بعد مرور ثلاثة أشهر منذ ورود أول الشكوك حول ظهور فيروس جديد من سلالة فيروسات كورونا في الصين، قبل أن تصف منظمة الصحة العالمية في 11 مارس/ آذار الماضي، كوفيد-19 بأنه جائحة، تبدو التساؤلات حول تبعات هذا الوباء وما يخبئه المستقبل، أكبر من الأجوبة التي تم التوصل إليها. وتستمر حالة الطوارئ والحجر المنزلي في معظم دول العالم وإن كان بعضها بدأ يستعد لتخفيف القيود على أمل عودة الحياة تدريجياً في مايو/ أيار المقبل. كما أن التوقعات المبهمة للتأثيرات المحتملة للوباء تتخطى المجالات الصحية، والتي تصل إلى حد المخاوف على الديمقراطيات القائمة، في ظل مؤشرات على استغلال بعض السلطات الظروف لخنق الحريات العامة. يضاف إلى ذلك تصاعد حدة الخلافات بين الدول، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة، وداخل التكتلات الواحدة، كما هو وضع الاتحاد الأوروبي، المهدد أكثر من أي وقت بالتفتت جراء اتهامات من دول تأثرت بشكل كبير بتفشي الوباء، كإيطاليا وإسبانيا، بتركها وحيدة وعدم تلقيها الدعم المناسب من جيرانها. كذلك، برزت انتقادات لعدد من الحكومات بفشل استراتيجياتها في التعامل مع انتشار الوباء، كما في فرنسا حيث تتراجع الثقة بالطبقة الحاكمة، وفي بريطانيا حيث تزايدت الإصابات في صفوف مسؤولي الحكومة، وأبرزهم رئيسها بوريس جونسون. ولا يغيب عن هذا المشهد الاتهامات الغربية لروسيا والصين بمحاولة الاستفادة من الظرف الراهن للتغلغل أكثر وتعزيز دوريهما العالميين، عبر القوة الناعمة، مع مسارعة موسكو لتقديم مساعدات لروما، وكذلك بكين لدول أوروبية أخرى.
ولا تقتصر تداعيات انتشار كورونا على هذه النواحي فقط، بل إن الاقتصاد يمر بأسوأ مراحله منذ سنوات طويلة، والآلاف خسروا وظائفهم، وتعرض القطاع السياحي لضربة قاسية مع تعليق كافة نشاطاته، وبقي أكثر من ثلث الأسطول العالمي من الطائرات مسمّراً على مدارج المطارات، وتعمّم إغلاق المدارس والجامعات، فيما بات العمل من المنازل هو السائد. ومع حلول شهر إبريل/ نيسان الحالي، كان أربعة مليارات نسمة، يمثلون أكثر من نصف البشرية، مدعوين أو ملزمين بالبقاء في منازلهم، وتتالت قرارات حظر التجول وإعلان حال الطوارئ، ليصح وصف الأمم المتحدة للوباء العالمي بأنه أسوأ أزمة تواجهها البشرية منذ عام 1945، يقترن فيها "مرض خطير" بشبح "ركود غير مسبوق في الماضي القريب".
لكن أمام هذا الواقع الصعب، تبرز مؤشرات إيجابية في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع ارتفاع أعداد المصابين الذين تماثلوا للشفاء، وأحاديث عديدة عن نجاح اختبارات لإنتاج أدوية ولقاح للفيروس، وعن فعالية مادة الكلوروكين في العلاج، وسط سباق محموم يدور في أوروبا والولايات المتحدة بين كبرى مجموعات الأدوية.
كابوس عالمي
في الثامن من يناير/ كانون الثاني، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن نوعاً جديداً من فيروس كورونا، قد يكون مصدر وباء التهاب رئوي مصدره مجهول، ظهر في ديسمبر/ كانون الأول في مدينة ووهان الصينية. منذ ذلك الحين، بدأ الوباء يتحوّل إلى كابوس يشل مختلف دول العالم ويرسم مخاوف كثيرة على كل نواحي الحياة.
