وقالت مصادر ليبية برلمانية مقربة من حفتر، وأخرى مقربة من حكومة الوفاق، إن ممثلي حفتر في جنيف اشترطوا فك الحكومة لحلفها مع الحكومة التركية لمواصلة المحادثات، ما تقابله ضغوط من أطراف دولية لدفعهم لتليين موقفهم وإرجاء الحديث عن موضوع تحالف حكومة الوفاق مع تركيا.
وفي مستجدات ما يجري في جنيف، قالت المصادر إن البعثة الأممية توقفت عن قبول مقترحات من الطرفين، وفضلت أن تقدم مقترحا من جانبها يتضمن عدة بنود وافق على أغلبها الطرفان، منها تبادل الأسرى وجثث القتلى. وأفادت بأن بنودا أخرى، مثل عودة النازحين إلى مساكنهم في أحياء جنوبي طرابلس لا تزال محل جدل، حيث طالب وفد الحكومة بخلو تلك الأحياء من مظاهر التسلح وانسحاب قوات حفتر إلى مراكز عسكرية خلفية، وهو ما يرفضه ممثلو حفتر.
وفي هذا الإطار، نقل مصدر برلماني عن رئيس الوفد العسكري الممثل لحفتر، اللواء المدني الفاخري، قوله إن المقترح الأممي "يناقش مسائل جانبية"، وإن "الشرط الأساسي لاستمرار المحادثات هو خروج القوات التركية والمقاتلين السوريين"، وهو شرط يتماهى تماما مع تصريحات حفتر، أمس، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، بمناسبة زيارته المفاجئة لموسكو.
وزعم حفتر أنه "إذا لم تنجح حوارات جنيف بتحقيق الأمن والسلام لبلادنا وشعبنا ويتم إخراج المرتزقة ويعودوا من حيث تم جلبهم، فبكل تأكيد، القوات المسلحة ستقوم بواجبها الوطني والدستوري في حماية مواطنيها وسيادة الدولة وحدودها من الغزو التركي".
وكانت تصريحات رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، إثر قصف ميناء طرابلس الأسبوع الماضي، قد حملت تكهنا مسبقا لما ستؤول إليه محادثات جنيف بقوله "نعلم أن حفتر لا يريد سلاما"، إلا أن الأكاديمي الليبي، خليفة الحداد، يعتبر أن مواقف "السراج مرتبكة بسبب الهوة التي تفصل بينه وبين مواقف المقاتلين على الأرض".
Facebook Post |
ويرى الحداد في حديثه لــ"العربي الجديد" في قرار تعليق الحكومة لمشاركتها في محادثات جنيف، قبل تعهد حفتر بالتزامه بقرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار "خطوة صحيحة وورقة ضاغطة"، لكن "عودتها إلى جنيف لا تعكس إلا انصياعها للضغوط الخارجية رغم أنها تملك عوامل قوة يمكن أن ترجح كفتها، منها موقفها الميداني".
وتعتقد كثير من الأوساط المتابعة أن التحركات السياسية الدولية، كمؤتمر برلين من أجل الاتفاق على حل سياسي للأزمة الليبية، جاءت بعد قناعتها بفشل حفتر العسكري، وأن حلفاءه الكبار، مثل فرنسا وروسيا، لم يعد بإمكانهم تقديم المزيد من الدعم السياسي له، وهو ما يرى الحداد بأنه "من أكبر عوامل القوة إذ أثبتت الحكومة أن لديها قوة مكنتها من إفشال مخطط مدعوم من الخارج".
وعن مستقبل المحادثات العسكرية يرجح الحداد أنها "لن تفضي لشيء" وأن حفتر استبق كل ما سيحدث بالنتيجة النهائية عندما وضع شرطا تعجيزيا يتمثل في خروج القوات التركية، مضيفا أن "خروج القوات التركية يعني بقاء طرابلس لقمة سائغة لحفتر وحلفائه الذين لم يتوقفوا عن إرسال الأسلحة والتعزيزات".
ويلخص الحداد ما يحدث في حنيف بأنه "مناورة من حفتر لكسب مزيد من الوقت وتكديس الأسلحة والدعم".
ولا تزال دولة الإمارات تقيم جسرا جويا من أراضيها لنقل دعم عسكري إلى قواعد ومعسكرات حفتر، فقد أعلنت عملية "بركان الغضب" رصدها وصول طائرتي شحن عسكريتين، انطلقتا من الإمارات، إلى قاعدة عسكرية تتبع قوات حفتر شرقي ليبيا، أمس الجمعة.
ونشرت العملية، على صفحتها على "فيسبوك"، صورا ومعلومات عن تسجيل وصول طائرتي شحن عسكريتين انطلقتا من قاعدة سويحان العسكرية الجوية في الإمارات، إلى قاعدة عسكرية، جنوب مدينة المرج، شرقي ليبيا.
Facebook Post |
وعكس التحليلات المتشائمة لنتائج محادثات جنيف، يقرأ الباحث الليبي في الشؤون السياسية، بلقاسم كشادة، التطورات من زاوية أخرى تتعلق بمؤشرات يحملها الانخراط الأميركي الواضح. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن دخول السفير الأميركي (ريتشارد نورلاند) على خط ما يجري في جنيف صدفة أو مجرد عمل دبلوماسي، فهو يؤشر إلى تنامي المخاوف الأميركية من الموقف الروسي"، معتبرا أن موقف روسيا من قرار مجلس الأمن الأخير بشأن وقف إطلاق النار، وخصوصا إحدى صيغ القرار المتعلقة بخروج المرتزقة من ليبيا، الذي عارضته روسيا هو ما أثار التوجس الأميركي.
وبعيدا عن المواقف الرسمية غير الواضحة للبيت الأبيض بشأن الأزمة الليبية، يشير حديث مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والأوسط، ديفيد شينكر، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في 12 فبراير/ شباط الجاري، على ما يبدو، إلى رضا أميركي بشأن الوجود التركي إلى جانب حكومة الوفاق كونه "وازن" القوى، مقابل شجب للدعم الروسي لحفتر الذي شجعه "على مواصلة مهاجمة العاصمة طرابلس".
ويؤكد كشادة في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الوجود التركي في ليبيا جاء بضوء أخضر أميركي، موضحا أن "تركيا لها حساباتها الخاصة مع روسيا في سورية ووجودها في ليبيا يعني أن على روسيا مراجعة حساباتها وأهدافها هنا أيضا".
ويعتقد كشادة أن محادثات جنيف ستفضي إلى اتفاق فعلي لفك الاشتباك في محيط طرابلس، تمهيدا للمسار السياسي الذي يهدف المجتمع الدولي من خلاله إلى إزاحة كل الأجسام والوجوه الموجودة في المشهد، واستبدالها بغيرها من خلال تشكيل حكومة جديدة وربما انتخابات واتفاق على دستور.
ويذهب الباحث الليبي بعيدا باعتقاده أن ما يجري في جنيف يهدف إلى تشكيل أجسام عسكرية وأمنية أكثر انضباطا ولو عارضت بعض القوى حاليا. وعن إمكانية قبول حفتر بتلك النتائج، يرى كشادة أن "حفتر لدى كثير من الدول الكبرى لم يعد يلبي أهدافها وكل المهل التي أعطيت له خلال عشرة أشهر استهلكها وفشل خلالها عسكريا".