كورونا أزمة ثانوية لنازحي إدلب: الأولوية لانتهاء التهجير

12 ابريل 2020
يعيش النازحون في أوضاع صعبة (إبراهيم ياسوف/فرانس برس)
+ الخط -


بين الهدوء الحذر الذي فرضه الاتفاق الروسي-التركي الموقّع حول إدلب بداية شهر مارس/آذار الماضي، وإرخاء أزمة كورونا بظلالها على المشهد العالمي، لا يزال الترقّب والانتظار سيدَي الموقف بالنسبة لأهالي إدلب، ولا سيما النازحين منهم، مع محاولات لتخمين مصيرهم، في ظل التحشيد العسكري بين طرفي القتال، أو أطرافه، خلال فترة الهدنة.
ولا يزال الجيش التركي يرسل مزيداً من التعزيزات إلى نقاطه المنتشرة في إدلب، بالإضافة إلى إنشائه نقاطاً جديدة في أماكن متفرقة منها، ولا سيما على حافتي الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، وسط أنباء تفيد بأن الأتراك يعمدون في هذه الفترة إلى ترتيب أوراق حلفائهم من الفصائل السورية لجهة إعادة تنظيمها مجدداً، لتكون أكثر جهوزية وتفاهماً مع قوات الجيش التركي، تحسباً لانهيار الاتفاق واستئناف العمليات من جديد.

في المقابل، يعزز النظام ومليشيات محسوبة على روسيا وإيران، من وجودها على خطوط التماس التي أوقفها عندها الاتفاق الأخير، من خلال الدفع بمزيد من الجنود والآليات ورفع المتاريس، ولا سيما عند جبهتي سراقب وسط إدلب، وكفرنبل في ريفها الجنوبي الغربي، وسط معلومات تشير إلى نيّة النظام استئناف العمليات بدفع إيراني، الأمر الذي يلقى معارضة من روسيا، التي لا تريد مزيداً من الخلافات مع تركيا في الوقت الحالي، وبانتظار انتهاء أزمة كورونا التي عطّلت المشهد السياسي دولياً.

في خضم كل هذه المعطيات، يتابع الناس في إدلب التطورات التي أخذت بالتلاشي مع الانشغال الدولي بأزمة كورونا؛ فلم تعد أخبار الخروقات المتكررة من النظام في إدلب خبراً رئيسياً، في ظل الخوف السائد من دخول الفيروس إلى مناطق شمال غربي سورية (إدلب ومحيطها)، في حين يحتجب المسؤولون الروس والأتراك عن الإدلاء بالتصريحات والمواقف حيال إدلب، في ظل انشغالهم بمواجهة الوباء في بلديهم. إلا أن النازحين الذين يقدّر عددهم بأكثر من مليون و700 ألف نسمة، والذين اضطروا لترك مدنهم وقراهم مع تقدّم النظام ومليشيات تسانده، لا يزالون يعطون لعودتهم إلى منازلهم أولوية قصوى، معتبرين الأزمة الحالية ثانوية أمام ذلك، وما يؤرقهم هو الغموض الذي اكتنف اتفاق موسكو الأخير حول إدلب، معتبرين إياه التفافاً على القضية الرئيسية، وهي انسحاب النظام من مدنهم وقراهم تمهيداً للعودة إليها.

يقول مصطفى محلول، وهو طبيب من مدينة معرة النعمان، نزح مع عائلته إلى مركز مدينة إدلب بعد دخول قوات النظام إلى المعرة نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "مصطلح النزوح بحد ذاته صعب على النطق فكيف إذا كان واقعاً، وحتى لو سكن النازح في قصر فلن يكون سعيداً وهو بعيد عن منزله ومكان إقامته"، مضيفاً: "النزوح مكلف كذلك لجهة الكلفة المادية والجسدية والذهنية، بالإضافة إلى فقدان العمل والدخل، وعلى الرغم من أنني لم أتضرر من هذه الناحية سوى من تغيير مكان العمل، إلا أن هناك الكثير من المتضررين".

وحول حالة الانتظار التي يعيشها والسيناريوهات التي يتوقعها لما هو آتٍ، بالنسبة له ولآلاف النازحين، أو الوضع العام في إدلب، يشير مصطفى في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الأمل بالعودة هو العزاء الوحيد أمام الناس، ومتى تحصل هذه العودة فذلك يكون بعلم الله، ولكن لا توجد في المدى المنظور مؤشرات تفيد بحل ملف إدلب لجهة عودة الناس إلى منازلهم، ولا سيما إلى جنوب إدلب وشرقها وأرياف حماة الشمالي وحلب الغربي والجنوبي"، متابعاً: "لكن الأمل موجود، وهو ما يجعلنا نتردد في الكثير من الخطوات، كتثبيت مكان الإقامة، أو الإقدام على الانخراط بعمل دائم، أو حتى تسجيل الأطفال في المدارس، وخططنا حيال ذلك كلها قريبة المدى ولا نفكر على المستوى البعيد، ولكننا كذلك نتحسب لسيناريوهات أسوأ، ولا سيما نحن في مدينة إدلب، فخلال المعارك الأخيرة كان مركز المدينة في دائرة الخطر وبدأت حركة النزوح قبل توقف المعارك، ويخشى في حال استئناف المعارك أن تعود هذه الدائرة لتطوق مركز المدينة، ما يجعلنا في قلق دائم".