ومع حصد الوباء أكثر من 76 ألف وفاة، وإصابة ما يزيد عن مليون و300 ألف، مقابل شفاء ما يقارب الـ300 ألف، بدا العالم غارقاً بأسره في وضع كارثي أشبه بسيناريو فيلم رعب، لتدخل الدول في "حرب" من نوع جديد تقوم بها الطواقم الطبية على خطوط الجبهة، حرب جعلت العالم يستذكر أحلك لحظات تاريخه، من الملكة إليزابيث الثانية التي استشهدت في خطاب نادر إلى البريطانيين بالقصف النازي على المملكة المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، إلى السلطات الأميركية التي حذرت من "بيرل هاربر" أو 11 سبتمبر/ أيلول جديد.
وبينما بدا العالم منقسماً حول كيفية مواجهة هذه الظاهرة، يعقد مجلس الأمن الدولي غداً الخميس أول اجتماع له حول كورونا، الوباء الذي أثار على مدى الأسابيع الماضية انقسامات شديدة في صفوف الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس. وكان تسعة من الأعضاء العشرة غير دائمي العضوية في المجلس طلبوا، الأسبوع الماضي، عقد اجتماع حول الوباء تتخلّله إحاطة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن دبلوماسي طلب عدم نشر اسمه أن المجلس سيلتئم الخميس "في اجتماع مغلق سيعقد عبر الفيديو". وبحسب مصادر دبلوماسية للوكالة فإنّ الغموض ما زال يكتنف ما ستؤول إليه هذه الجلسة وما إذا كانت ستكرّس الانقسامات التي تباعد بين أعضاء المجلس بشأن الوباء أو ستمثّل مناسبة يبدي خلالها أعضاؤه رغبة في الوحدة والتعاون، على غرار ما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت الخميس الماضي قراراً بإجماع أعضائها الـ193 على الرغم من محاولة روسيا عرقلته. ويكمن أحد أسباب الخلاف في إصرار واشنطن على تضمين أيّ بيان أو قرار يصدر عن مجلس الأمن فقرة تشير إلى الأصل الصيني للوباء، وهو ما ترفضه بكين بشدة. ودعت إلى هذا الاجتماع تسع من الدول العشر التي لا تتمتّع بحق الفيتو في مجلس الأمن وهي ألمانيا وبلجيكا وإستونيا وتونس وإندونيسيا وفيتنام والنيجر وجمهورية الدومينيكان ودولة سانت فينسنت والغرينادين. أما الدولة العاشرة وهي جنوب أفريقيا فاعتبرت أنّ الوباء يمثّل في الوقت الراهن أزمة صحية واقتصادية في حين أنّ مهمّة مجلس الأمن هي حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالتالي فإنّ التطرّق لهذا الوباء ليس من شأن المجلس في الوقت الراهن.
انقسامات وانتقادات
الانقسام الدولي كانت أوروبا من أبرز ساحاته، ليبدو الاتحاد الأوروبي غير قادر على الحفاظ على وحدته بمواجهة الكارثة الصحية. وأقرّ مفوض إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، يانيش لينارشيش، أمس الثلاثاء، بأنّ المساعدات التي قُدّمت لإيطاليا في بداية انتشار كورونا كانت غير كافية. وفي مؤتمر صحافي عقده في بروكسل، أشار لينارشيش إلى أنهم أرسلوا طاقم تمريض رومانياً وآخر نرويجياً إلى مدينتي ميلان وبيرغامو الأكثر تأثراً بفيروس كورونا في إيطاليا. وأضاف: "كان الرد على طلب المساعدة الإيطالي من بقية الدول الأوروبية غير كافٍ في بداية الأمر". وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتبرت الإثنين أن أزمة كورونا تشكل أكبر اختبار للاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، مؤكدة أن ألمانيا "مستعدة للمساهمة" في دفع التكتل قدماً. وأضافت "الكل متأثر على حد سواء، وبالتالي من مصلحة الجميع وألمانيا أن تخرج أوروبا قوية من هذا الاختبار".
