لم تنقضِ سوى أيام قليلة على الاتفاق الروسي التركي الجديد الذي وُقّع في 5 مارس/آذار الحالي لوقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية، حتى بدأت موسكو التمهيد السياسي لعودة العمليات العسكرية مجدداً تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بعد رفض الشارع السوري المعارض في محافظة إدلب الوجود الروسي تحت أي مسمّى عقب القصف الهستيري من قبل الطيران الروسي، الذي أدى إلى تدمير مدن وبلدات ومقتل وإصابة آلاف المدنيين وتشريد أكثر من مليون من منازلهم في الفترة الأخيرة.
وخلق الرفض الشعبي الذي تجلى أمس الأول الأحد باعتصام حال دون إتمام دورية عسكرية تركية روسية لمهمتها بالسير على الطريق الدولي "أم 4"، وقائع جديدة قد تؤدي دوراً كبيراً في تغيير خريطة التفاهمات التركية الروسية التي يبدو أنها لم تضع في الاعتبار الإرادة الشعبية في الشمال الغربي من سورية.
وفي مؤشر واضح على نيّة الروس تجاوز الاتفاق الذي أبرموه في الخامس من الشهر الحالي مع الأتراك، وأفضى إلى تهدئة في الشمال الغربي من سورية، زعمت وزارة الخارجية الروسية أمس الاثنين أن من وصفتها بـ"التشكيلات الإرهابية الناشطة" في منطقة إدلب لخفض التصعيد، أعادت تسليح نفسها، وهي تشنّ هجمات مضادة. ونقلت وسائل إعلام روسية عن الوزارة زعمها في بيان أصدرته أنه "تحتشد في منطقة إدلب لخفض التصعيد تشكيلات مسلحة كبيرة تابعة لتنظيمات إسلامية مختلفة، بينها هيئة تحرير الشام وحراس الدين، اللذان يواصلان استخدام المبادئ الإيديولوجية والأساليب الإرهابية لتنظيم القاعدة"، وفق البيان.
وادعت الخارجية الروسية أن "صفوف الجهاديين المتمركزين هناك تضم كثيراً من الدواعش، بينهم هؤلاء الذين جرى إجلاؤهم في حينه عبر ما يسمى الممرات الآمنة من مناطق أخرى في سورية"، وفق البيان. وزعمت أن "عناصر التشكيلات الإرهابية استفادوا من فترة الهدوء وعالجوا أنفسهم وأعادوا تسليحهم، بما في ذلك بفضل الدعم من الخارج، والآن يشنون عمليات هجومية مضادة". وتابعت: "أياً كانت جنسية الأشخاص الذين سلكوا طريق العنف والإرهاب، من الضروري محاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها. وهناك خياران ممكنان فقط: إما القضاء على الإرهابيين في حال مقاومتهم المسلحة، أو محاسبتهم جنائياً وفقاً للقانون". وأضافت: "ضمان تحقيق المحاسبة هو بالذات ما ترتكز عليه جهودنا الدبلوماسية في اتصالاتنا مع الزملاء الخارجيين".
في المقابل، نفت مصادر من المعارضة السورية المسلحة لـ"العربي الجديد" وقوع أي خرق لوقف إطلاق النار أو هجوم من قبل المعارضة وبقية الفصائل على قوات النظام في شمال غرب سورية، مشيرة إلى أن ما نشرته الخارجية الروسية محض كذب.
وجاء بيان الخارجية الروسية بعد يوم واحد من إفشال مدنيين محتجين على وجود روسي في محافظة إدلب، لأول دورية تركية روسية مشتركة على أوتوستراد اللاذقية - حلب الدولي المعروف بـ"أم 4"، وفق الاتفاق المبرم بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في الخامس من الشهر الحالي، في موسكو. كما جاء البيان بعد رفض مجموعات متشددة منها "تنظيم حراس الدين"، و"جبهة أنصار الدين"، و"أنصار التوحيد"، و"جماعة أنصار الإسلام"، متمركزة في الشمال الغربي من سورية. ولطالما اتخذ الروس من هذه المجموعات سبباً للفتك بفصائل المعارضة والمدنيين في مختلف المناطق السورية.
