حصل "العربي الجديد" أخيراً على إحصائيات رسمية أعدتها أجهزة الدولة المصرية الأمنية والطبية ضمن تقرير، لعرضها على لجنة إدارة أزمة وباء كورونا، وأفادت بعدم تحقيق مصر الاستفادة المرجوة من قرارات حظر التجول الجزئي ووقف بعض الأنشطة، وغلق بعض أنواع المحال التجارية، ووقف المدارس والجامعات وحركة الطيران. إذ ظلّت المعدلات الخاصة باستكشاف الإصابات وتحديد بؤر انتشار العدوى ضئيلة، نتيجة ضعف أدوات الترصد الوبائي المتمثلة في التحليل الواسع لمخالطي الإصابات عشوائياً أو بصورة شاملة، وعدم السماح بدخول المستشفيات لجميع المخالطين باشتراط أن تظهر عليهم الأعراض، وكذلك التشدد في قبول حالات الاشتباه القادمة بأعراض، وأخيراً، وهو السبب الذي يحمله التقرير المسؤولية الأكبر، تخوّف المواطنين من الإبلاغ عن أنفسهم وعن الغير من أفراد الأسرة، خوفاً من الوصمة المجتمعية، وخشيةً من عدم إقامة جنازة للمتوفين، وغير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية.
وجاء في الإحصائيات أنّ وتيرة اكتشاف الإصابات كانت تسير بمتوسط 35 حالة يومياً خلال الفترة بين تعطيل المدارس والجامعات يوم 14 مارس/آذار الماضي، وفرض حظر التجول الجزئي في 26 من الشهر ذاته. وكان من المتصوّر والمرجو أن يزيد هذا المتوسّط بنحو 10 أضعاف بحلول نهاية فترة الأسبوعين التي سرى بها قرار حظر التجول الأول حتى 8 إبريل/نيسان الحالي، بمعنى أن تصل الأرقام إلى متوسط عام قدره 350 حالة يومياً. لكن ما حدث أنّ المتوسط العام ارتفع إلى 100 حالة يومياً قبل قرار مدّ الحظر وتقليص ساعاته، ثمّ 120 حالة يومياً بعد ذلك، أي أقل من نصف الحالات التي كان من المتصور اكتشافها بناء على حزمة تقديرات علمية محددة.
هذه التقديرات تتضمّن مقارنة وضع مصر بأوضاع عدد من دول العالم القريبة منها في عدد السكان، ودول أخرى قريبة منها في إمكانات إجراء التحاليل في يوم واحد. أمّا العامل المهم الذي أوضح أن مصر لا تسير على الطريق الصحيح في طريقة استكشاف الحالات، فهو معدل اكتشاف الحالات الموجبة بالنسبة لعدد من تجرى التحليل لهم، فالمعدل المصري حتى الآن حالة واحدة موجبة من كل 17 حالة تجرى لها التحاليل.
ومن الطبيعي أن تكون هذه النسبة أعلى منها في الدول التي لجأت لقرارات حظر التجول والإغلاق الكامل قبل اتخاذ مصر تدابيرها الخاصة التي لم تصل بالطبع لحدّ الإغلاق الكامل، لكن المؤشر السلبي هو أنّ المعدل المصري لم يتطور بتغير الأوضاع، إذا ما تمت مقارنته بما طرأ من تغييرات على معدلات الاستكشاف في الدول الأخرى. كما أنّ المعدل المصري ظلّ أقلّ من المعدلات المسجلة في دول تتميّز بالكثافة السكانية المرتفعة ولكن بصورة أقل من الكثافة السكانية في المحافظات المصرية، كإيطاليا وإسبانيا.
