هل تنجح حكومة الفخفاخ في اختبار كورونا؟

18 مارس 2020
أغلقت المجالات الجوية والبرية بتونس جراء كورونا(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
وُلدت حكومة الياس الفخفاخ التونسية في قلب أزمة انتشار فيروس كورونا، أي في ظروف صعبة لا تحسد عليها ولا يتمناها أي سياسي. فقد صادق مجلس نواب الشعب على الحكومة فجر الخميس في 27 فبراير/ شباط الماضي بعد تصويت 129 نائباً على منحها الثقة، ورفض 77 نائباً ذلك، واحتفاظ نائب واحد بصوته. وتسلم رئيس الوزراء الجديد مهامه رسمياً في اليوم التالي، أي يوم الجمعة في 28 فبراير، ما يعني أنه شرع فعلياً في العمل صبيحة يوم الاثنين في 2 مارس/ آذار، مع بداية اقتراب فيروس كورونا شيئاً فشيئاً من منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتحوله إلى أزمة عالمية حادة، لم تستعد لها أغلب الحكومات استباقياً. فكيف إذاً بالنسبة لحكومة وليدة لم تمسك بعد بكل خيوط الحكم، ولم يتمكن وزراؤها من تحديد فضاء تحركاتهم، واكتشاف حقيقة الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها حكومة يوسف الشاهد؟ والأهم أنّ حكومة الفخفاخ ولدت في مناخ متوجّس، وانقسام سياسي تؤكده نتائج التصويت، والتي لم تسبقها إليها لناحية ضعفها، أي حكومة سابقة. ووصل الأمر بالبعض إلى حدّ التوقّع بأن هذه الحكومة لن تدوم طويلاً، وستضربها الخلافات الحزبية، خصوصاً أنّ مكونها الأكبر، حركة "النهضة"، قالت بوضوح إنها ذهبت إلى التصويت على حكومة الفخفاخ خوفاً من الفراغ، وتحت الضغوط الإقليمية الصعبة، واشتداد المعارك في ليبيا، وكذلك منعاً لتأويلات دستورية خلافية، وفي ظلّ تهديد واضح من رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحلّ البرلمان.
غير أنّ الحروب والتحديات الكبرى تقلل عموماً من الخلافات وتقوي جبهات الداخل، وتستدعي مفاهيم الوحدة الوطنية، وهو ما حصل تقريباً في تونس، باستثناء بعض الإشارات المحدودة التي تذكر في كل مرة بالصراع السياسي ما بين قصر باردو (البرلمان) وقصر القصبة (الحكومة) وقصر قرطاج (الرئاسة).

وفيما كان البرلمان التونسي أول من أمس الاثنين يستدعي رئيس الوزراء لاجتماع عاجل (لم يتم)، ويدعو الحكومة لإغلاق المجالات البرية والجوية واتّخاذ قرارات جدية (بما يوحي بأنّ القرارات الحالية ليست كذلك)، كان الفخفاخ يجتمع بسعيّد في قصر قرطاج. وقد جاء في بيانهما المشترك عقب اللقاء أنه تم "التأكيد على ضرورة تكامل عمل مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين، واحترام كل سلطة اختصاصاتها، من دون تداخل أو مضاربات سياسية"، وذلك في إشارة واضحة إلى أنّ هناك مناكفات سياسية، وتنافساً في مسألة قيادة الأزمة، وتنازعاً مستمراً على السلطة. وخرج الفخفاخ مساء اليوم نفسه (الإثنين)، ليعلن عن قراراته الجديدة، ويغلق بالفعل المجالات الجوية والبرية، بعد أن تمّ إغلاق المجال البحري، بالإضافة إلى إعلانه عن حزمة قرارات أخرى.
وعلى الرغم من هذه الصراعات التي تعوّد عليها الجميع، فإنّ الإحساس الغالب في تونس هو وجود تكامل فعلي على أرض الواقع بين مؤسسات الدولة كافة. وقد أكد البرلمان أنه سيتعاون مع الحكومة سريعاً بشأن أي دعم تشريعي تحتاجه في هذه الأزمة. ولكن يبقى السؤال الحقيقي متعلقاً بمدى إمكانية صمود حكومة الفخفاخ أمام هذا الامتحان الكبير المفاجئ، الذي يتعدى قدراتها وقدرات الدولة.
في السياق، قال المحلل السياسي، عبد اللطيف الحناشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "فيروس كورونا لن يكون له تأثير، على الأقل في الفترة الحالية، على حكومة الفخفاخ من حيث الأداء وتعاطي المعارضة معها، البرلمانية وغيرها، لأنّ تونس تعيش وضعاً استثنائياً، ولا تزال في بداية انتشار الفيروس وتفاعل الأزمة فيها، مقارنةً بدول أخرى"، موضحاً أنّه "في الأوقات العصيبة، وفي الكوارث الطبيعية والمرضية، يكون هناك حدّ أدنى من التضامن بين جميع الأطراف".


