أنهى أتباع زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، المعروفون بـ"القبعات الزرق"، أمس الأحد، انسحابهم بشكل كامل من ساحات الاعتصام والتظاهر، في كل مدن الانتفاضة العراقية، ما أعاد الزخم إلى هذه الساحات، خصوصاً في النجف التي تصدرت مدن الجنوب، إلى جوار محافظة ذي قار، في عدد الضحايا الذين سقطوا في التظاهرات، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وتجاهل طلاب الجامعات العراقية، والتي تعتبر الرافدة الأولى للثورة بالمشاركين اليوميين في التظاهرات، بشكلٍ تام، تصريحات قيادات في "التيار الصدري"، فضلاً عن بيان زعيمه، الذي قضى بسحب "القبعات الزرق"، في ما اعتبره ميثاقاً، بالإضافة إلى 18 بنداً تضمنت تحريم الاختلاط بين الجنسين والالتزام بـ"الضوابط الشرعية". ورداً على ذلك، شهدت التظاهرات أمس عودة قوية للعنصر النسوي، مع ترديد شعارات أكثر جرأة ضد الصدر، وكذلك زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، على اعتبار أنهما راعيا الاتفاق على تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة العراقية.
ومن المرجح أن يشهد اليوم الإثنين، عودة ناشطين بارزين إلى ساحة التحرير في بغداد غادروا خلال الأيام الماضية بسبب المناوشات مع عناصر "القبعات الزرق"، وهو ما يعني عودة الساحة كمركز قرار مجدداً، بعدما كانت انتقلت المهمة إلى كربلاء والناصرية، خلال الفترة الأخيرة، برغبة من متظاهري بغداد أنفسهم، على اعتبار أن هاتين المدينتين أكثر حصانة من العاصمة في ما يتعلق بالتظاهرات والجهات التي تحاول إجهاضها واستهداف الناشطين فيها.
وقال الناشط والمعتصم في ساحة التحرير ببغداد، مصطفى حميد، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدوء والاستقرار عادا مجدداً، بعد انسحاب أصحاب القبعات الزرق من الساحة، كما أعاد هذا الانسحاب الحضور البشري الكثيف، خصوصاً من قبل شريحة طلاب المدارس والجامعات". وقال حميد إن "المحتجين في ساحة التحرير أكدوا استمرار رفضهم لتكليف علاوي، لتشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، كونه مرشح القوى السياسية، وكذلك الاستمرار في التظاهر والاعتصام لحين تحقيق كامل مطالب الانتفاضة الشعبية". ولفت الناشط العراقي إلى أن "مبنى المطعم التركي في ساحة التحرير لا يزال في أيدي أصحاب القبعات الزرقاء، على الرغم من انسحابهم من الساحة، لكن تم فتحه أمام جميع المحتجين، وكذلك وسائل الإعلام، من دون أن يسمح لأي متظاهر أو معتصم بالمبيت فيه، فهو لا يزال يخضع لسيطرة ونفوذ التيار الصدري حصراً".
من جهته، كشف عضو تنسيقيات ذي قار، علي وحيد، لـ"العربي الجديد"، عن أن آخر رد من المتظاهرين على محاولات دفعهم للقبول بتكليف علاوي، مع تعهدات مسبقة من الأخير بالانتخابات المبكرة وإجراءات إصلاحية أخرى، وهو ما يسعى له تيار الصدر، كان بالرفض، معتبراً أن "همّ المتظاهرين وشغلهم الأول اليوم هو الحفاظ على مدنية وسلمية التظاهرات"، وأن "لا مقدس لديهم إلا الوطن".
بدوره، أكد القيادي في "التيار الصدري"، حاكم الزاملي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "لا وجود لعناصر القبعات الزرق في ساحات التظاهرات والاعتصام، بعد توجيه الصدر لهم بالانسحاب، لكنهم متواجدون في محيط الساحات ومداخلها". وأوضح الزاملي أن "وجود أصحاب القبعات الزرق في مداخل ساحات التظاهر، هو بالتنسيق مع القوات الأمنية، ومن أجل توفير الحماية للساحات والمتظاهرين، فهذا هو الهدف الذي شكلت على أساسه القبعات الزرق منذ انطلاق ثورة أكتوبر".
