مسار أستانة السوري: نزع أوراق القوة من يد المعارضة

24 ابريل 2020
سيطر النظام بين جولات أستانة على مناطق المعارضة(فرانس برس)
+ الخط -

لم يستطع مسار أستانة، منذ انطلاقه بداية العام 2017، تمهيد الطريق أمام حلول سياسية للقضية السورية، أو إحداث اختراق في الملفات التي أعلن معالجتها، بل كان مدخلاً واسعاً للروس والإيرانيين لنزع أوراق القوة من يد المعارضة السورية، لفرض التسوية السياسية التي تبقي النظام السوري في السلطة، إذ استحوذ الطرفان، بالقوة المفرطة، على الكثير من المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة لسنوات طويلة، ولم يبق لها سوى جيب ضيّق في الشمال الغربي من سورية.

وفي غمرة انشغال العالم بتفشي فيروس كورونا المستجد، عقد وزراء خارجية الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا، إيران) لتفاهمات أستانة، أمس الأول الأربعاء، الجولة 15 من جولات مسار أستانة. وخرج المجتمعون ببيان "فضفاض" حول الأوضاع في الشمال الغربي من سورية، كما جرت العادة في أغلب اجتماعات المسار الأخيرة، والتي لم تؤد إلى استتباب الاستقرار في منطقة خفض التصعيد الوحيدة، التي بقي جزء منها بيد فصائل المعارضة.

وضم الاجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة، التركي مولود جاووش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، عبر تقنية الفيديو-كونفرانس (دائرة تلفزيونية مغلقة). وفي بيان عقب الاجتماع، شدد الوزراء على ضرورة دفع العملية السياسية في سورية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، والصادر بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل لتسوية سياسية. كما أعربوا عن أملهم في أن يشهد القريب العاجل انطلاق الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية بمساعدة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن.

وذكر بيان الخارجية التركية أن جاووش أوغلو أعرب، خلال الاجتماع، عن أمل بلاده في أن تحرز الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية تقدماً ملموساً. ووفق البيان فقد "تم تجديد التأكيد على دعمنا لجهود مجموعة العمل المعنية بالمعتقلين والمفقودين بسورية، الجارية بمشاركة خبراء من الأمم المتحدة ولجنة الصليب الأحمر الدولية، فيما يتعلق بإطلاق سراح المحتجزين قسراً /المخطوفين، وتسليم الجثث، وتحديد الأشخاص المفقودين". وأضاف "كما شهد الاجتماع تأكيدنا على مواصلة الجهود اللازمة بخصوص عودة اللاجئين السوريين الذين نزحوا من أماكنهم بسبب النزاع، ونحن على استعداد للعمل في هذا الصدد مع شركائنا في مسار (أستانة)". وأعلنت الخارجية الروسية أن الدول الضامنة لعملية أستانة أكدت من جديد، في اجتماع الأربعاء، تمسكها "اللامشروط" بسيادة سورية ووحدة أراضيها وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. في سياق متصل، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني ضرورة العمل وبذل الجهود الجماعية لإعادة الأمن والاستقرار إلى كامل الأراضي السورية وإرساء السلام في المنطقة برمتها. وقال روحاني، في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "علينا أن نسعى جاهدين من أجل إعادة الاستقرار إلى سورية وجميع دول المنطقة".




وكانت اجتماعات الجولة الرابعة عشرة من مباحثات أستانة قد جرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بمشاركة وفود الدول الضامنة ووفدي المعارضة ونظام اﻷسد. ودعا البيان الختامي الذي صدر عن هذه الاجتماعات إلى تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمحافظة إدلب، وضرورة دعم الحل السياسي في سورية وفق قرار مجلس الأمن 2254. وخلال الجولتين 14 و15 جرت أحداث وتطورات ميدانية مهمة في محافظة إدلب ومحيطها، إذ واصلت قوات النظام، بدعم جوي لا محدود من الطيران الروسي، العمليات العسكرية لقضم المزيد من مناطق المعارضة. وسيطرت قوات النظام، خلال يناير/كانون الثاني وشباط/فبراير الماضيين، على مساحات كبيرة في منطقة خفض التصعيد الرابعة، حيث وضعت يدها على كامل ريف حلب الجنوبي وجانب كبير من ريف حلب الغربي بعد سنوات طويلة من سيطرة فصائل المعارضة عليهما. كما سيطرت قوات النظام ومليشيات إيرانية على قسم كبير من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، لا سيما مدينتي سراقب ومعرة النعمان، إضافة إلى محاصرة المزيد من النقاط التركية القديمة والجديدة في محيط محافظة إدلب.

