عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة العراقية: مهمة صعبة لإرضاء الكتل السياسية

18 مارس 2020
سيكون على الزرفي (يمين) تلبية مطالب المحتجين(حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -


في حالة غير مسبوقة في المشهد السياسي العراقي قد تكون مؤشراً على جملة من التبدّلات الجديدة داخل ما يمكن اعتباره ثوابت العملية السياسية في البلاد بعد عام 2003، كلّف الرئيس العراقي برهم صالح، محافظ النجف السابق، عضو البرلمان عن تحالف "النصر" الذي يتزعمه حيدر العبادي، عدنان الزرفي، بتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك خلال اجتماع رسمي بمشاركة أعضاء من الهيئة القضائية العليا والبرلمان ومستشاري الرئاسة، بينما غابت عنه قيادات وممثلي كتل سياسية، عادة ما توصف بأنها مقربة من طهران أو تتبنّى أجندتها في البلاد.

إعلان تكليف الزرفي تأخر لعدة ساعات بسبب رفض قوى سياسية مختلفة له، أبرزها "بدر" بزعامة هادي العامري، و"صادقون" الجناح السياسي لمليشيا "العصائب"، و"عطاء" برئاسة زعيم "الحشد الشعبي" فالح الفياض، وتحفّظ واضح من "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، مقابل تأييد كتل "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"تحالف القوى" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، و"النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، فضلاً عن دعم كردي تمثل برئيس الجمهورية نفسه. واعتُبر هذا التكليف حدثاً غير مسبوق في العملية السياسية، بل إن الكثير من المراقبين والسياسيين في البلاد اعتبروه أحد آثار التراجع الإيراني في العراق بعد اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.

وأصدر تحالف "الفتح" بياناً بعد ساعات من التكليف الرسمي للزرفي، أعرب فيه عن رفضه التكليف، واعتبره خرقاً للدستور من قبل رئيس الجمهورية. وقال التحالف: "نرفض الخطوة غير الدستورية التي قام بها رئيس الجمهورية بتكليف مرشح خارج السياقات الدستورية والتي تنص على تكليف مرشح الكتلة الكبرى وإعلانه رسمياً ارتكابه للمخالفة الدستورية بذلك، ويكرر نفس المخالفة فهو تجاوز الدستور من جهة، ولم يلتزم بالتوافق بين القوى السياسية من جهة أخرى". وأضاف "نحمّل رئيس الجمهورية كامل المسؤولية عن تداعيات هذه الخطوات الاستفزازية وسنأخذ كافة الإجراءات لمنع هذا الاستخفاف بالقانون والدستور".
من جهته، قال القيادي في مليشيا "العصائب" جواد الطليباوي: "قلناها سابقاً ونقولها اليوم، لن يمرر أي شخص لرئاسة الوزراء خلافاً لإرادة الشعب، هناك مؤامرة تحاك في الظلام لكي تمرر بعض الأسماء ومنهم (الزرفي)، وهذه خيانة لدماء الشهداء وتضحيات المجاهدين، لن نسكت".

وترى فصائل مسلحة وقوى سياسية عدة مقربة من إيران أن الزرفي الذي يحمل جنسية أميركية وتعيش أسرته هناك منذ العام 1994، يحمل توجّهات ضد فصائل "الحشد" ولديه ميول للمحور الأميركي على غرار حليفه السياسي الحالي ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مستشهدة بلقاءات سابقة له تحدث فيها عن وجوب منع أي حزب يملك جناحاً مسلحاً من المشاركة في العملية السياسية، فضلاً عن تاريخه السياسي الذي اتسم بقربه من الولايات المتحدة، منذ عمله مع الحاكم المدني بول بريمر كعضو في لجنة إعادة إعمار العراق.

وقال النائب عن تحالف الفتح"، حسن سالم، في بيان، إن "تكليف الزرفي تقف وراءه أربع جهات معروفة وتكليفه هذا خيانة لدماء الشهداء"، مضيفاً أن "كتل الحكمة وسائرون والنصر بالإضافة إلى رئيس الجمهورية برهم صالح يقفون وراء تكليف الجوكر عدنان الزرفي".
لكن مصادر في ديوان رئاسة الجمهورية، كشفت لـ"العربي الجديد"، أن القوى السياسية ضمن تحالف "الفتح" رفضت رئيس جهاز المخابرات الحالي مصطفى الكاظمي، ورفضت أيضاً المستشار الأول في ديوان الرئاسة علي شكري، ورفضت أسماء أخرى، "وكلها لأسباب غير منطقية، واتضح لقوى سياسية أخرى ورئاسة الجمهورية أن هناك من يرغب ببقاء عادل عبد المهدي أطول مدة ممكنة ويرفض أي اسم يُقدّم للمهمة"، مشيرة إلى أن "تكليف الزرفي جاء بدعم كبير من باقي القوى السياسية غير تحالف الفتح، وتم المضي بالمهمة، أما قول تحالف الفتح إنه الكتلة الكبرى غير صحيح كون الكتلة الكبرى لم تحدد أساساً منذ عام 2018 بعد إجراء الانتخابات".


الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، قال لـ"العربي الجديد" إن يوم أمس الثلاثاء يستحق أن يوثق كنقطة تحوّل في العملية السياسية في العراق. وأضاف أن "تكليف رئيس وزراء برفض قوى سياسية شيعية فاعلة وقوية وبشخصية مثل الزرفي المعروف بتوجهاته المدنية لا الدينية، يشير إلى أن هناك تحولات وتبدّلات كبيرة في ما يتعلق بسيطرة إيران على العملية السياسية في العراق، وهذا الأمر كان من المستحيل حتى التفكير به قبل عام"، معتبراً أن الزرفي سواء نجح في تشكيل حكومته أو أخفق هو الآخر لكن يُحسب ولادة تيار أو محور معارض جديد للقوى التي تتبنى الخط الإيراني في البلاد.

وسيتعيّن على الزرفي تشكيل حكومته قبل السابع عشر من الشهر المقبل في موعد دستوري جديد، وسط تفاؤل من جهات وكتل سياسية داعمة له.
وقال مصدر مقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الزرفي سيتعيّن عليه الآن أن يُرضي الكتل الرافضة له أو على الأقل يوقف أي محاولة تصعيدية ضد تكليفه، موضحاً أن حراكه في الأيام الأولى سيكون منصباً على هذا الاتجاه وتبديد مخاوف بعض القوى السياسية التي تعتبره أقرب إلى المحور الأميركي، وسيستهدف تحجيم أو تقليل فاعلية الفصائل المسلحة ويكمل ما كان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قد بدأ به عام 2017.

أما النائب أسعد المرشدي، القيادي في "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، فأعرب لـ"العربي الجديد" عن اعتقاده بنجاح الزرفي في تشكيل حكومته الجديدة، وفق المهلة الدستورية، البالغة شهراً واحداً. وحول الجهات الداعمة والرافضة للتكليف، قال المرشدي: "الزرفي له مقبولية أميركية، وكذلك لديه دعم سياسي كبير من قوى سياسية شيعية وسنّية وكردية، مع وجود اعتراض من قبل تحالف الفتح، وجزء من ائتلاف دولة القانون، وأيضاً هناك اعتراض من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية". ولفت إلى أن "الزرفي يملك حالياً أغلبية برلمانية داعمة له، فالقوى السنّية والكردية داعمة له، بالإضافة إلى أكثر من 70 في المائة من القوى الشيعية داعمة له، وعلى رأسها التيار الصدري وتيار الحكمة وائتلاف النصر، وغيرهم". وختم النائب العراقي بالقول إن "حكومة الزرفي سوف تُشكّل بالاتفاق بينه وبين القوى السياسية، ووزراء حكومته سيكونون من الخط السياسي الثالث ربما أو حتى الرابع، لكن بشرط أن يكونوا من الشخصيات الكفوءة، ويتم اختيارها من قبل الزرفي من دون فرض أي شخصية عليه، فيما الكتل تقدّم له مجموعة أسماء وهو له حق الاختيار".

كردياً، قال عضو هيئة التفاوض في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن الزرفي "سيستفيد من الأخطاء التي وقع فيها محمد توفيق علاوي، وسيتعامل بواقعية مع العملية السياسية التي هو جزء منها منذ بدايتها، لذلك الزرفي سينجح في تشكيل الحكومة وتمريرها في البرلمان العراقي، قبل انتهاء المهلة الدستورية". ورأى أن "المهم في قضية تكليف عدنان الزرفي برئاسة الوزراء، أن السلطة ستنتقل إلى جيل جديد متجاوزة الحرس القديم وذلك قد يكون أهم خطوة في تغيير مسار العملية السياسية مستقبلاً".

في المقابل، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القوى السياسية الموالية لطهران، المعترضة على تكليف عدنان الزرفي، يمكنها وقف هذا الاعتراض، حتى لو بقيت إيران معترضة، في حال قدّم الزرفي لها تعهداً بما يضمن مصالحها، فهذه القوى تفضّل مصالحها على كل المصالح، فهي مع إيران كون مصلحتها تتطلب ذلك". وأضاف النجيفي "ننتظر شكل الحكومة التي سيشكّلها عدنان الزرفي، فهل ستكون مستقلة أم أنه سيعود من جديد إلى المحاصصة وتقسيم الحصص على القوى السياسية، أم أنه سيعتمد منهج محمد توفيق علاوي ويشكّل حكومة بعيدة عن المحاصصة، فهذا الأمر يقرر إن كان يمكن تمرير حكومة الزرفي في البرلمان أو عدمه". وتابع: "إذا اتخذ الزرفي منهج علاوي، من الصعب أن يمر في البرلمان، لكن يمكن أن ينجح إذا كان هناك ضغط من الشارع العراقي داعم له، فعلاوي فشل في مهمته لأن الشارع تخلى عنه، وكذلك القوى السياسية، ولهذا الأيام القليلة سوف توضح الصورة بشكل أوضح".

أما عضو التيار المدني العراقي، الناشط في التظاهرات العراقية في بغداد، أحمد الوائلي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الزرفي مطلوب منه إجراء انتخابات مبكرة وأن يتعهد بالكشف عمن قتل المتظاهرين والمضي بموازنة البلاد المتوقفة ودفع مرتبات المواطنين لا أكثر"، معتبراً أن المتظاهرين سيتعاملون مع رئيس الحكومة الجديد إن تم منحه الثقة من هذا المعيار وإلا فلن يكون حاله مختلفاً عن عبد المهدي.

المساهمون