وتخشى موسكو من أن يؤدي استئناف المعارك إلى انهيار اتفاقها مع أنقرة، ما سيعني عودة تدخلها على الأرض، في وقت تسعى فيه إلى التهدئة حتى تنجلي الأزمة الدولية الحالية، التي سببها انتشار فيروس كورونا، وربما دفعها ذلك إلى سحب جزء من قواتها المنتشرة في سورية، بسبب الانتشار الإيراني الكبير في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، التي يوجد فيها الجنود الروس بطبيعة الحال. وقد غابت روسيا عن المشاركة في الدوريات، التي من المفترض أن تكون مشتركة بين قواتها والجيش التركي على امتداد الطريق الدولي "أم 4"، بحسب الاتفاق الأخير. وتعزو موسكو ذلك إلى الوضع غير الآمن على الطريق، بعد معارضة شعبية ومن فصائل المعارضة لمرور المركبات العسكرية الروسية على الطريق.
ميدانياً، قُتل وجرح عدد من عناصر قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها، وأصيب آخرون، ليل السبت الماضي، في تصدي الفصائل المسلحة جنوبي إدلب، لها، وسط قصف مدفعي على قرى وبلدات في منطقة جبل الزاوية. وقال مراسل "العربي الجديد" إن أكثر من 20 عنصراً للنظام حاولوا التقدّم من محوري مدينة كفرنبل وقرية الفطيرة في جبل الزاوية، فتصدّت لهم الفصائل العسكرية، وأوقعتهم بين قتيل وجريح، بعد مواجهات استمرّت نحو ساعة، موضحاً أن محاولة التقدّم تزامنت مع قصف صاروخي ومدفعي على المحورين، اللذين حاولت القوات التقدّم منهما، فيما اقتصرت الخسائر على الماديات.
وكانت قوات النظام قد استقدمت، أول من أمس، تعزيزات عسكرية إلى محور مدينة سراقب ومحاور أخرى شرق مدينة إدلب، وإلى منطقة العيس في ريف حلب الجنوبي. وتضاف هذه التعزيزات إلى كثير من مثيلاتها، عمد النظام والإيرانيون إلى الزج بها نحو جبهات إدلب والنقاط التي تسيطر عليها هناك، منذ توقيع الاتفاق الروسي - التركي، في مسعى إيراني لتجاوز الاتفاق الذي أخرج طهران من معادلة إدلب سياسياً، واقتصر دورها على المشاركة في العمليات وتقديم العناصر والإمدادات.
في مقابل ذلك، نقل الجيش التركي أكثر من 20 آلية عسكرية، بينها دبابات ومدافع ثقيلة، ونحو 150 جندياً، من بلدة بداما إلى قرية الناجية الواقعتين في منطقة جسر الشغور غربي إدلب. وبهذا يرتفع عدد نقاط المراقبة والانتشار التركية في محافظات إدلب وحلب وحماة واللاذقية إلى أكثر من 50، 12 منها كانت تركيا قد نشرتها في إدلب بموجب اتفاق "مناطق خفض التصعيد" في أستانة. أما الباقي، فقد عززت تركيا عبرها وجودها في إدلب بعد هجمات قوات النظام منذ مطلع العام الماضي. وباتت تلك النقاط تضمّ أكثر من خمسة آلاف آلية عسكرية متنوعة، إضافة إلى نحو 10 آلاف جندي. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن التعزيزات الأخيرة تضمنت منظومات أميركية للدفاع الجوي من طراز "هوك" متوسطة المدى، يمتلكها الجيش التركي مسبقاً، التي يبلغ مداها نحو 30 كيلومتراً، ما يشير إلى أن استئناف المعارك سيشهد تطورات حاسمة على الأرض، لجهة تنفيذ مطالب أنقرة السابقة، بانسحاب قوات النظام من "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) بحسب اتفاقية سوتشي، وهذا ما تترجمه حجم التعزيزات التي تنطلق إلى إدلب باستمرار.