وكادت هذه القوات أن تقضم مدينة إدلب مركز المحافظة، لولا التدخل العسكري التركي المباشر الذي أوقف قوات النظام عند حدود معينة، بعد مقتل نحو 40 جندياً تركياً أواخر فبراير على يد قوات النظام، التي تكبدت خسائر فادحة على يد الجيش التركي، الذي استخدم طائرات مسيرة ضد هذه القوات، وهو ما استدعى قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في الخامس من مارس/آذار الماضي في العاصمة الروسية موسكو.

وانتهت القمة إلى اتفاق جديد نص على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق الدولي "أم 4"، فأشار إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين قوات البلدين على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الماضي.


وباستثناء وقف إطلاق النار في محافظة إدلب ومحيطها، لم يستطع الجانبان الروسي والتركي تنفيذ بقية بنود الاتفاق، لا سيما لجهة تسيير دوريات مشتركة على كامل الطريق الدولي "أم 4" الذي يصل مدينة حلب في الشمال السوري بمدينة اللاذقية في الساحل غربي البلاد، بسبب قطع الطريق من قبل مدنيين محتجين. وكانت مجموعات متشددة في الشمال السوري أعلنت رفضها الاتفاق الروسي التركي، وهو ما يفتح الباب أمام الروس لنقض الاتفاق، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهي الحجة التي اعتمدت عليها موسكو والنظام في تجاوز كل الاتفاقات السابقة، سواء المبرمة ضمن مسار أستانة أو تلك المبرمة بين الروس والأتراك منفردين.

وعلى الرغم من الاتفاق، واصل الجيش التركي حشد قواته داخل محافظة إدلب، إذ تؤكد مصادر مطلعة أن أكثر من 20 ألف جندي تركي انتشروا في أكثر من 40 نقطة في محافظة إدلب، في مقابل حشود من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية، ما يشير إلى أن الاتفاق يمكن أن ينهار في الأيام المقبلة. وتحاول إيران، من خلال مسار أستانة، أن تكون جزءاً من التفاهمات الروسية التركية في الشمال الغربي من سورية، وهذا ما يفسر الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق، الإثنين الماضي، حيث أجرى محادثات مع رئيس النظام بشار الأسد، تناولت التطورات الأخيرة في الشمال السوري، واجتماعات الجولة المقبلة من أستانة، بحسب وكالة "سانا" التابعة للنظام.

وطيلة 15 جولة من جولات مسار أستانة، خسرت المعارضة المناطق التي كانت تسيطر عليها في جنوب سورية وريف دمشق، وريف حمص الشمالي، وريف حلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي، ولم يتبق لها سوى قسم من محافظة إدلب ومحيطها، لتخسر أوراق قوة كبيرة من يدها. وكانت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة قد عُقدت في 23 يناير/كانون الثاني 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعقب خروج المعارضة المسلحة من أحياء حلب الشرقية وفق اتفاق روسي تركي.

وعقدت الجولة الثانية من مفاوضات أستانة، في 15 فبراير/شباط 2017، وتمخّضت عن تشكيل مجموعة عمل ثلاثية (روسية وتركية وإيرانية) لمراقبة وقف الأعمال القتالية، وتشكيل آلية لتبادل المعتقلين بين قوات النظام والمعارضة المسلحة. وقاطعت المعارضة الجولة الثالثة التي عقدت في 14 مارس/آذار 2017. وعُدّت الجولة الرابعة من المفاوضات التي انطلقت في 4 مايو/أيار 2017 من أبرز جولات هذا المسار، إذ اتفق الثلاثي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، على إنشاء أربع مناطق لخفض التوتر تشمل كامل محافظة إدلب وأجزاء من ريفي اللاذقية وحلب الغربي، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، وريف حمص الشمالي، وجنوب سورية، والتي تجاوز النظام لاحقاً ثلاثة منها وسحق المعارضة فيها بمساعدة روسية، ولم يبق منها إلا جزء من محافظة إدلب. وعقدت بعد ذلك 11 جولة لم تستطع تحقيق أي اختراق في العديد من الملفات، إذ لم يطلق النظام سراح معتقلين، بل زاد من وتيرة التعذيب ما أدى إلى مقتل المئات منهم. وفي الجولة العاشرة حاول الروس سحب البساط من تحت مسار جنيف التفاوضي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة من خلال نقل اجتماعات مسار أستانة من العاصمة الكازاخية إلى مدينة سوتشي الروسية، لكن المحاولة الروسية لم تنجح.