العراق: تواصل الاحتجاجات وضغوط على الصدر لسحب القبعات الزرق

05 فبراير 2020
سعى أنصار الصدر لقمع التظاهرات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل المتظاهرون العراقيون في بغداد ومدن جنوبي العراق احتجاجاتهم، التي بدت في الساعات الأخيرة صادمة للطبقة السياسية، على حد تعبير أحد قيادات تحالف "الفتح"، بسبب استمرارية زخمها بشكل كبير، رغم توقعات بتراجعها بعد انقلاب مقتدى الصدر وأنصاره من داعم لها إلى قامع. في السياق، سجّل نهار أمس، الثلاثاء، مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وأتباع الصدر (فريق القبعات الزرق)، أسفرت عن طعن عدد من طلاب جامعة بغداد، واعتداء بالضرب على متظاهرين آخرين لحظة دخولهم ساحة التحرير من نفق الباب الشرقي بأعداد كبيرة، في محاولة بدت أنها تخويفية من أتباع الصدر الذين ما زالوا يسيطرون على مبنى "المطعم التركي"، ومنصة ساحة التحرير، منذ أيام. وهو ما دفع المتظاهرين في العاصمة إلى إصدار بيان خوّلوا به متظاهري الناصرية ومن ثم كربلاء قيادة الحراك بدلاً منهم، لوجود ضغوط وصفوها بـ"الكبيرة" عليهم من قوات الأمن والأحزاب، وأخيرا ما بات يطلق عليه "الطرف الرابع"، في إشارة إلى أنصار الصدر.

يأتي ذلك مع تواصل مشاورات رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، مع قيادات سياسية عدة لتشكيل حكومته، رغم تصاعد حدة الغضب في الشارع الرافض له. ومن المقرر أن يشهد اليوم، الأربعاء، إطلاق حملة تحشيد واسعة لمليونية جديدة، يوم الجمعة المقبل، أطلق عليها بشكل أولي اسم "مستمرون باستعادة الوطن"، وفقاً لناشطين في ذي قار والبصرة، أكدوا أن التحشيد يهدف لوقف كل محاولات إجهاض التظاهرات، سواء من الصدريين أو السلطة في بغداد.

وقال الناشط مجتبى أحمد الفضلي، من ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات ستواصل رفع الشعارات اليومية نفسها بلا تغيير مع التأكيد على رفض علاوي"، كاشفاً عن "وجود محاولات لإقناع المتظاهرين بالقبول به لمرحلة مؤقتة من خلال لقاءات يجريها سياسيون وزعماء قبائل مع ممثلين عن المتظاهرين، غير أنها واجهت الرفض". واعتبر أن استبدال عبد المهدي بعلاوي لا يعتبر كافياً بل هو "جزء من خداع وخبث الأحزاب". واتهم الأمم المتحدة بأنها تحمل التوجه نفسه، من خلال محاولة إقناع المتظاهرين بأهمية اختبار الحكومة الجديدة وعدم استباق الحكم عليها.

وهو ما نفاه المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة في بغداد سمير غطاس، في رده بحديث مع "العربي الجديد"، قال فيه إنه "بإمكانكم الرجوع لبياناتنا الصحافية السابقة ومنشوراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي وثلاثة تقارير عن حقوق الإنسان خاصة بالاحتجاجات، وهي متاحة على الموقع الإلكتروني للفترة من 1 أكتوبر/ تشرين الأول إلى ديسمبر/ كانون الأول الماضيين". وأضاف: "موقفنا واضح، وأي شيء آخر هو محض تكهنات، والأمم المتحدة تقف إلى جانب الشعب العراقي ومطالبه المشروعة بمستقبل أفضل، وتشجّع على الحوار لتحقيق هذه المطالب".



في غضون ذلك، أفاد قيادي بارز في تحالف "الفتح"، لـ"العربي الجديد"، بأن حكومة عبد المهدي قررت ترك ملف التظاهرات ومواجهتها إلى رئيس الحكومة الجديد، لكن حكومة تصريف الأعمال ستواصل مهام حفظ الأمن ومنع تهديد الاستقرار. وأضاف "هذا قرار اتُخذ سابقاً وسيكون أمام علاوي أول تحدٍ هو التظاهرات ومعالجتها إن استطاع". واعتبر أن استمرار التظاهر بهذا الزخم، شكّل حالة صدمة لقوى سياسية ومراقبين في العراق، بفعل توقعهم أنه بمجرد تحول الصدر من داعم إلى مواجه للتظاهرات ستتلاشى وتضعف تدريجياً، لكن كل شيء تغير منذ 4 أيام". وكشف عن مواصلة علاوي لقاءات وجس نبض للقوى السياسية المختلفة في المنطقة الخضراء، وتمّ تخصيص دار إقامة مؤقت له فيها.

