وعلى صعيد تداعيات إعلانه الانقلابي المتواصلة، كشفت مصادر ليبية متطابقة عن حالة من الارتباك والفوضى عاشها معسكر حفتر خلال الساعات الماضية، في وقت عكست فيه بيانات العديد من الدول، من بينها الداعمة له، انفضاضها من حوله.
وباستثناء الإمارات العربية المتحدة، التي لم يصدر عنها موقف بشأن انقلاب حليفها حفتر، أكدت البعثة الأممية إلى ليبيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ومصر وتونس رفضها إعلانه إسقاط الاتفاق السياسي وما نتج منه من أجسام سياسية، بل شدد أغلبها على ضرورة التمسك باتفاق الصخيرات إطاراً لأي عملية سياسية في ليبيا.
ورغم مسارعة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة إلى إعلان رفضه لانقلاب حفتر، إلا أن أخطر تداعيات "الشطحة" الإعلامية كانت على صعيد جبهته الداخلية، وتحديداً في شرق البلاد، فشهدت الساعات الماضية مخاضاً عسيراً لم تنتج منه تسوية نهائية للخلاف المكتوم بين حفتر ورئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، الذي بدأ نجمه في الصعود بعد التأييد المحلي من جانب، ومن جانب آخر تقاربه مع بعض حلفاء حفتر، حيث حملت بيانات مصر وروسيا ما يشير إلى دعمها لمبادرته السياسية التي أعلنها الأسبوع قبل الماضي.
وكشفت مصادر محلية وبرلمانية متطابقة النقاب عن تلقي حفتر رسالة واضحة حملها ممثلون لزعامات قبائل من الشرق الليبي بشأن رفضهم لهيمنته أو تفويضهم إليه إدارة شؤون البلاد بشكل منفرد.
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن حفتر وعد ممثلي تلك القبائل بإجراء تعديلات على مشروعه، من خلال القبول باستمرار وجود مجلس النواب بطبرق في الواجهة السياسية كجهة تشريعية، وهو ما أكدته تصريحات المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، ليل البارحة الثلاثاء، التي أكد فيها أن إعلان حفتر لا يتضمن إقصاء مجلس النواب.
وبحسب المصادر ذاتها، استضاف صالح زعامات قبلية في بيته بمنطقة القبة شرقيّ البلاد، استمر لأكثر من ست ساعات، في وقت خرج فيه عدد من أبناء تلك القبائل في بيان مرئي أعلنوا فيه "رفض كل محاولات التبعية والهيمنة التي تسعى إلى استلاب الهوية الوطنية ودعم المسار الوطني المستمد قوته وأصوله من الشرعية الوطنية المستمدة من مجلس النواب المنتخب برئاسة المستشار عقيلة صالح".
وفي مؤشر آخر على رفض "التفويض" الذي أقام عليه حفتر إعلانه الانقلاب على الاتفاق السياسي، خرج عدد من شباب مدينة طبرق، وآخرون في مدينة سرت لإعلان تفويضهم إلى نجل العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، بدلاً من حفتر.
وأعلنت قبائل أخرى في غرب البلاد، منها قبيلة الصيعان التي تقطن في مناطق سيطرة حفتر، "تفويض" نجل القذافي، في مؤشر على اتساع دائرة المعارضين لإعلانه داخل جبهته الداخلية.
وبحسب أحد المصادر، فإن الرسالة الشفهية التي وصلت إلى حفتر طالبته بضرورة التخلي عن التشكيلة الحكومية التي كان يعتزم إعلانها برئاسة عبد الرحمن العبار، المسؤول السابق في نظام القذافي، ورئيس بلدية بنغازي الحالي.
وحول ما إذا كانت هناك مساعٍ لرأب الصدع ووأد الخلاف بين صالح وحفتر، استبعدت المصادر ذلك بسبب ظروف الاحتقان في الأوساط القبلية، رغم موافقة حفتر على إرجاء إعلان تشكيل حكومته انتظاراً لردود الأطراف الدولية وتعاطي البعثة الأممية مع مبادرة صالح السياسية.