ورأى الحناشي أنّ هذا الأمر "ينطبق على الوضع الآن في تونس، فهناك نوع من التكاتف بين جميع الأطراف ومع المجهودات التي تقوم بها وزارة الصحة، وهناك تطوع من التونسيين بالمال وكذلك العقارات لإيداع المشتبه بإصابتهم بالفيروس فيها. وبالتالي، النخبة السياسية لن تفتح في مثل هذا الوقت العصيب معارك جانبية، وحتى وإن تم فتحها من قبل البعض، فلن تنساق النخبة لذلك". وتابع الحناشي أنه "على الرغم من بعض التجاذبات بين رئاسة الجمهورية والبرلمان، فإنّ ذلك لن يستمر، لأن الوضع يتطلب أكثر ما يمكن من التنسيق والعمل المشترك بين جميع الأطراف".
وعلى الرغم من بعض الانتقادات، فقد تمكّنت حكومة الفخفاخ إلى حدّ الآن من السيطرة على الوضع. ولعلها صدفة جيدة وذات فائدة كبيرة أن يتم تعيين عبد اللطيف المكي، على رأس وزارة الصحة، إذ سبق له أن تقلّد مهام الوزارة نفسها في حكومة الترويكا، ولذلك فهو يعرفها جيداً، ويعرف كوادرها وطريقة اتخاذ القرارات فيها بسرعة ونجاعة. وقد بدا المكي بالفعل واثقاً في إدارته للأزمة، وهو ما انعكس على صورة الحكومة بشكل عام، التي بدت أنها متمكّنة جيداً من عملها وإدارة هذه الأزمة.
لكن التحديات أمام حكومة الفخفاخ لا تتوقف على ما يتعلق بتداعيات هذه الأزمة على الجانب الصحي فقط، إذ إنّ تأثيرها سيكون اجتماعياً واقتصادياً في ما بعد. فقد صرح الفخفاخ بأنّ كورونا سيكلف الاقتصاد تراجعاً في نسبة النمو، ما يعني موارد أقلّ لحكومة تبحث أصلاً عن أموال لمواجهة المطالب الاجتماعية المتراكمة، وهو ما يعني إرجاءً وتعليقاً مؤقتاً للمشاكل التي ستواجهها هذه الوزارة. ولكن الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أكد أنّ حكومة الفخفاخ "ستكون أمام فرصة مهمة لم تتمتع بها الحكومات السابقة، لناحية الاستفادة من الأزمة الحالية"، مشيراً إلى أنّ "تهاوي سعر النفط في السوق العالمية، يوفّر لها فائضاً بنحو مليار دولار من مخصصات دعم المحروقات المقرة في الموازنة".

وقال الشكندالي في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ "السياسي الجيد هو من يحوّل الأزمات إلى فرص"، مشيراً إلى أنّ "حكومة الفخفاخ مسنودة بقيادات من الصف الأول في الأحزاب المشاركة في الحكم". وأضاف أنّ "وجود قيادات من النهضة على غرار لطفي زيتون وعبد اللطيف المكي، ضمن التشكيلة الحكومية يدعم الحزام السياسي للفخفاخ، ويقي الحكومة من الهشاشة السياسية التي عانت منها حكومات سابقة".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "تراجع سعر النفط في السوق العالمية سيحسن شروط تفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي، من أجل تحصيل ما قيمته 1.2 مليار دولار مما تبقى من اتفاق مايو/أيار 2016 مع الصندوق". وشرح أن "خفض دعم المحروقات كان مطلباً أساسياً للصندوق، وكانت توقفت عنده المفاوضات مع حكومة يوسف الشاهد"، معتبراً أنّ "المناخ الحالي يسمح للحكومة بتطبيق هذا الشرط والحصول على التمويلات اللازمة للموازنة".

المساهمون