وفيما بدت محاولة لاحتواء الإخفاقات داخل الاتحاد وخارجه، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أمس الثلاثاء أن الاتحاد الأوروبي سيقدم 15 مليار يورو (16,4 مليار دولار) لمساعدة دول العالم الفقيرة على مكافحة وباء كوفيد 19. وقالت فون دير لايين إن المبلغ سيستخدم لمساعدة الدول التي تعد أنظمة الرعاية الصحية فيها ضعيفة للتعامل مع تداعيات الوباء وسيساعدها على التعافي اقتصادياً على المدى البعيد.
اقــرأ أيضاً
ومن الخلافات الأوروبية إلى الانتقادات الداخلية، حيث دخلت علاقة الفرنسيين بحكومتهم مرحلة جديدة من التأزّم في الأيام القليلة الماضية، إذ تعالت الاتهامات الموجّهة إليها بالكذب وبإخفاء الحقائق حول إدارتها أزمة كورونا، في وقت سجل فيه يوم الإثنين رقماً قياسياً في عدد الوفيات بالفيروس، إذ بلغت 833 خلال 24 ساعة. وبينما يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجيه خطاب للشعب الفرنسي مساء الخميس حول آخر المستجدات المتعلقة بالوباء، قال وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران أمس إن فرنسا لم تصل بعد إلى ذروة الوباء.
ولا تتوقف ثقة الفرنسيين بحكومتهم عن التدهور في الآونة الأخيرة. وبيّن استطلاع نشره معهد "بي في اه"، الإثنين، أن 36 في المائة فقط من الفرنسيين يثقون بإدارة الحكومة لأزمة كورونا. وتمثل هذه النسبة تراجعاً قدره 19 نقطة مقارنة بمنتصف مارس/ آذار الماضي (55 في المائة). وأظهر الاستطلاع أن 60 في المائة من الفرنسيين يبدون شكوكاً في المعلومات التي تقدمها الحكومة حول وباء كورونا.
وأبدت الحكومة في الأيام الأخيرة تغييرات مفاجئة في عدد من مواقفها المتعلقة بوباء كورونا، لتقول بآراء تعاكس تماماً تلك التي دافعت عنها منذ بداية الأزمة. فبعد رفضها المستمر للمطالبات بتعميم ارتداء الكمّامات الواقية على جميع الفرنسيين، وقولها إن ارتداءها مفيد للعاملين في القطاع الصحي فحسب، خرج المدير العام للصحة، جيروم سالومون، يوم الجمعة، ومن بعده وزير الصحة، أوليفييه فيران، السبت، ليؤكدا أهمية ارتداء الفرنسيين جميعاً الكمّامات.
ويرى بعض منتقدي السلطة في تغير موقفها من ارتداء الكمّامات مثالاً جديداً على ازدواجية خطابها حول الأزمة الصحية، في حين يرى آخرون في هذا التغيّر اعترافاً متأخّراً بمعلومات تمتلكها الحكومة منذ زمن لكنها تكتّمت عليها خوفاً من تأليب الرأي العام ضدها، خصوصاً أن الاتهامات بالتقصير تطاولها أساساً بسبب النقص الفادح في الكمّامات، وفي غيرها من المستلزمات الطبية والوقائية.
واتهم النائب عن حزب "الجمهوريون" اليميني المعارض، إريك سيوتي، الحكومة بأنها "لم تقل الحقيقة" حول موضوع الكمّامات، وبأنها فضّلت "نشر الأكاذيب" بدل الاعتراف بالنقص في احتياطي البلد منها. من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ، فرانسوا غروديدييه، إن "انقلاباً مثل هذا" في موقف السلطة "يجعلنا نفكر بأنها لا تقول الحقيقة لنا"، مضيفاً أن "الحكومة تدفع ثمن تناقضها" أمام الرأي العام.
