تفيد التوقعات في العاصمة العراقية بغداد إلى إمكانية حسم رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي تشكيلة حكومته قريباً، إذا أفضى اجتماع من المرجَّح عقده مساء اليوم الأحد بين قوى سياسية عدة لبحث منح الثقة للحكومة في البرلمان، إلى تشكيلة معظم وجوهها من اختيار علاوي من دون الأخذ بأيٍّ من ترشيحات القوى السياسية، وخصوصاً العربية السُّنية والكردية التي لا يزال أغلبها يطالب بحصته في الحكومة، على مبدأ أن رئيس الوزراء نفسه جاء بمحاصصة للمنصب.
في هذا الإطار تحدث مفاوض ضمن فريق علاوي لـ"العربي الجديد"، فقال إن رئيس الحكومة حسم أكثر من نصف تشكيلته الوزارية، وهي من اختياره، ووافقت عليها كتل عدة، لكن هناك اعتراضات من قوى أخرى، لأن هذه الكتل لم ترشح الوزراء، بل رشحهم علاوي بنفسه، وتصرّ على أنها ستصوّت سلباً ضده. وكشف المفاوض عن اجتماع من المرجح عقده مساء اليوم لهذا الأمر في بغداد، بين علاوي وعدد من زعماء القوى السياسية الرئيسية، ومن المرجح أن يجري التفاهم النهائي خلاله على التشكيلة الحكومية والبرنامج الحكومي، ما سيفضي إلى طلب عقد جلسة برلمانية قريباً. وأشار إلى أن المسؤول في حزب الله اللبناني، محمد كوثراني، نجح في اليومين الماضيين في تطويع قوى شيعية عدة من أجل التصويت لمنح علاوي الثقة، ومنها من كان رافضاً لذلك، مثل كتلة "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وكتلة "النصر"، بزعامة حيدر العبادي. ونجح كوثراني في إحداث خرق بموقف القوى السُّنية التي وافقت كتل عدة منها على التصويت لعلاوي. وتوقع المفاوض أن يكون منح الثقة شبيهاً بجلسة التصويت على إخراج القوات الأميركية الشهر الماضي، إذ كانت بإجماع القوى الشيعية وغياب غالبية القوى السُّنية والكردية والأقليات عنها.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه حتى مساء أمس السبت، أيّدت قوى سياسية عدة علاوي، وهي تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "النصر"، بزعامة حيدر العبادي، و"تيار الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، وحركة عطاء، بزعامة فالح الفياض، و"دولة القانون"، فضلاً عن قوى عربية سُنية معروف قربها من إيران، وكذلك كتل كردية مثل الاتحاد الوطني. بدوره، كشف الوزير السابق، جاسم البياتي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك امكانية كبيرة لمنح علاوي وحكومته ثقة مجلس النواب". وأضاف أن "طريقة اختيار الوزراء لحكومة علاوي، جرت من خلال تقديم ما يقارب خمسة مرشحين لكل حقيبة وزارية، من قبل علاوي وفريقه الخاصة، ثم تعرض تلك الأسماء على بعض القوى السياسية، للموافقة على ترشيح بعض الشخصيات من المستقلين".
وكشف البياتي عن أن "علاوي بهذا الأسلوب تمكن من حسم 11 حقيبة وزارية، لغاية الآن، وهذه الوزارات كلها ستمرر لوجود اتفاق وتوافق سياسي عليها. في المقابل، هناك مرشحون للوزارات الباقية، لكنه لم يُتَّفَق بشأنهم بعد". وختم بالقول إن "علاوي، قد يستجيب لضغوط بعض الكتل السياسية، ويقبل بمرشحيها، لكنه سيتحمّل مسؤولية ذلك، أمام القوى السياسية الأخرى والشعب".