وفي الغضون، سيّرت القوات التركية منفردة، السبت، دورية عسكرية للمرة التاسعة على التوالي على طريق "أم 4"، ما بين قرية ترنبة وبلدة مصيبين، بسبب استمرار الاعتصامات المعارضة لمرور المركبات الروسية إلى جانب مثيلاتها التركية. وبداية الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التركية تسيير دورية مشتركة على طريق "أم 4"، فيما قالت نظيرتها الروسية إنها اختصرت مسار الدورية، إذ كان من المقرر أن تغطي الطريق الواصل بين مدينتي حلب واللاذقية، إلا أنها قلصتها بسبب "مخاوف أمنية". وسبق أن اختصرت روسيا الدورية العسكرية المشتركة الأولى مع تركيا في 15 مارس الحالي، بعد "استفزازات" تعرضت لها الآليات العسكرية، بحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية.
وتناقلت مواقع إعلامية معارضة أنباءً عن نية أنقرة تشكيل ستة ألوية "قوات خاصة" من فصائل المعارضة، تعمل تحت إشراف الجيش التركي وقيادته في إدلب، لتكون بمثابة "ألوية مرافقة" لقواته هناك، بحسب ما ذكرت صحيفة "جسر" السورية الإلكترونية. وأشارت الصحيفة، وفقاً لمصدر لم تحدده، أنه "ستُشكَّل ثلاثة ألوية عسكرية من الجبهة الوطنية للتحرير وثلاثة من الجيش الوطني، وستكون القيادة العامة لضباط من الجيش التركي والقيادة الميدانية سيتولاها قادة سوريون". وأوضح مصدر الصحيفة أن "كل لواء سيضم في صفوفه 1500 عنصر من السوريين (قوات المعارضة)، يرافق الأتراك، وأن الألوية التابعة للجبهة الوطنية للتحرير ستمنح أسماء اللواء 52، اللواء 53 واللواء 54"، مشيراً إلى "جاهزية الخطة على الورق، وأنه قد بدئ بعملية التنفيذ بشكل محدود حالياً في منطقة تفتناز" شرق إدلب.
وحول ذلك، أوضح المتحدث باسم "الجيش الوطني السوري" الرائد يوسف حمود، لـ"العربي الجديد"، أن "الجيش التركي يقسم، خلال انتشاره في إدلب أو أي مكان على الأرض، المحاور بحسب الألوية المشاركة في العمليات، وعلى ذلك يطلب قوات من عناصرنا تعمل إلى جانب قواته ضمن هذه المحاور. هذه العملية ظنها البعض بدايةً لتشكيلات جديدة من ستة ألوية أو غيرها، لكن ذلك ليس جديداً على استراتيجية الجيش التركي في عملياته السابقة في سورية. والمتابع لسير عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام يعرف ذلك تماماً، وهذه الخطوات لتنظيم الجهود وتنسيقها ضمن العمليات العسكرية بيننا وبين الحلفاء".
وعن المعلومات التي تشير إلى نيّة أنقرة تدريب عناصر من فصائل المعارضة داخل تركيا قبل الزج بهم على الجبهات إلى جانب الجيش التركي في إدلب، أعرب حمود عن اعتقاده أن الوقت ليس كافياً للقيام بتدريب المقاتلين المدربين أساساً، موضحاً أن "المعسكرات التي أنشأناها في الفترات الماضية لتدريب المقاتلين، ولا سيما من قوات الجيش الوطني، كانت بإشراف من قوات تدريب تركية، أشرفت على المقاتلين ونقلت إليهم الخبرات بشكل دائم".
وفي الخامس من الشهر الحالي، وقع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، اتفاقاً حول إدلب يُعَدّ ملحقاً باتفاقية سوتشي المبرمة بين الرئيسين في سبتمبر/ أيلول 2018 حول "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، التي عمد النظام إلى قضم أجزاء واسعة منها في معارك بدأت مطلع العام الماضي، ما استدعى شنّ الجيش التركي أخيراً عملية توقفت مع سريان الاتفاق الجديد، الذي يصفه محللون عسكريون وسياسيون بالغامض والهش، وسط تنبؤات بانهياره سريعاً، وعودة استئناف العمليات.