خارج القارة العجوز، أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، أمس الثلاثاء، حال الطوارئ لمدة شهر واحد كمرحلة أولى، في طوكيو وست مناطق أخرى في الأرخبيل، في ظل الارتفاع الجديد لعدد إصابات الوباء في البلاد. وقال آبي أمام لجنة برلمانية "سنرفع هذا الإجراء متى تأكدنا أنه لم يعد ضرورياً". والمقاطعات المعنية بالإجراء هي طوكيو وثلاث من ضواحيها، أي منطقة غرب أوساكا وهيوغو المجاورة لها وفوكوكا في جزيرة كيوشو في جنوب غرب البلاد. ويشمل الإجراء نحو 50 مليون شخص، أي ما يعادل 40 في المائة من عدد سكان البلاد. وأكد رئيس الوزراء أن هذا التدبير لا يستدعي "عزلاً كما في الخارج" وأن الهدف منه "السيطرة على تفشي الفيروس مع مواصلة عمل الخدمات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية، كالنقل العام".
تحديات قائمة
لا تزال صور لجوء قوات الأمن في بعض الدول الأفريقية إلى استخدام الأسواط وإطلاق النار لتفريق التجمعات ولفرض الإجراءات التي أعلنتها الحكومات لمواجهة الوباء، ماثلة أمام الجميع، وتقدّم مثالاً على الصعوبات التي واجهتها السلطات في فرض القيود على التنقلات، لا سيما في الأحياء الأكثر فقراً واكتظاظاً من العالم، مع مخاوف متصاعدة من تفاقم حالة الفوضى في حال استمر الإغلاق لفترات طويلة. وعمّت العالم مشاهد مستهلكين مذعورين يهرعون إلى السوبرماركت ويتسابقون على البضائع، ووصل الأمر أحياناً إلى حد الاشتباك بالأيدي حول علبة معكرونة أو رزمة من ورق المراحيض.
كما يهدد الوباء بالتسبب بكارثة لملايين اللاجئين، لا سيما في مخيم الهول في سورية حيث يتكدس 68 ألف شخص من نازحين وأفراد عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" في أقل من كيلومترين مربعين.
وتواجه معظم الدول نقصاً حاداً في الكمامات الطبية وغيرها من معدات الحماية، ما يشكّل خطراً بالمقام الأول على الطواقم الطبية. وإزاء هذه الأزمة العالمية، تجري منافسة شرسة بين الدول للاستحصال على هذه اللوازم الثمينة، تصل إلى حد سرقة شحنات وتحويل وجهتها.
(العربي الجديد، فرانس برس، الأناضول)
لكن أمام هذا الواقع الصعب، تبرز مؤشرات إيجابية في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع ارتفاع أعداد المصابين الذين تماثلوا للشفاء، وأحاديث عديدة عن نجاح اختبارات لإنتاج أدوية ولقاح للفيروس، وعن فعالية مادة الكلوروكين في العلاج، وسط سباق محموم يدور في أوروبا والولايات المتحدة بين كبرى مجموعات الأدوية.
كابوس عالمي
في الثامن من يناير/ كانون الثاني، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن نوعاً جديداً من فيروس كورونا، قد يكون مصدر وباء التهاب رئوي مصدره مجهول، ظهر في ديسمبر/ كانون الأول في مدينة ووهان الصينية. منذ ذلك الحين، بدأ الوباء يتحوّل إلى كابوس يشل مختلف دول العالم ويرسم مخاوف كثيرة على كل نواحي الحياة.
