تجاهل النظام المصري لسيناء: انتقادات مقربين تستنفر السلطة

24 ابريل 2020
يصر النظام المصري على الحل الأمني بسيناء(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

شنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هجوماً ضمنياً على رجل الأعمال صلاح دياب، صاحب عمود الرأي الذي ينشر بتوقيع "نيوتن" في صحيفة "المصري اليوم"، التي أسسها ويعدّ أكبر المساهمين فيها. وقال السيسي، خلال افتتاح عدد من المشاريع شرق قناة السويس، الأربعاء الماضي: "من يتكلم على تنمية سيناء، يقول لنا من أين سيأتي بموارد ويتفضل يشترك معانا"، مضيفاً: "دعونا رجل الأعمال للمشاركة معنا في التنمية والاستثمار أكثر من مرة ولم يستجب أحد". وتابع: "سيناء تمثل 6 في المائة من مساحة مصر، وأنفقنا عليها الكثير، من دون مشاركة من هؤلاء، ومن دون الدخول في نواياهم".

وكان دياب قد طرح فكرة عبر مقال بعنوان "استحداث وظيفة" في عموده الصحافي، دعا من خلالها إلى تعيين حاكم مستقل لسيناء، وتمتعه بالاستقلالية في القرارات، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تنمية المحافظة، واصفاً ما تمّ في هذا الملف إلى الآن بـ"الفشل".

وأثار دياب، الذي ينشر مقالات منتظمة في صحيفة "المصري اليوم"، الجدل بحديثه عن ضرورة انفصال شبه جزيرة سيناء عن الدولة المصرية، وتحويلها إلى حكم ذاتي يقوده حاكم لديه صلاحيات واسعة، لا مجرد محافظ. وقد دلّ على فكرته بالقول إنه "يمكن الاستفادة من موارد المنطقة بتعيين حاكم لها، وصنع تنمية حقيقية على أراضيها"، ليؤكد أساس المشكلة التي تتمثل في تجاهل النظام الحاكم لمنطقة سيناء وأهميتها، وإصراره على الحل الأمني لإنهاء الأزمة القائمة بها، وعدم السعي نحو تنمية فعالة لاستئصال الإرهاب منها. واقترح كاتب المقال "استحداث وظيفة جديدة في مصر، وهي حاكم سيناء، بمدة تعاقد تصل إلى 6 سنوات، ومنحه الاستقلال التام عن بيروقراطية القوانين السائدة في الاستثمار، وفي استخدام الأراضي"، مستطرداً: "مطلوب الابتعاد عن ميزانية الدولة، وألا يجتمع الإقليم بالدولة إلا في السياسة الخارجية، ومهمة الدفاع عن حماية الحدود". ودعا إلى أن "تعهد مهمة أول حاكم للإقليم إلى شخصية بمواصفات خاصة، بحيث يستطيع مواجهة العقبات والمصاعب، وأهمها تفاهمات وترتيبات مشروع (صفقة) القرن".

وعلى الفور انطلق كتّاب وإعلاميون محسوبون على أجهزة الدولة السيادية في الهجوم على دياب وصحيفة "المصري اليوم"، معتبرين أنّ دعوته هي فكرة تخدم خطط العدو الإسرائيلي لفصل سيناء عن مصر، فيما بدا أنها رسالة واحدة معممة عليهم.

من جهته، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، قراراً حمل رقم 16 لسنة 2020، بشأن ما نُشر من مقالات في صحيفة "المصري اليوم"، وموقعها الإلكتروني، حول سيناء تحت اسم مستعار هو "نيوتن"، ملزماً الصحيفة وموقعها الإلكتروني، بنشر وبث اعتذار واضح وصريح للجمهور عن المخالفات التي ارتكبتها، خلال ثلاثة أيام على الأكثر. كما ألزم المجلس الصحيفة بإزالة المحتوى المخالف من موقعها الإلكتروني، ودفع غرامة قدرها 250 ألف جنيه (نحو 16 ألف دولار)، وحجب الباب الذي نُشرت وبُثت به المواد المخالفة بالصحيفة لمدة ثلاثة أشهر، فضلاً عن إحالة رئيس تحرير الصحيفة، عبد اللطيف المناوي، إلى المساءلة التأديبية بنقابة الصحافيين، ومنعه من الظهور في الصحف ووسائل الإعلام إلى حين انتهاء المساءلة.

كما قرر المجلس منع كل الصحف ووسائل الإعلام من استضافة كاتب سلسلة المقالات المنشورة تحت اسم "نيوتن"، وهو صلاح دياب -مؤسس الصحيفة ومساهم في ملكيتها- لمدة شهر، وإحالة الواقعة إلى النائب العام للنظر والتصرف في الشق الجنائي منها، بحجة ارتكاب الصحيفة مخالفات جسيمة تنتهك أحكام الدستور والقانون، وتخالف ميثاق الشرف المهني، والمعايير والأعراف المكتوبة.

في السياق، قال الكاتب المختص في شؤون سيناء، مهند صبري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المقال قد يكون مثيراً للغط أمام الرأي العام، أو مستفزاً لكثير من المصريين، لكنه في النهاية حبر على ورق، ولو كتب صاحبه، أياً من كان، ألف مقال مماثل لما وصل فعله إلى عُشر ما يحدث على أرض سيناء من عمليات تهجير قسري، وقتل خارج إطار القانون، وتدمير للمنازل والمزارع، وقطع أرزاق لمئات الآلاف من المدنيين".

وأضاف صبري أنّ "النظام المصري الحاكم متهم بارتكاب جرائم ترقى إلى جرائم الحرب وفق القانون الدولي والمحلي، وكل هذه الجرائم ارتكبتها الدولة المصرية بجيشها وشرطتها في أرجاء سيناء كافة"، متابعاً "من المقزز أن تستنفر الدولة قواتها وأدواتها بسبب مقال في صحيفة، مدعية الغيرة والخوف على سيناء، بينما ترتكب جرائم بحق المدنيين في وضح النهار على يد أجهزة الدولة".

من جهته، قال أحد مشايخ سيناء، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحديث عن فصل سيناء ليس بريئاً في هذا التوقيت، لأنه لا يمكن للكاتب التطرق إلى هذا الملف من دون إذن إحدى الجهات الأمنية، بوصفها تتابع كل حرف يُكتب في الصحافة المصرية"، مضيفاً "أرى أنّ المقال يمثل بالون اختبار لما يُخطط لسيناء خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع حديث الكاتب عن مشروع القرن، وهي إشارة صريحة إلى الصفقة التي أعدتها الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب".

وتابع الشيخ القبلي أنّ "قلة من اليائسين، وصل بهم الحال إلى تقبل مناقشة فكرة أن مخطط تحويل سيناء من محافظة إلى منطقة حكم ذاتي يعتبر إنجازاً على صعيد الحياة اليومية للمواطنين، ويمثل رداً عملياً على الإرهاب في سيناء، في ظلّ الوعود التي طالما سمعها الأهالي بشأن التنمية على مدار السنوات الماضية".

المساهمون