لا خلاف على طبيعة العنصرية في دولة الاحتلال، وكونها بنيوية تطاول كل جوانب الحياة في إسرائيل في مواجهة العرب الفلسطينيين. ولكن هذه العنصرية تطاول عند الأزمات، كما في حالة جائحة كورونا، شرائح إسرائيلية يهودية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، كما في حال العنصرية التي عانى منها الشرقيون بداية الخمسينيات، والعنصرية التي عانى منها الروس في أوساط التسعينيات، وليس انتهاء بالعنصرية العرقية التي يتم التعامل بها مع اليهود الأحباش.
وإلى جانب العنصرية، كشفت جائحة كورونا عن نمو وتجذّر الفاشية في أسلوب التعامل مع كل الإسرائيليين، ولا سيما مع اتجاه السلطة نحو أساليب حكم دول الاستبداد الشمولية والدكتاتورية، من خلال تشريع السماح لجهاز المخابرات الإسرائيلي بمراقبة المصابين بالفيروس، ورصد تحركاتهم من خلال تتبع أجهزة هواتفهم النقالة، والاتجاه لتوسيع هذه المراقبة، التي لا يصدق أحد أنها ستقتصر على تحركات المرضى، إذ يرجح أن تستغل أيضاً تحت غطاء مكافحة كورونا، لمراقبة المواطنين وجمع معلومات أخرى عنهم، تتعدى مسألة حالتهم المرضية وتنقلهم ومدى التزامهم بتعليمات الحجر.
ولا تقف نذر الفاشية عند هذا البعد، فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" في تقريرين منفصلين أخيراً، أنّ الجهات الصحية تدرس اقتراحاً بخفض العلاج والعناية الطبية للمرضى الذين لا يملكون فرص كبيرة بالشفاء، وتركهم يموتون بمفردهم. وهو اقتراح يفسّر مثلاً سبب إهمال وتنكّر وزارة الصحة لآلاف المسنين في دور العجزة ومراكز الرعاية، الذين تمّ إهمال حالتهم الصحية لدرجة وصلت نسبة حالات الوفاة في صفوفهم إلى 30 في المائة من مجمل الوفيات في إسرائيل بفيروس كورونا، تماماً مثل تجاهل بدء انتشار الوباء في صفوف فلسطينيي الداخل.
الاقتراح الثاني الذي تتم مناقشته، بحسب "هآرتس"، والذي يتم تداوله في أروقة الحكومة والكنيست، يتحدث عن سنّ تشريعات تلزم اللاجئين الأفارقة، ممن اندمجوا في سوق العمل، وتم حالياً فصلهم أو إحالتهم لإجازات غير مدفوعة الثمن، بأن يعيدوا للدولة منح الإعاشة التي سيأخذونها من توفيراتهم الرسمية التي تلزمهم بها الحكومة، وتوضع لهم جانباً لتحفيزهم على توفير مبلغ مالي كبير، يحصلون عليه لاحقاً لمساعدتهم في العودة إلى بلادهم الأصلية.
هذه المؤشرات الخطيرة هي في واقع الحال استمرار طبيعي للممارسات العنصرية والفاشية التي عانى ويعاني منها الفلسطينيون في الداخل، كما الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967. لكنها في ظلّ كورونا، تمرّ بسهولة، تنذر بتدهور كامل في إسرائيل نحو ثقافة فاشية تمنح الحكومة وأجهزة الأمن حرية التصرّف كما تشاء للانتصار على "العدو"، سواء كان هذا العدو وباءً أم معارضاً داخلياً؛ عربيا أم يهودياً، يرفض السير وفق رؤيا الدولة.