في المقابل، كشفت مصادر في تحالف "سائرون" لـ"العربي الجديد"، عن أن الكتل القريبة من إيران اشترطت تضمين علاوي برنامجه الحكومي بنداً عن إخراج القوات الأميركية من العراق، مؤكدة أن هذا البند سيكون رئيسياً في إعلانه المرتقب من داخل قبة البرلمان. وأقرّت في الوقت ذاته بأنّ من بين الشروط التي في ضوئها سيُدعَم علاوي، مع التعهد برفع جاهزية الجيش العراقي، والتشديد على أن الحشد جزء من المنظومة الأمنية العراقية ووجوب دعمها. وسيشتمل البرنامج على تعهّد بالعمل على إجراء انتخابات مبكرة من دون تحديد موعد ثابت أو تقديري، وهو خلاف ما يطالب به المتظاهرون اليوم، إضافة إلى فتح ملفات الفساد والعمل على تفعيل قرارات التخفيف من الفقر والبطالة، وهي فقرات تبدو مكررة من حكومات سابقة كحكومة المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.
إلى ذلك، قال القيادي في تحالف الفتح، النائب كريم المحمداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القوى السياسية الشيعية اتفقت على منح الثقة لعلاوي، وحكومته الجديدة، مع وجود اعتراضات لقوى سياسية سنية وكردية على منح الثقة، بسبب عدم إعطائها وزارات في الحكومة الجديدة". ولفت إلى أن "هناك اتفاقاً وامكانية على أن تُمرّر حكومة علاوي، ولو كان باعتراض القوى السياسية الكردية والسُّنية، فهناك أغلبية سياسية شيعية قادرة على منح ثقة البرلمان لعلاوي وحكومته، كما حصل ذلك في قضية القرار البرلماني الأخير القاضي بإخراج القوات الأجنبية من العراق". وأكد المحمداوي أن "هناك اتفاقاً بين تحالفي "الفتح" و"سائرون"، وقوى سياسية أخرى، على تمرير حكومة علاوي، حتى لو تمّ ذلك بالأغلبية السياسية الشيعية فقط، ونحن قادرون على ذلك".
من جهته، أفاد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ديار برواري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "يجب أن يؤخذ بالاعتبار رأي القوى السياسية من الأكراد أو السُّنة، ولا يجوز حصر رأي العملية السياسية بمكوّن واحد، فنحن جزء من هذا البلد، وجزء من النظام السياسي الحديث في العراق". وكشف برواري أن "إهمال أي مكون وإهمال مختلف الآراء السياسية مضرّ بمصلحة العراق، وفي حال اتخاذ أي قرار بتمرير حكومة علاوي، وفق الأغلبية السياسية، فسيكون لنا قرارات وخطوات، لكن هذا الأمر يتم بعد الدراسة من قبل القيادات في إقليم كردستان". وأضاف أن "القوى الكردية، والقوى السياسية الأخرى، لديها الكثير من وسائل الضغط التي من الممكن أن تفرض على القوى الأخرى، لمنعها من تمرير حكومة علاوي". واعتبر أن "تشكيل حكومة من دون توافق كل المكونات أمر خاطئ، وسيزيد من المشاكل، بل سيخلق مشاكل جديدة، العراق في غنى عنها".
في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يعتقد بإمكانية ذهاب علاوي إلى البرلمان في اليومين المقبلين، وقد يكون ذلك قريباً، خصوصاً أن الحوارات ما زالت تشهد انسداداً مع بعض القوى السياسية. وبيّن أنه "لا يمكننا أن نرى البيت السياسي الشيعي متماسكاً في قضية دعم علاوي، فحتى هذا البيت غير متفق على منح الثقة لعلاوي". وأضاف أن "ثلث البيت السياسي السُّني، لغاية الآن، يمتنع عن منح الثقة لعلاوي، وحتى البيت السياسي الكردي، منقسم بين مؤيد ومعارض لمنح الثقة للحكومة الجديدة، ولهذا السبب فإن الحوارات مستمرة ومتعسرة والمواقف متباينة، ولهذا لا يمكن منح الثقة لعلاوي، من دون توافق واتفاق سياسي شامل لكل البيوت السياسية".