وبحسب جنرالٍ عراقي في قيادة العمليات المشتركة العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، وتحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "ساحات التظاهرات والاعتصامات شهدت (أمس) الأحد حضوراً مكثفاً للمرة الأولى منذ نحو أسبوعين، مع غياب تام لأصحاب القبعات الزرق في كافة الساحات، باستثناء المطعم التركي". وأكد المصدر أن "قادة أصحاب القبعات الزرق، نسّقوا مع قيادة عمليات المحافظات وقيادات الشرطة، من أجل أن يتواجدوا إلى جانب القوات الأمنية، في محيط ساحات الاعتصام ومداخلها، كعنصرٍ داعم ومساند للقوات الأمنية، من دون التدخل في عملها".
وأضاف الجنرال العراقي أن "عدم دخول أصحاب القبعات الزرق إلى ساحات التظاهر، منع أي احتكاك أو تصادم، أو حتى مشادات كلامية بين المتظاهرين، كما حصل الأسبوع الماضي، عندما فرضوا وجودهم بالقوة".
في الشأن السياسي، قال النائب عن تحالف "الفتح"، كريم المحمداوي، لـ"العربي الجديد"، إن محمد توفيق علاوي يخوض حوارات منذ أيام مع قادة الكتل السياسية، من أجل تشكيل حكومته المرتقبة. وبيّن المحمداوي أنه "لغاية الآن، لا توجد أي اتفاقات خلال هذه الحوارات، وهي عبارة عن استماع لوجهات النظر، كما يسعى علاوي إلى تشكيل حكومته من دون أي تدخل من القوى السياسية، وهو أمر صعب في الواقع". وأضاف أن "هناك جهات سياسية بدأت بالضغط على علاوي، من أجل ترشيح أسماء تابعة لها لوزارات ومناصب معينة في الحكومة الجديدة، لكن علاوي يحاول تقليل الضغط عنه بتهديد تلك القوى بكشفها أمام الشعب".
وفي سياق المشاورات السياسية أيضاً، لفت النائب عن تحالف "الفتح"، إلى أن "زيارة رئيس الوزراء المكلف المرتقبة إلى إقليم كردستان، تأتي أيضاً من أجل الحوار مع القوى الكردية، التي تصر على أن تكون الترشيحات الوزارية من خلالها حصراً، وعدم منح علاوي أي حرية في اختيار وزراء المكون الكردي".
وحول هذه الزيارة، أبلغ مسؤول عراقي في بغداد، "العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء المكلف استطاع، خلال الساعات الـ24 الماضية، الحصول على دعم قوى كردية عدة في إقليم كردستان بشكل أولي، أبرزها الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وذلك بعد تعهدات منه بعدم الطعن أو التغيير في أيٍّ من الاتفاقات المبرمة بين بغداد وأربيل التي عُقدت في السنة الأولى من حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، من بينها اتفاق الموازنة، واتفاق مرتبات موظفي الإقليم، واتفاق النفط وموضوع كركوك.
وتعليقاً على هذه المشاورات، رأى المحلل السياسي محمد التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يمكن لعلاوي أن يتخلص من ضغوط الكتل السياسية، بكشفها وفضح أسمائها أمام الرأي العام، فيما سيجبره سكوته على الخضوع للضغوطات". وبيّن التميمي أنه "كان يفترض بعلاوي عدم التوجه للتشاور مع القوى السياسية والتحاور معها في تشكيل الحكومة، بل اختيار وزرائه بنفسه، وحمل أسمائهم إلى مجلس النواب، لإحراجه أمام الشارع، ما سيضطر النواب بالنهاية إلى التصويت لصالح الحكومة، ما يكسب علاوي أيضاً نقطة لصالحه".
وأعاد التميمي التذكير بما هو "ليس خافيا من حجم غضب ونقمة الشارع العراقي على النواب والبرلمان والأحزاب، ما يوجب على علاوي استغلاله لصالحه، بدل الظهور بموقف ضعيف مرتهن لأمزجة الكتل ومصالحها ورغباتها في المناصب، فيما سيفتح رفض البرلمان التصويت على تشكيلة حكومية مستقلة، في المقابل، باب المواجهة المباشرة بين البرلمان والشعب، وهو ما لا يريده مجلس النواب اليوم".