ويشير محلول إلى أن "الناس كانوا يعوّلون على دور تركي لحل مسألة النازحين والضغط لجهة انسحاب قوات النظام من كافة المناطق التي تقدّمت إليها، إلا أن السياسة التركية حيال هذا الملف لا تزال غير واضحة، فالتصريحات بعيدة عما يحدث على أرض الواقع، وبالتالي تكرار الصدمات جعل الناس في إدلب نازحين أو مقيمين، يعيشون على الحد الأدنى من الأمل".
وحول رؤيته لتأثير أزمة كورونا على المشهد في إدلب عسكرياً وسياسياً، يرى أن "أزمة كورونا سلاح ذو حدين بالنسبة لإدلب، فمن الممكن أن تكون إيجابية على المدى الطويل في حال استمرت حالة الشلل العسكري، لكن الخوف أن تبقى الدول الفاعلة في القضية السورية ولا سيما الصديقة لنا مشغولة في ملفاتها الداخلية، في حين أن الدول الشمولية الحليفة للنظام كروسيا وإيران وإلى جانب النظام، لا يهمها الانشغال بهذه الأزمة بقدر تحقيق مكاسب استراتيجية، وربما يتم استغلال ذلك للتمدد أكثر على الأرض، وفي حال لم تتحرك المعارضة سياسياً على الرغم من حالة الشلل، فربما يتم التسليم بالوضع الحالي، وتبقى الأمور كما هي سياسياً وعسكرياً".


وبعد انتظار أكثر من شهرين منذ نزوحه من بلدته جنوبي إدلب، إلى بلدة سلقين شمالها، اضطر محمد أبو عبدو للتوجّه إلى بلدة سرمدا على الحدود السورية-التركية لتأمين عمل في مهنته كعامل في ورشة للخياطة، بعد انقطاع المردود، تاركاً زوجته وأولاده في مكان النزوح الجديد، من دون القدرة على أن يصطحبهم معه بسبب عدم توفر المنازل في منطقة عمله وغلاء إيجاراتها كذلك. ومضى على نزوحه حوالي خمسة أشهر، قضاها على أمل العودة.
يقول أبو عبدو في حديث مع "العربي الجديد" إنه يتابع يومياً كل الأخبار المتعلقة بإدلب، وقد أحبطه الاتفاق الأخير الذي لم يتطرق إلى مسألة عودة النازحين إلى منازلهم، وبات يفقد الأمل في دور تركي حقيقي لجهة حل هذه المسألة، قبل أن يعود الجيش التركي للدفع بمزيد من التعزيزات إلى إدلب بعد توقيع الاتفاق، ما أعاد الأمل ولو بشكل نسبي إلى داخله، شأنه شأن آلاف النازحين. وعن خطورة العمل في ظل الأزمة الحالية من الخوف بتفشي فيروس كورونا في مناطق إدلب، يشير إلى أن "الخوف الحقيقي هو من الفقر والقلة، فإذا لم أعمل من سيأتي لأولادي بالطعام؟ ومن سيدفع عني أجرة المنزل؟ نحن مضطرون للعمل، ليس لتوفير المال إنما لنعيش".

وبحكم تماسه مع المدنيين في إدلب، يشير فؤاد السيد عيسى، وهو عضو في مجلس إدارة منظمة "بنفسج" التي تقدّم خدمات إغاثية للنازحين والسكان في إدلب على حد سواء، إلى أن "النازحين على وجه الخصوص لا يزالون يرفضون التأقلم مع واقعهم الجديد، فلا يزال أغلبهم في الخيام والمخيمات، ويحاولون تحسين واقعهم ضمن ظروف لجوء مؤقتة آملين حلاً يؤمّن العودة، مضطرين للعمل بمردود يومي يؤمّن لهم معيشتهم".
أما بالنسبة لتحسب الناس لخطر كورونا وانتشاره في إدلب، فيوضح السيد عيسى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الناس لا يعطون أولوية لهذه المسألة، ليس لأنهم لا يعون خطورة ذلك، إنما بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، فلا يمكن أن تطلب منهم عدم ممارسة الأعمال البسيطة والالتزام بالمنازل، فذلك يعني دمار الأسر اقتصادياً ومعيشياً، علاوة على الكارثة التي سبّبها النزوح لهم".

وتقدّم النظام بدعم روسي وإيراني نحو "منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الغربي والشمالي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، في معارك بدأت منذ إبريل/نيسان 2019، على الرغم من توقيع اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول إدلب في سبتمبر/أيلول 2018. وقضمت قوات النظام خلال معارك متعددة أجزاء واسعة من تلك المنطقة، ولا سيما في أرياف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي والشرقي وحلب الغربي والجنوبي، ما دفع تركيا للتحرك في محاولة للحد من تقدّم النظام، وتعزيز وجودها في إدلب بادئ الأمر، ومن ثم شنّ عملية عسكرية ضد قواته، توقفت في السادس من شهر مارس/آذار الماضي بعد إبرام اتفاق موسكو بين روسيا وتركيا والذي يتضمّن وقفاً لإطلاق النار. إلا أن مراقبين ومحللين سياسيين وعسكريين، يعتبرون أن الاتفاق هش وغامض، ما يشي بانهياره في أي وقت، لكن الأزمة العالمية الحالية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا في العالم، تؤجل تكريس الاحتمالات كواقع على الأرض، ريثما تنتهي الدول المتنفذة في الملف السوري من مواجهة انتشار الفيروس داخل مجتمعاتها.