وقالت مصادر من "الجبهة الوطنية للتحرير" إن من تجمّع من المدنيين والمقاتلين يوم الأحد على طريق "أم 4" ومنعوا الدورية الروسية التركية المشتركة من إكمال سيرها كانوا عزلاً وخرجوا بمحض إرادتهم بعد دعوات من قبل ناشطين ولا علاقة للفصائل المسلحة بذلك.
وأكد الناشط عامر السيد علي، الذي كان من منسقي الوقفة، لـ"العربي الجديد"، أن الناشطين الإعلاميين المعارضين في إدلب وناشطين ميدانيين دعوا للوقفة من أجل إيصال رسالة للطرف الروسي "بأننا لن نترك أرضنا". وأوضح الناشط أن الوقفة انتهت وأُخلي الطريق الدولي، وما يروج له من قبل روسيا عن هجمات وتسليح كله عارٍ من الصحة.
اقــرأ أيضاً
ويحوي اتفاق الخامس من الشهر الحالي بنداً يدعو إلى "مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، خصوصاً التنظيمات المُدرجة في لوائح مجلس الأمن الدولي للإرهاب"، وهو مدخل واسع للروس للعودة إلى العمليات العسكرية البرية والجوية في محافظة إدلب ومحيطها.
ومن الواضح أن اتفاق الرئيسين التركي والروسي الجديد والمُلحق باتفاق سوتشي، حول "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، على وقف لإطلاق النار، يحمل في داخله عوامل انهياره، إذ اعتبره الشارع السوري المعارض نكسة جديدة تضاف إلى سلسلة نكسات، حين سمح للنظام السوري بالبقاء في المناطق التي سيطر عليها خلال شهر فبراير/شباط الماضي بالقوة العسكرية، وهو ما يحول دون عودة عشرات الآلاف من النازحين إلى ديارهم.
وفي هذا الصدد، رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أهم العوامل التي يمكن أن تحول دون تطبيق الاتفاق هو عدم جدية الجانب الروسي والنظام في التقيّد ببنوده، وكذلك رفض المدنيين في المناطق المحررة القبول بفكرة الوجود الروسي بأي شكل من الأشكال بينهم، باعتبار الروس طرفاً في النزاع من خلال المشاركة القوية في القتل والتدمير والتهجير". وتابع بالقول: "وكذلك فشل التجارب السابقة في درعا وحمص وعدم التزام الروس بالعهود المقدمة بحماية المدنيين من القتل والاعتقال والتجنيد الإجباري والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة". ورأى البكور "أن العمليات العسكرية يمكن أن تعود بأي وقت، خصوصاً أن القصف المدفعي الصاروخي لقوات النظام على المناطق المحررة لم يتوقف وإن خفّت وتيرته".
في الأثناء، بقي الهدوء الحذر سائداً في محافظة إدلب ومحيطها في اليوم الحادي عشر لوقف إطلاق النار الجديد أمس، مع استمرار غياب طائرات النظام والجانب الروسي عن الأجواء. وكان اتفاق أردوغان وبوتين الموقّع في 5 مارس/آذار الحالي، قد نصّ على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4"، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق الدولي "أم 4"، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الحالي. وفشلت القوات الروسية ونظيرتها التركية في تسيير أولى الدوريات المشتركة بين الطرفين على أوتوستراد حلب - اللاذقية الدولي، إذ انطلقت الدورية الأحد من بلدة سراقب شرق إدلب ووصلت إلى بلدة النيرب لتعود مجدداً إلى النقطة التي انطلقت منها بسبب قطع الطريق من قبل مدنيين محتجين.
