب ازدراءه للعمل الدولي الجماعي، بعدما تراجعت الولايات المتحدة في عهده عن اتفاق باريس المناخ، وانسحبت من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وكذلك من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مع وقف تمويل بلاده لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". كذلك أعلن ترامب العام الماضي انسحاب بلاده من معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التقليدية.
وهدّد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، بتعليق دفع المساهمة المالية لبلاده، في هذه المنظمة، وهي المساهمة الكبرى (400 مليون دولار)، منتقداً إدارتها وباء "كوفيد 19". وبدأ الهجوم بانتقاد ترامب المنظمة عبر "تويتر"، معتبراً أنها "أخفقت، والغريب أنها ممولة بشكل كبير من الولايات المتحدة، لكن تركيزها منصب على الصين". ولاحقاً هدد الرئيس الأميركي مباشرة بـ"تعليق دفع الأموال المخصصة للمنظمة"، ليتراجع عن الإعلان بعد دقائق، قائلاً إنه لم يقرر ذلك، بل يعتزم فقط درس هذه الإمكانية.
وفي تواطؤ مع ترامب، تعهد حليفه، السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، بعدم تقديم أي تمويل للمنظمة في مشروع قانون المخصصات المقبل بمجلس الشيوخ، واصفاً المسؤولين الأمميين بـ"المخادعين، والمدافعين عن الصين". وكان السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، قد طالب الأسبوع الماضي باستقالة مدير المنظمة، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، متهماً إياه بـ"السماح لبكين باستغلال منظمة الصحة العالمية لتضليل المجتمع الدولي".
وفيما لم يصدر تعليق رسمي من المنظمة، نفى مسؤولون فيها أمس، لوكالة "رويترز"، اتهامها "بالتركيز على الصين"، معتبرين أن "المرحلة الحرجة من الوباء ليست الوقت الملائم لوقف التمويل".
وفي نيويورك، دافع المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ستيفان دوجاريك، عن أداء منظمة الصحة العالمية. وقال دوجاريك إنه "بالنسبة إلى الأمين العام، فمن الواضح أن منظمة الصحة بقيادة الدكتور تيدروس قامت بعمل هائل في ما خص كوفيد-19، بإرسالها ملايين المعدات الطبية إلى دول لدعمها، ومساعدتها دولاً عبر التدريب، وبتوفيرها إرشادات عالمية". وفي بكين، شددت الخارجية الصينية على الدور المهم الذي لعبه تيدروس "في تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الوباء"، معتبراً أن وقف المدفوعات الأميركية ستكون له تبعات سلبية على "المكافحة العالمية للفيروس". وفي أفريقيا، دافع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد كذلك عن المنظمة، مؤكداً دعم الاتحاد "بالكامل" لمديرها.
بارقة أمل
وفي خطوة معاكسة، رفعت الصين أمس الإغلاق التام الذي فرض منذ شهور على مدينة ووهان شمال البلاد، والتي ظهر فيها فيروس كورونا المستجد أول مرّة. وجاء ذلك بينما احتفلت الصين بأول يوم لها دون وفيات بالوباء. في المقابل، ارتفع عدد الإصابات الوافدة في إقليم هيلونغجيانغ الشمالي إلى 25 في يوم واحد، ما أدى إلى فرض مدينة سويفنخه في الإقليم قيوداً على حركة السكان. كذلك رفعت مدينة جياوتشو في إقليم شاندونغ شرقاً مستوى الخطر المتعلق بكورونا إلى متوسط.
جونسون "مستقر"
وفي أوروبا، لا تزال الأنظار شاخصة إلى بريطانيا، حيث أمضى رئيس الوزراء بوريس جونسون ليلة ثانية في العناية المركزة، بعد تدهور حالته إثر إصابته بكورونا. وقال وزير الدولة في وزارة الصحة إدوارد أرغار أمس، إن "رئيس الوزراء في حالة مستقرة، تلقى علاجاً بالأكسجين، لكنه ليس موضوعاً على جهاز تنفس صناعي". وفيما تدخل بريطانيا مرحلة حرجة في تفشي الفيروس، قال رئيس بلدية لندن صادق خان أمس، إنها لا تزال بعيدة تماماً عن رفع إجراءات العزل العام، إذ إنها لن تصل إلى ذروة التفشي قبل أكثر من أسبوع.
وفي مؤشر جديد على الضرر الذي يصيب قطاعات الدفاعات للدول الكبرى، أعلنت القوات المسلحة الفرنسية أمس عودة حاملة الطائرات "شارل ديغول"، بعد ظهور أعراض فيروس كورونا على أفراد طاقمها.
وفي روسيا، يواصل تفشي فيروس كورونا مساره التصاعدي، إذ ارتفع أمس عدد حالات الإصابة بالفيروس بأكثر من ألف لليوم الثاني على التوالي. وفي أفريقيا، أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ للمساعدة في كبح انتشار الفيروس. وفي ظلّ هذه الأجواء، أعلن المكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية أنه لا يزال من المبكر تخفيف الإجراءات الهادفة لاحتواء كورونا، مطالبة بدعم المجتمع العالمي.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشيتد برس)