واعتبر التقرير أنّ هذه المقارنة تدلّ على عدم اتضاح جميع المعلومات الخاصة بانتشار الفيروس وبؤره للسلطات، فضلاً عن انخفاض عدد التحاليل التي تجرى يومياً، إذ تم تقديرها بنحو 26 ألفا منذ بداية الأزمة، أي بمعدل أقل من 600 تحليل في اليوم، انطلاقاً من بداية الشهر الماضي الذي بدأت فيه فرق الترصد عملها مع المخالطين لحالة الإصابة الأولى وكانت لمصري عائد من الخارج.
وأوصى التقرير بمضاعفة عدد التحاليل يومياً، على الأقل، بتوسيع دائرة الاشتباه واستغلال فترة الحظر الحالية والحجر المفروض على مناطق عديدة بالمحافظات، خاصة في القرى، لأخذ عينات عشوائية. إلا أنّ وزارة الصحة تجادل بأنها لا تملك الأدوات والمواد الطبية اللازمة التي تسمح لها بالوصول إلى ألف تحليل في اليوم، فضلاً عن تراجع الوزارة عن فكرة الاستعانة بمراكز تحاليل خاصة، لمساعدتها في التصدي لنقص الاحتياجات، وبسبب أخطاء عديدة تمّ اكتشافها في نتائج تحاليل أجراها مواطنون مصابون على نفقتهم الخاصة.
وقالت مصادر بوزارة الصحة لـ"العربي الجديد" أخيراً، إنّ شحنة المساعدات التي وصلت إلى مصر من الصين مساء يوم الجمعة الماضي، تحتوي على كميات من المواد المستخدمة في تحليل pcr الخاص بفيروس كورونا، وأجهزة للكشف السريع المبدئي على حالات الاشتباه، وهي ستوزّع على المعامل المركزية والمستشفيات.
وفي ما يخصّ الجانب الأمني والمجتمعي، حملت الإحصائيات مفاجأة غير سارة للمتابعين والمسؤولين الصحيين بطبيعة الحال، وتتمثّل في عودة مؤشر تدفق المواطنين على الأماكن العامة للارتفاع مرة أخرى، بعد خطاب رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الأخير، الذي قال فيه إنّ "خسائر التوقف الاقتصادي أكبر من خسائر إصابات كورونا"، ثمّ قرار الحكومة يوم الأربعاء الماضي تقليص ساعة من فترة حظر التجول، مع استمرار وقف التعليم المدرسي والجامعي والطيران، وأماكن التجمع والترفيه.
وتقول الإحصائيات إنّ أقصى انخفاض في توافد المصريين على أماكن التجمع والترفيه (التي تشمل المطاعم والمحال التجارية غير الغذائية والمقاهي والسينما) كان 50 في المائة من المعدل الطبيعي، لكن بعد خطاب السيسي والقرار الحكومي الأخير، عاد المؤشر للارتفاع ليصبح حالياً 40 في المائة، وهذا يعني أنه في ذروة تطبيق التدابير والحظر، لم يكن الابتعاد عن تلك الأماكن بنسب مرتفعة تضمن عدم انتشار الوباء.
الأمر ذاته يتكرر في معدلات توافد المصريين على أسواق الخضروات والفاكهة ومحال البقالة، فأقصى معدل انخفاض كان 24 في المائة، وبعد قرار الحكومة الأخير أصبح معدل الانخفاض 15 في المائة فقط. وكذلك الأمر بالنسبة لتوافد المواطنين على أماكن الترفيه المفتوحة مثل الحدائق والمتنزهات وشاطئ النيل، وشواطئ البحر، حيث كان أقصى معدل انخفاض هو 40 في المائة.
وقال مصدر شرطي في الأمن العام إنّ هذه المعدلات كانت السبب وراء صدور قرار قبل أيام بغلق جميع الشواطئ، بما في ذلك الخاصة في القرى السياحية بالساحل الشمالي ومطروح والإسكندرية ورأس البر وبورسعيد والعين السخنة والغردقة وشرم الشيخ، بعدما تمت ملاحظة أنّ المواطنين بدأوا يقبلون عليها قبل المواعيد الصيفية المعروفة بسبب تعطّل الدراسة والعمل من المنازل.