ويبدو أن الجانبين التركي والروسي لم يضعا في الاعتبار إرادة نحو 4 ملايين في محافظة إدلب، تجاهل الاتفاق تماماً مأساتهم المستمرة منذ سنوات، خصوصاً في الآونة الأخيرة حين تفاقمت هذه المأساة مع نزوح أكثر من مليون مدني من أرياف حماة وإدلب وحلب منذ إبريل/نيسان الماضي حين بدأت قوات النظام ومليشيات موالية لها عملية عسكرية على عدة مراحل تحت غطاء ناري روسي غير مسبوق. وينظر الشارع السوري المعارض إلى روسيا على أنها قوة احتلال هدفها إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام استهداف الدوريات المشتركة التركية الروسية في حال تسييرها على الطريق الدولي "ام 4". كذلك هناك رفض كبير لعودة حركة المرور على الطريق بين مناطق النظام في الساحل غربي البلاد، ومدينة حلب في الشمال السوري، ومن ثم فإن مهمة الأتراك والروس ستكون شبه مستحيلة في حماية هذا الطريق وفق الاتفاق الحالي. وربما لجأت روسيا مجدداً إلى الخيار العسكري لكسر الإرادة الشعبية في محافظة إدلب، خصوصاً أن السيطرة على الطريق الدولي "ام 4" على رأس أولويات موسكو، وهي لن تتحقق في ظل الرفض الشعبي الواسع. ومن ثم فإن أمام الاتفاق تحديات كبيرة لن يستطيع الطرفان التركي والروسي التغلب عليها ما دامت قوات النظام ومليشيات تتبعها ستظل موجودة في عدة مدن وبلدات نزح عنها أهلها، أبرزها معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وسراقب في ريف إدلب الشرقي.
اقــرأ أيضاً
وخلق الرفض الشعبي الذي تجلى أمس الأول الأحد باعتصام حال دون إتمام دورية عسكرية تركية روسية لمهمتها بالسير على الطريق الدولي "أم 4"، وقائع جديدة قد تؤدي دوراً كبيراً في تغيير خريطة التفاهمات التركية الروسية التي يبدو أنها لم تضع في الاعتبار الإرادة الشعبية في الشمال الغربي من سورية.
وفي مؤشر واضح على نيّة الروس تجاوز الاتفاق الذي أبرموه في الخامس من الشهر الحالي مع الأتراك، وأفضى إلى تهدئة في الشمال الغربي من سورية، زعمت وزارة الخارجية الروسية أمس الاثنين أن من وصفتها بـ"التشكيلات الإرهابية الناشطة" في منطقة إدلب لخفض التصعيد، أعادت تسليح نفسها، وهي تشنّ هجمات مضادة. ونقلت وسائل إعلام روسية عن الوزارة زعمها في بيان أصدرته أنه "تحتشد في منطقة إدلب لخفض التصعيد تشكيلات مسلحة كبيرة تابعة لتنظيمات إسلامية مختلفة، بينها هيئة تحرير الشام وحراس الدين، اللذان يواصلان استخدام المبادئ الإيديولوجية والأساليب الإرهابية لتنظيم القاعدة"، وفق البيان.
في المقابل، نفت مصادر من المعارضة السورية المسلحة لـ"العربي الجديد" وقوع أي خرق لوقف إطلاق النار أو هجوم من قبل المعارضة وبقية الفصائل على قوات النظام في شمال غرب سورية، مشيرة إلى أن ما نشرته الخارجية الروسية محض كذب.
وجاء بيان الخارجية الروسية بعد يوم واحد من إفشال مدنيين محتجين على وجود روسي في محافظة إدلب، لأول دورية تركية روسية مشتركة على أوتوستراد اللاذقية - حلب الدولي المعروف بـ"أم 4"، وفق الاتفاق المبرم بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في الخامس من الشهر الحالي، في موسكو. كما جاء البيان بعد رفض مجموعات متشددة منها "تنظيم حراس الدين"، و"جبهة أنصار الدين"، و"أنصار التوحيد"، و"جماعة أنصار الإسلام"، متمركزة في الشمال الغربي من سورية. ولطالما اتخذ الروس من هذه المجموعات سبباً للفتك بفصائل المعارضة والمدنيين في مختلف المناطق السورية.
وقالت مصادر من "الجبهة الوطنية للتحرير" إن من تجمّع من المدنيين والمقاتلين يوم الأحد على طريق "أم 4" ومنعوا الدورية الروسية التركية المشتركة من إكمال سيرها كانوا عزلاً وخرجوا بمحض إرادتهم بعد دعوات من قبل ناشطين ولا علاقة للفصائل المسلحة بذلك.