ميدانياً، أعلنت مصادر طبية عراقية تعرّض 11 متظاهراً في بغداد للطعن، وآخرين للضرب بالعصي خلال مواجهات جرت بساحة التحرير في العاصمة بغداد، بعد دخول أفواج كبيرة من طلاب الجامعات إلى الساحة للمشاركة في التظاهرات. وهاجم أنصار الصدر متظاهرين رفعوا يافطات ترفض تكليف محمد علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، في الوقت الذي اشتبكوا فيه مع محتجين قطعوا عدداً من الطرق، كما هاجموا طلاب جامعات في واسط والمثنى وكربلاء والنجف أعلنوا اضراباً عن الدوام.

وقال مسعف في ساحة التحرير إن 11 متظاهراً طُعنوا بالسكاكين بعد مشادة مع أنصار الصدر، الذين كانوا يفتشون المتظاهرين الجامعيين قبل دخولهم ساحة التحرير، مبيناً أن عشرات آخرين تعرضوا للضرب بالعصي.
وقال الناشط علي الحلفي لـ"العربي الجديد"، إن أتباع الصدر صادروا أجهزة هاتف من متظاهرين بسبب تصويرهم مقاطع لضرب متظاهرين آخرين. وعزز متظاهرو البصرة، أمس، مواقعهم عبر بناء خيام جديدة ونصب منصات إعلانية، كما رفعوا يافطات كبيرة أغلبها حمل دلالة رفض تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، فيما شهدت كربلاء والكوت والسماوة عودة واضحة للعنصر النسوي المتظاهر في الاحتجاجات على غرار بغداد، التي بدت أكثر زخماً من الأيام الماضية.

من جانبه، قال المقدم سلام المالكي، من شرطة بابل، لـ"العربي الجديد"، إنهم شكّلوا حاجزاً بين المتظاهرين وأنصار الصدر تجنّباً لوقوع مزيد من المشاكل. وأضاف أن الأمن يخشى من تحوّل التدخل العنيف لأنصار الصدر إلى مشاكل عشائرية مع أهل المتظاهرين بشكل يهدد الأمن. وبالتزامن مع تصاعد النقمة الشعبية على التيار الصدري، خصوصاً في بغداد وجنوبي العراق، كشف قيادي في التيار الصدري ببغداد عن قرب سحب الصدر أنصاره من ساحات التظاهر لكن بشكل "تدريجي". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك ماكينة إعلامية تقف وراءها واشنطن والكيان الصهيوني لتشويه سمعة الصدريين وزعيمهم، من خلال اختلاق أكاذيب بشأن التظاهرات، معتبراً أن القبعات الزرق ستنسحب بعد التأكد من أنها "نظفت الساحات من الجوكر والذيول والمندسين". وختم قائلاً إن "الحديث عن أننا نريد انهاء التظاهرات غير صحيح، لكن نجد أن هناك من اخترقها ويريد أن يحولها إلى عنف وإرهاب وتهديد للاستقرار، وبالتالي خلق حرب شيعية شيعية، وهو ما تريده أميركا وإسرائيل. لذا نحن نمنع هذا المخطط".

وكان الصدر قد أصدر توجيهاً جديداً لأتباعه قال فيه إن "القبعات الزرق واجبها تأمين المدارس والدوائر الخدمية سلمياً، وليس من واجبها الدفاع عني وقمع الأصوات التي تهتف ضدي. شكراً لكم". وأضاف "إخوتي (القبعات الزرق) واجبكم تمكين القوات الأمنية من بسط الأمن وحماية الثوار وحينئذ ينتهي دوركم"، وذلك في إشارة فهمت بأنها رضوخ لما تسرب من معلومات عن رفض النجف، ممثلة بمكتب المرجع علي السيستاني، لهجمات أتباع الصدر والتنكيل بالمتظاهرين.


المساهمون