ومع حصد الوباء أكثر من 76 ألف وفاة، وإصابة ما يزيد عن مليون و300 ألف، مقابل شفاء ما يقارب الـ300 ألف، بدا العالم غارقاً بأسره في وضع كارثي أشبه بسيناريو فيلم رعب، لتدخل الدول في "حرب" من نوع جديد تقوم بها الطواقم الطبية على خطوط الجبهة، حرب جعلت العالم يستذكر أحلك لحظات تاريخه، من الملكة إليزابيث الثانية التي استشهدت في خطاب نادر إلى البريطانيين بالقصف النازي على المملكة المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، إلى السلطات الأميركية التي حذرت من "بيرل هاربر" أو 11 سبتمبر/ أيلول جديد.
وبينما بدا العالم منقسماً حول كيفية مواجهة هذه الظاهرة، يعقد مجلس الأمن الدولي غداً الخميس أول اجتماع له حول كورونا، الوباء الذي أثار على مدى الأسابيع الماضية انقسامات شديدة في صفوف الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس. وكان تسعة من الأعضاء العشرة غير دائمي العضوية في المجلس طلبوا، الأسبوع الماضي، عقد اجتماع حول الوباء تتخلّله إحاطة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن دبلوماسي طلب عدم نشر اسمه أن المجلس سيلتئم الخميس "في اجتماع مغلق سيعقد عبر الفيديو". وبحسب مصادر دبلوماسية للوكالة فإنّ الغموض ما زال يكتنف ما ستؤول إليه هذه الجلسة وما إذا كانت ستكرّس الانقسامات التي تباعد بين أعضاء المجلس بشأن الوباء أو ستمثّل مناسبة يبدي خلالها أعضاؤه رغبة في الوحدة والتعاون، على غرار ما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت الخميس الماضي قراراً بإجماع أعضائها الـ193 على الرغم من محاولة روسيا عرقلته. ويكمن أحد أسباب الخلاف في إصرار واشنطن على تضمين أيّ بيان أو قرار يصدر عن مجلس الأمن فقرة تشير إلى الأصل الصيني للوباء، وهو ما ترفضه بكين بشدة. ودعت إلى هذا الاجتماع تسع من الدول العشر التي لا تتمتّع بحق الفيتو في مجلس الأمن وهي ألمانيا وبلجيكا وإستونيا وتونس وإندونيسيا وفيتنام والنيجر وجمهورية الدومينيكان ودولة سانت فينسنت والغرينادين. أما الدولة العاشرة وهي جنوب أفريقيا فاعتبرت أنّ الوباء يمثّل في الوقت الراهن أزمة صحية واقتصادية في حين أنّ مهمّة مجلس الأمن هي حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالتالي فإنّ التطرّق لهذا الوباء ليس من شأن المجلس في الوقت الراهن.
انقسامات وانتقادات
وفيما بدت محاولة لاحتواء الإخفاقات داخل الاتحاد وخارجه، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أمس الثلاثاء أن الاتحاد الأوروبي سيقدم 15 مليار يورو (16,4 مليار دولار) لمساعدة دول العالم الفقيرة على مكافحة وباء كوفيد 19. وقالت فون دير لايين إن المبلغ سيستخدم لمساعدة الدول التي تعد أنظمة الرعاية الصحية فيها ضعيفة للتعامل مع تداعيات الوباء وسيساعدها على التعافي اقتصادياً على المدى البعيد.
ومن الخلافات الأوروبية إلى الانتقادات الداخلية، حيث دخلت علاقة الفرنسيين بحكومتهم مرحلة جديدة من التأزّم في الأيام القليلة الماضية، إذ تعالت الاتهامات الموجّهة إليها بالكذب وبإخفاء الحقائق حول إدارتها أزمة كورونا، في وقت سجل فيه يوم الإثنين رقماً قياسياً في عدد الوفيات بالفيروس، إذ بلغت 833 خلال 24 ساعة. وبينما يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجيه خطاب للشعب الفرنسي مساء الخميس حول آخر المستجدات المتعلقة بالوباء، قال وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران أمس إن فرنسا لم تصل بعد إلى ذروة الوباء.