وأكد الناشط عامر السيد علي، الذي كان من منسقي الوقفة، لـ"العربي الجديد"، أن الناشطين الإعلاميين المعارضين في إدلب وناشطين ميدانيين دعوا للوقفة من أجل إيصال رسالة للطرف الروسي "بأننا لن نترك أرضنا". وأوضح الناشط أن الوقفة انتهت وأُخلي الطريق الدولي، وما يروج له من قبل روسيا عن هجمات وتسليح كله عارٍ من الصحة.
ويحوي اتفاق الخامس من الشهر الحالي بنداً يدعو إلى "مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، خصوصاً التنظيمات المُدرجة في لوائح مجلس الأمن الدولي للإرهاب"، وهو مدخل واسع للروس للعودة إلى العمليات العسكرية البرية والجوية في محافظة إدلب ومحيطها.
ومن الواضح أن اتفاق الرئيسين التركي والروسي الجديد والمُلحق باتفاق سوتشي، حول "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، على وقف لإطلاق النار، يحمل في داخله عوامل انهياره، إذ اعتبره الشارع السوري المعارض نكسة جديدة تضاف إلى سلسلة نكسات، حين سمح للنظام السوري بالبقاء في المناطق التي سيطر عليها خلال شهر فبراير/شباط الماضي بالقوة العسكرية، وهو ما يحول دون عودة عشرات الآلاف من النازحين إلى ديارهم.
وفي هذا الصدد، رأى القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أهم العوامل التي يمكن أن تحول دون تطبيق الاتفاق هو عدم جدية الجانب الروسي والنظام في التقيّد ببنوده، وكذلك رفض المدنيين في المناطق المحررة القبول بفكرة الوجود الروسي بأي شكل من الأشكال بينهم، باعتبار الروس طرفاً في النزاع من خلال المشاركة القوية في القتل والتدمير والتهجير". وتابع بالقول: "وكذلك فشل التجارب السابقة في درعا وحمص وعدم التزام الروس بالعهود المقدمة بحماية المدنيين من القتل والاعتقال والتجنيد الإجباري والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة". ورأى البكور "أن العمليات العسكرية يمكن أن تعود بأي وقت، خصوصاً أن القصف المدفعي الصاروخي لقوات النظام على المناطق المحررة لم يتوقف وإن خفّت وتيرته".
ويبدو أن الجانبين التركي والروسي لم يضعا في الاعتبار إرادة نحو 4 ملايين في محافظة إدلب، تجاهل الاتفاق تماماً مأساتهم المستمرة منذ سنوات، خصوصاً في الآونة الأخيرة حين تفاقمت هذه المأساة مع نزوح أكثر من مليون مدني من أرياف حماة وإدلب وحلب منذ إبريل/نيسان الماضي حين بدأت قوات النظام ومليشيات موالية لها عملية عسكرية على عدة مراحل تحت غطاء ناري روسي غير مسبوق. وينظر الشارع السوري المعارض إلى روسيا على أنها قوة احتلال هدفها إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام استهداف الدوريات المشتركة التركية الروسية في حال تسييرها على الطريق الدولي "ام 4". كذلك هناك رفض كبير لعودة حركة المرور على الطريق بين مناطق النظام في الساحل غربي البلاد، ومدينة حلب في الشمال السوري، ومن ثم فإن مهمة الأتراك والروس ستكون شبه مستحيلة في حماية هذا الطريق وفق الاتفاق الحالي. وربما لجأت روسيا مجدداً إلى الخيار العسكري لكسر الإرادة الشعبية في محافظة إدلب، خصوصاً أن السيطرة على الطريق الدولي "ام 4" على رأس أولويات موسكو، وهي لن تتحقق في ظل الرفض الشعبي الواسع. ومن ثم فإن أمام الاتفاق تحديات كبيرة لن يستطيع الطرفان التركي والروسي التغلب عليها ما دامت قوات النظام ومليشيات تتبعها ستظل موجودة في عدة مدن وبلدات نزح عنها أهلها، أبرزها معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وسراقب في ريف إدلب الشرقي.