أمّا بالنسبة لوسائل النقل، فسجّلت الإحصائيات تراجعاً في شأنها يقدّر بنحو 55 في المائة مع بداية تطبيق الحظر، ولكن حالياً انخفض معدل التراجع إلى ما يعادل 35 في المائة بسبب عودة الأعمال الإنشائية، وتحرّك العمالة المؤقتة من جديد على الطرق بين المحافظات، على خلفية تعليمات السيسي بعودة المشروعات للعمل، وعدم وقف القطاع الخاص لأعماله على الإطلاق.
وفي ظلّ هذه المعطيات التي تعكس إدارة غير فعالة للموقف وعدم اكتراث بارتفاع عدد الإصابات أكثر من الأرقام المسجلة بكثير، تخطّت مصر أول من أمس الأحد حاجز الألفي حالة منذ بداية الأزمة، مسجلة 2065 حالة من ضمنهم 447 حالة تم شفاؤها و159 حالة وفاة بحسب وزارة الصحة، في الوقت الذي تراجعت فيه الحكومة عن اتخاذ تدابير أكثر حسماً كانت تلوح بها سابقاً. وذلك بعدما فاجأ السيسي المواطنين، الثلاثاء الماضي، بلهجة مغايرة للهجة التخويف والتحذير التي كان ينتهجها المسؤولون الحكوميون، معبراً عن رؤية متطابقة مع رؤية رجال الأعمال والمستثمرين الذين اتخذ بعضهم قرارات بتخفيض العمالة وتقليص الرواتب، وانتقدهم الإعلام المقرب من السلطة بغية حملهم على التبرع بمبالغ ضخمة لصندوق "تحيا مصر" التابع للرئاسة والجيش، والمحصّن تماماً من الرقابة المستقلة، والذي من المقرر أن يتم الإنفاق منه على تدارك آثار الوباء لتخفيف العبء عن الخزانة العامة المثقلة.
وجاء قرار تخفيف حظر التجول بعد ساعات من إعلان البنك المركزي أنه أنفق 5.4 مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي في شهر مارس/آذار الماضي فقط، على سداد قيمة سلع غذائية واستراتيجية مستوردة، وسداد مستحقات الديون الأجنبية في مواعيدها، ليتراجع الاحتياطي النقدي إلى ما يكفي 8 أشهر فقط من قيمة الواردات للحكومة.
وسبق أن قال مصدر في مجلس الوزراء المصري لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار تخفيض ساعات حظر التجول وعدم تشديد الإجراءات، يأتي على خلفية أسباب عدة، أبرزها إيمان السيسي بأنّ مصر لن تستطيع إدارة ملف الوباء بصورة تؤثر سلباً على حجم الأعمال ومزاولة الأنشطة الاقتصادية، باعتبار أنّ "بقاء الدولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها والمضي قدماً في مشروعاتها، مقدّم على صحة المواطنين الذين قد يتأثرون بانتشار الوباء حالياً، خاصة مع وضوح التأثير المحدود للمرض على الفئات العمرية الأكثر قدرة على الإنتاج والعمل". فضلاً عن أن رفض الجيش بشكل قاطع النزول للمشاركة في إدارة الحظر ميدانياً، خشية تسرب المرض إلى الأسلحة والمعسكرات المغلقة، أظهر أيضاً عجز الشرطة على الوفاء بالتزاماتها بشكل كامل، وبالتالي فإنّ تشديد الحظر لن يكون مفيداً حتى إذا زادت عدد ساعاته، من وجهة نظر الرئاسة تحديداً، وفق المصدر، الذي أشار إلى أنّ "بعض الأجهزة والوزارات عارضت بشدة هذا الاتجاه، لكنها فوجئت بالردّ عليها من قبل مسؤولين في المخابرات العامة، بأنّ الأهم في الوقت الحالي استمرار وقف الدراسة، وأن هذا سيسهم بشكل كبير في السيطرة على الأعداد".