ودون الإشارة إلى تأييدها لخطوة حفتر، أكدت الخارجية المصرية، في بيان لها أمس الثلاثاء، تمسك مصر بالحل السياسي وبمبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع في ليبيا. وفي وقت رحبت فيه البعثة الأممية في ليبيا بمبادرة صالح السياسية، أكدت الخارجية الروسية أن "الأفكار التي قدمها رئيس مجلس النواب يمكن أن تشكل أساساً للمناقشات السياسية في إطار عملية التسوية الليبية الشاملة"، معبّرة عن رفضها لإعلان حفتر إسقاط الاتفاق السياسي.
وقال أحد المصادر إن "رسالة زعماء القبائل لحفتر تضمنت الإشارة الى أن مجلس النواب هو من يحمل صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة بنص الإعلان الدستوري"، في رسالة ضمنية إلى حفتر بإمكانية نزع عقيلة صالح لصفة الشرعية عن قواته.
Twitter Post
|
وتبدو انعكاسات المخاض الذي تعيشه الجبهة الداخلية لحفتر واضحة في كلمة الناطق الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، التي حملت تراجعاً بشأن موقف حفتر من مجلس النواب.
وقال المسماري، في تصريح في وقت متأخر ليل البارحة الثلاثاء عبر اتصال هاتفي مع فضائية "ليبيا الحدث"، التي يملكها صدام حفتر، نجل اللواء المتقاعد إن "الاتفاق السياسي أتى بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، والمجلس الأعلى ولم يأتِ بمجلس النواب الذي كان موجوداً قبل اتفاق الصخيرات"، مضيفاً أن حفتر "في كلمته لم يتطرق إلى مجلس النواب أو الإعلان الدستوري المعمول به في البرلمان".
وبشأن رفض عدد من الدول لخطوة حفتر، قال المسماري إن الأخير "لم يوجه كلمته إلى المجتمع الدولي، ولا نريد موافقة أو رفضاً من أي دولة أخرى، بل النظر بعين الحقيقة وتأييد الرغبة الشعبية".
ورغم إعلانه توليه إدارة البلاد بناءً على "تفويض الشعب الليبي"، إلا أن كلمة المسماري كشفت عن ارتباك كبير في مواقف حفتر، بعدما زعم أن "الفترة المقبلة ستبنى على أساس إجماع وطني"، وأن هذا الإجماع "سيفرز مرحلة انتقالية تقوم على قاعدة دستورية"، وأن حفتر "هذا ما يسعى إليه بأن يكون الحل من خلال التيار الوطني الليبي".
على الصعيد الميداني، أكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، أن محاور القتال في جنوب طرابلس شهدت نشاطاً جديداً نهار أمس.
وأوضح المدني في تصريح لـ"العربي الجديد" أن محور المشروع، جنوب طرابلس، شهد خلال مساء أمس اشتباكات عنيفة باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أدت إلى سيطرة قوات "بركان الغضب" على مساحات جديدة في المحور.
وقال إن "الاشتباكات استمرت لأكثر من ثماني ساعات، وانتهت بسيطرة قواتنا على أجزاء واسعة من في المنطقة المجاورة لمعسكر حمزة بمحور المشروع"، مشيراً إلى أن الخسائر في صفوف مليشيات حفتر كانت كبيرة.
Facebook Post |
وبينما أكد المدني أن الهدوء عاد إلى المحاور من جديد حتى الساعات الأولى من هذا اليوم، قال إن سلاح الجو نفذ غارات قتالية فجر اليوم على خطوط الإمداد الخلفية لمليشيات حفتر. وأوضح أن الغارات استهدفت رتلاً يتكون من شاحنة محملة بالذخائر وأربع سيارات نقل تحمل هي الأخرى عتاداً عسكرياً في أثناء مرورها بالطريق الرابط بين القريات ونسمة، جنوبيّ البلاد، في اتجاهها لمحاور مليشيات حفتر جنوب طرابلس.