ولا تتوقف ثقة الفرنسيين بحكومتهم عن التدهور في الآونة الأخيرة. وبيّن استطلاع نشره معهد "بي في اه"، الإثنين، أن 36 في المائة فقط من الفرنسيين يثقون بإدارة الحكومة لأزمة كورونا. وتمثل هذه النسبة تراجعاً قدره 19 نقطة مقارنة بمنتصف مارس/ آذار الماضي (55 في المائة). وأظهر الاستطلاع أن 60 في المائة من الفرنسيين يبدون شكوكاً في المعلومات التي تقدمها الحكومة حول وباء كورونا.
وأبدت الحكومة في الأيام الأخيرة تغييرات مفاجئة في عدد من مواقفها المتعلقة بوباء كورونا، لتقول بآراء تعاكس تماماً تلك التي دافعت عنها منذ بداية الأزمة. فبعد رفضها المستمر للمطالبات بتعميم ارتداء الكمّامات الواقية على جميع الفرنسيين، وقولها إن ارتداءها مفيد للعاملين في القطاع الصحي فحسب، خرج المدير العام للصحة، جيروم سالومون، يوم الجمعة، ومن بعده وزير الصحة، أوليفييه فيران، السبت، ليؤكدا أهمية ارتداء الفرنسيين جميعاً الكمّامات.
ويرى بعض منتقدي السلطة في تغير موقفها من ارتداء الكمّامات مثالاً جديداً على ازدواجية خطابها حول الأزمة الصحية، في حين يرى آخرون في هذا التغيّر اعترافاً متأخّراً بمعلومات تمتلكها الحكومة منذ زمن لكنها تكتّمت عليها خوفاً من تأليب الرأي العام ضدها، خصوصاً أن الاتهامات بالتقصير تطاولها أساساً بسبب النقص الفادح في الكمّامات، وفي غيرها من المستلزمات الطبية والوقائية.
واتهم النائب عن حزب "الجمهوريون" اليميني المعارض، إريك سيوتي، الحكومة بأنها "لم تقل الحقيقة" حول موضوع الكمّامات، وبأنها فضّلت "نشر الأكاذيب" بدل الاعتراف بالنقص في احتياطي البلد منها. من جهته، قال عضو مجلس الشيوخ، فرانسوا غروديدييه، إن "انقلاباً مثل هذا" في موقف السلطة "يجعلنا نفكر بأنها لا تقول الحقيقة لنا"، مضيفاً أن "الحكومة تدفع ثمن تناقضها" أمام الرأي العام.
تحديات قائمة
لا تزال صور لجوء قوات الأمن في بعض الدول الأفريقية إلى استخدام الأسواط وإطلاق النار لتفريق التجمعات ولفرض الإجراءات التي أعلنتها الحكومات لمواجهة الوباء، ماثلة أمام الجميع، وتقدّم مثالاً على الصعوبات التي واجهتها السلطات في فرض القيود على التنقلات، لا سيما في الأحياء الأكثر فقراً واكتظاظاً من العالم، مع مخاوف متصاعدة من تفاقم حالة الفوضى في حال استمر الإغلاق لفترات طويلة. وعمّت العالم مشاهد مستهلكين مذعورين يهرعون إلى السوبرماركت ويتسابقون على البضائع، ووصل الأمر أحياناً إلى حد الاشتباك بالأيدي حول علبة معكرونة أو رزمة من ورق المراحيض.
كما يهدد الوباء بالتسبب بكارثة لملايين اللاجئين، لا سيما في مخيم الهول في سورية حيث يتكدس 68 ألف شخص من نازحين وأفراد عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" في أقل من كيلومترين مربعين.
وتواجه معظم الدول نقصاً حاداً في الكمامات الطبية وغيرها من معدات الحماية، ما يشكّل خطراً بالمقام الأول على الطواقم الطبية. وإزاء هذه الأزمة العالمية، تجري منافسة شرسة بين الدول للاستحصال على هذه اللوازم الثمينة، تصل إلى حد سرقة شحنات وتحويل وجهتها.
(العربي الجديد، فرانس برس، الأناضول)